مادة نترات الأمونيوم التي تسببت في انفجار بيروت مساء الثلاثاء هي عبارة عن ملح أبيض عديم الرائحة يُستخدم كأساس للعديد من الأسمدة النيتروجينية على شكل حبيبات، وهي لا تنفجر إلا تحت ظروف معينة، وقد أدت إلى العديد من الحوادث الصناعية.
وتم تخزين حوالي 2750 طناً من نترات الأمونيوم في مستودع في مرفأ بيروت منذ سنوات، بحسب رئيس الوزراء اللبناني، وأدى الانفجار إلى مقتل أكثر من مئة شخص وأضرار كبرى في العاصمة اللبنانية.
ما هي مادة نترات الامونيوم؟
نترات الأمونيوم مادة صلبة بلورية بيضاء قابلة للذوبان بشكل طبيعي، وتعرف باسم "الملح الصخري"، وصيغتها الكيميائية هي NH4NO3.
ورغم أن أكبر مخزون من نترات الأمونيوم الطبيعية موجود في صحراء أتاكاما في تشيلي، فإن ما يقرب من 100٪ من هذه المادة المستخدمة الآن اصطناعية، ويمكن تحضيرها عن طريق تفاعل الأمونيا مع حمض النتريك.
تستخدم نترات الأمونيوم في الغالب في الزراعة كسماد عالي النيتروجين، وهي مادة مستقرة نسبياً في معظم الظروف، وغير مكلفة من ناحية التصنيع، مما يجعلها المادة الكيميائية البديلة الأكثر شيوعاً كمصدر للنيتروجين، والأقل تكلفة.
وتعد نترات الأمونيوم من مكونات الأسمدة التي تسمى الأمونترات، والتي يشتريها المزارعون في أكياس كبيرة أو بالوزن. وهي منتجات غير قابلة للاشتعال، ولكنها مؤكسدات، أي أنها تسمح باحتراق مادة أخرى مشتعلة.
وعلى الجانب الآخر، تعد نترات الأمونيوم مكوناً رئيسياً لمادة ANFO، المعروفة باسم "زيت الوقود"، التي تُستخدم كمادة تفجير اصطناعية في قطاع التعدين والمحاجر والبناء المدني، وتمثل 80٪ من المتفجرات الاصطناعية المستخدمة في الولايات المتحدة.
من الصعب إشعالها أو تفجيرها
ولا تعتبر مادة نترات الأمونيوم خطيرة في حد ذاتها، لكن في ظروف معينة يمكن أن تكون مدمرة، ومن هنا، فإن لدى معظم البلدان لوائح تتعلق بطرق تخزينها للتأكد من أنها آمنة.
وأكدت جيمي أوكسلي، وهي أستاذة الكيمياء بجامعة رود آيلاند الأمريكية التي أجرت دراسات عن اشتعال مادة نترات الأمونيوم "من الصعب جداً إشعالها" كما أنه "ليس من السهل تفجيرها".
وأوضحت مذكرة فنية لوزارة الزراعة الفرنسية أنه لا يمكن إحداث انفجار إلا عبر التماس مع مادة غير متوافقة أو مصدر شديد للحرارة.
وبالتالي يجب أن يخضع التخزين لقواعد من أجل عزل نترات الأمونيوم عن السوائل القابلة للاشتعال (الوقود والزيوت، وما إلى ذلك)، والسوائل المسببة للتآكل، والمواد الصلبة القابلة للاشتعال أو حتى المواد التي تبعث حرارة عالية.
ما الذي يجعل نترات الأمونيوم تنفجر؟
هناك مجموعة من العوامل والظروف التي لا بد من توافرها لتحويل نترات الأمونيوم من مركب آمِن إلى مادة متفجرة، من دون أي وقود أو محفزات خارجية.
ويتم تصنيف نترات الأمونيوم على أنها "مادة حيوية"، وهي تنتج الحرارة أثناء تحللها على غرار الطرق المعروفة عن توليد الحرارة باستخدام المواد المتعفنة في السماد.
وإذا كانت هناك كمية كبيرة من نترات الأمونيوم في ظروف غير طبيعية، فإنه يمكنها توليد حرارة ذاتية كافية لإشعال النار واستمرار الحريق، من دون الحاجة إلى أي محفز خارجي.
وأثناء احتراقها، تمر نترات الأمونيوم بتغيرات كيميائية تؤدي إلى إنتاج الأكسجين، وهو بالضبط ما يحتاجه أي حريق للاستمرار والتمدد، ومع ارتفاع درجة الحرارة تتحول المادة إلى ما يشبه "مفجر القنبلة".
وتظل المساحة خلف "المفجر" تزداد سخونة مع سرعة الاندماج حيث تتشكل الغازات الساخنة بشكل أكبر كثافة، إلى حين لا تجد مكاناً تتسع فيه، فتنفجر في نهاية المطاف.
مصدر للحوادث
وشكلت نترات الأمونيوم مصدراً للعديد من المآسي، عرضية أو جرمية، في العالم.
ووقعت أول الحوادث في مصنع "بي أي إس إف" في أوباو (ألمانيا) وأسفر عن مقتل 561 شخصاً في عام 1921. في عام 1947، اهتزت مدينة بريست الفرنسية إثر انفجار سفينة الشحن النرويجية أوشن ليبرتي التي كانت محملة بالمادة.
في فرنسا كذلك، انفجرت كمية كبيرة تبلغ حوالي 300 طن من نترات الأمونيوم مكدسة بكميات كبيرة في مستودع مصنع "آي زد إف" في الضواحي الجنوبية لمدينة تولوز الفرنسية في عام 2001 وسمع دويه على بعد 80 كيلومتراً وأدى إلى مقتل 30 شخصاً وألحق دماراً في المدينة الرابعة لفرنسا.
في الولايات المتحدة، أدى انفجار رهيب في مصنع "ويست فيرتلايزر" للأسمدة في بلدة ويست غرب تكساس إلى مقتل 15 شخصاً في عام 2013، حيث انفجر مخزون من نترات الأمونيوم في حادث متعمد. وشكك المحققون في غياب معايير التخزين.
وأداة مفضلة للإرهابيين
ويمكن أيضاً استخدام نترات الأمونيوم في تصنيع الأدوات المتفجرة.
إذ تلعب التكلفة المنخفضة لنترات الأمونيوم، فضلاً عن توافرها في الأسواق، دوراً كبيراً في جعلها المادة المفضلة للجماعات الإرهابية من أجل تصنيع القنابل.
وبينما تعد نترات الأمونيوم المحرك الأساسي لإحداث الانفجار، فإن تصنيع قنبلة من هذه المادة يحتاج إلى صاعق "مفجر القنبلة"، وبعض الوقود الذي يمكن أن يجعل تأثير التفجير مضاعفاً.
وقد استخدم الجيش الجمهوري الإيرلندي في المملكة المتحدة قنابل الأسمدة مرات عدة، ففي أبريل/نيسان 1992 انفجرت قنبلة أسمدة وزنها طن في مبنى في لندن مما أسفر عن مقتل 3 أشخاص.
كما استخدم الجيش الجمهوري الإيرلندي قنبلة أسمدة أخرى في تفجير آخر في لندن بشهر أبريل 1993، حيث عمد إلى إخفائها في شاحنة صغيرة، وأدى الانفجار حينها إلى مقتل شخص وإصابة 40 آخرين.
وفي 19 أبريل/نيسان 1995، فجّر تيموثي ماكفي عبوة وزنها طنان من السماد أمام مبنى فيدرالي اتحادي في مدينة أوكلاهوما الأمريكية، مما أسفر عن مقتل 168 شخصاً، في أسوأ حادثة إرهاب محلي في أمريكا (إرهاب مارسه مواطنون أمريكيون بيض).
وقد أعدم منفذ الهجوم الرئيسي فيما سُجن متعاون معه مدى الحياة.
كما استخدمت في انفجارات بالي في إندونيسيا التي وقعت عام 2002 وأسفرت عن مقتل 2020 شخص.
لماذا خُزنت في مرفأ بيروت، وكيف انفجرت؟
من الواضح أن لبنان قد منع استخدام هذه المادة في الزراعة بسبب خطورتها وأضرارها البيئية، وقد صودرت هذه الشحنة قبل سنوات، وكان يفترض إتلافها، ولكن بقيت في مكانها في خضم الفوضى والأزمات التي تعاني منها البلاد.
وتبلغ الرطوبة النسبية الحرجة لنترات الأمونيوم 59.4%، الرطوبة الزائدة وتمتص من الغلاف الجوي. لذلك، من المهم تخزين نترات الأمونيوم في حاوية محكمة الإغلاق. خلاف ذلك، يمكن أن تتجمع في كتلة صلبة كبيرة.
وحسب معلومات أمنية أولية، فإن الانفجار حدث أثناء عملية تلحيم لفتحة صغيرة لمنع السرقة، وفقاً لما ذكرته تقارير إعلامية لبنانية.