رغم كون الحكومة الإسرائيلية الحالية خرجت للنور بعد ثلاثة انتخابات عامة في أقل من عام ورغم تشكيلها قبل أقل من ثلاثة أشهر فقط، يبدو أن حل الحكومة والعودة لصناديق الاقتراع للمرة الرابعة أصبح احتمالاً قائماً بقوة، فما السبب وراء الأزمة الحالية؟
بعد أقل من ثلاثة أسابيع، وتحديداً يوم 25 أغسطس/آب الجاري، يحل الموعد المحدد لإقرار الميزانية العامة في إسرائيل، وسط مخاوف متصاعدة من احتمال انهيار الائتلاف الحكومي، وهو ما يعني تلقائياً التوجّه لانتخابات جديدة، ستكون الرابعة منذ أبريل/نيسان 2019.
والخلاف الحالي بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (زعيم حزب الليكود) من جهة ووزير الدفاع رئيس الوزراء المناوب زعيم حزب "أزرق أبيض" بيني غانتس من جهة أخرى يتعلق بمطالبة نتنياهو بميزانية لعام واحد فقط، بينما يصر غانتس على إقرار ميزانية لعامين.
وفي حال عدم إقرار الميزانية حتى تاريخ 25 أغسطس/آب الجاري، فإن على الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) أن يحلّ نفسه وتُنظم انتخابات عامة بعد 3 أشهر، وتعكس الأزمة حالة انعدام الثقة بين "الليكود" الذي يقوده نتنياهو وحزب "أزرق أبيض"، برئاسة غانتس.
غانتس لا يثق بنتنياهو
وترى وسائل إعلام إسرائيلية أن غانتس يصر على إقرار ميزانية لعامين، كونه لا يثق بنتنياهو، ويخشى أن "يغدر" به، ولا ينفذ الاتفاق الذي أبرماه، وينص على التناوب في رئاسة الحكومة.
وقال وزير العلوم والتكنولوجيا أوفير أكونيس (من حزب الليكود)، الإثنين "إن موافقة أزرق أبيض على إقرار مشروع ميزانية لعام واحد، سيبعد احتمال إجراء انتخابات قريباً ويؤدي الى استقرار في الدولة".
واعتبر في حديث لهيئة البث الإسرائيلية أن إصرار غانتس على ميزانية لعامين، بأنه "تعبير عن عدم الإحساس بالمسؤولية، نظراً لخطر تعرض الدولة لموجة ثالثة من جائحة فيروس كورونا في غضون الأشهر الثلاثة إلى الأربعة القادمة"، وتابع أكونيس أن "أزمة كورونا تُبرر إصرار (الليكود) على إقرار ميزانية لعام واحد فقط".
فيروس كورونا
تأتي أزمة الميزانية، في وقت تواجه فيه إسرائيل ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الإصابات بفيروس كورونا منذ يونيو/حزيران الماضي وتراجعاً اقتصادياً بسبب الجائحة، وقالت هيئة البث الإسرائيلية، الإثنين: "يستمر التوتر داخل الائتلاف الحكومي على خلفية الجدال حول المصادقة على مشروع ميزانية للدولة".
"أعاد رئيس الوزراء المناوب بيني غانتس التزامه بإقرار مشروع يضم العامين المقبلين، رغم معارضة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو لذلك"، مضيفة أن "غانتس أكد لأعضاء حزبه أنه متمسك بموقفه في هذه القضية".
وتحت عنوان "هل نحن في الطريق إلى انتخابات؟" كتبت صحيفة "معاريف"، الإثنين، "فيما يصل عدد العاطلين عن العمل إلى 870 ألفاً فإن الإسرائيليين قد يعودون مجدداً إلى صناديق الاقتراع بسبب الأزمة حول الميزانية".
وتساءلت: "هل سيؤدي الخلاف داخل الحكومة حول الميزانية إلى دفع إسرائيل إلى صناديق الاقتراع في مثل هذا الوقت الصعب، إذا لم يتم إقرار الميزانية بحلول الخامس والعشرين من أغسطس/آب".
لكنّ وزير المالية يسرائيل كاتس (من حزب الليكود) قال، الإثنين، إن إعداد ميزانية لعامين سيتطلب عدة أشهر، وأضاف لهيئة البث الإسرائيلية: "لقد أعددنا ميزانية للعام 2020، إسرائيل بحاجة إلى ميزانية ونحن مستعدون لذلك".
"لقد طلبت عرض الميزانية في اجتماع الحكومة أمس، وقد درس رئيس الوزراء نتنياهو الموضوع، ولكنّه على الأرجح ما زال بحاجة إلى المزيد من الوقت لبحث الموضوع مع غانتس"، وأكمل كاتس: "إن إعداد ميزانية أخرى غير تلك التي جهزناها، مثلاً ميزانية لعامين، هي عملية ستستغرق عدة أشهر ولا توجد هكذا إمكانية في هذا الوقت".
انعدام الثقة بين نتنياهو وغانتس
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد قالت في الأيام الماضية إن غانتس يخشى من أن نتنياهو يريد ميزانية لعام واحد استعداداً لاختلاق أزمة جديدة مطلع العام المقبل تؤدي إلى انتخابات، فوفقاً للاتفاق الذي تشكلت الحكومة الإسرائيلية الحالية على أساسه في مايو/أيار الماضي، فإن نتنياهو سيترأس الحكومة لمدة 18 شهراً قبل أن يُسلّم رئاسة الحكومة إلى غانتس الذي سيبقى بالمنصب لفترة مماثلة.
لكن غانتس يخشى من أن نتنياهو يريد أن يرأس الحكومة، ولا يريد أن يسلمها لأحد، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.
المعارضة في صف نتنياهو
وفي موقف نادر، يؤيد زعيم المعارضة الإسرائيلية، رئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لبيد، نتنياهو في موقفه، ورداً على سؤال، عمّا إذا كانت إسرائيل في طريقها إلى انتخابات، قال لبيد: "أنا لا أعرف، عليكم أن تسألوا هذا الائتلاف الحكومي المجنون المنفصل عن الواقع".
واعتبر لبيد في حديثه إلى محطة إخبارية محلية في مدينة تل أبيب، الإثنين، أن من غير الممكن في هذا الوقت إعداد ميزانية لمدة عامين، وقال لبيد الذي شغل في الماضي منصب وزير المالية: "لا أعتقد أنه من الممكن وضع ميزانية للعام 2021 بشكل احترافي".
"من وجهة نظر اقتصادية كيف يمكنك عمل ميزانية؟ لا توجد طريقة يمكن لإسرائيل أن تعرف من خلالها الآن كيف سيبدو عليه الوضع الاقتصادي أواسط العام 2021 ولذا فإن ما هو مطلوب هو ميزانية سريعة لعدة أشهر".
ويعد لبيد من أشد المعارضين لنتنياهو، ولكنّه أيّده في موقفه من الميزانية، ولم يؤيد لبيد إجراء انتخابات جديدة في هذه المرحلة، في ضوء الأوضاع الاقتصادية وجائحة كورونا، رغم أنه أشار إلى أن "هذه الحكومة تحتاج حتماً إلى تغيير". وحذر من أن الخلاف حول الميزانية يتم في وقت "ينهار فيه الاقتصاد وتزداد فيه البطالة، وترتفع أعداد المرضى بفيروس كورونا".
وكانت ثلاث جولات انتخابية عامة قد جرت في إسرائيل منذ أبريل/نيسان 2019 آخرها في شهر مارس/آذار الماضي، فشل خلالها الليكود بزعامة نتنياهو، وأزرق أبيض بزعامة غانتس، في الحصول على أغلبية تمكن أحدهما من تشكيل الحكومة بمفرده، مما اضطرهما للتحالف معاً في نهاية المطاف، فهل ينجح نتنياهو مرة أخرى في التشبث بمنصبه أم أن غانتس لن يتراجع هذه المرة؟