خلال ست ساعات فقط من تقديم وزير الخارجية ناصيف حتّى استقالته تم قبولها وتعيين شربل وهبة خليفة له، وهذا أمر في لبنان لو تعلمون عظيم، وربما يكون المرة الأولى التي يتم فيها أمر سياسي بتلك السرعة، فمن هو وهبة؟ وهل هناك تداعيات لتعيينه على حكومة حسان دياب؟ وما علاقة جبران باسيل بالقصة؟
استقالة حتّى جاءت كمؤشر على أن لبنان قد يكون مقبلاً على فصل أسوأ من أزمته السياسية والاقتصادية في ظل حديث عن استقالات وزارية أخرى محتملة، لكن خلال ست ساعات فقط كان رئيس الحكومة حسان دياب ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد أنهيا الأزمة بالإعلان عن قبول استقالة حتى في مرسوم وتعيين وهبة في مرسوم آخر، فمن هو وهبة؟
السيرة الذاتية للوزير الجديد
وُلد وهبة في منطقة العاقورة، في قضاء جبيل (جنوب) في 15 يوليو/تمّوز 1953، متزوّج وله 3 أبناء، وهو حاصل على إجازة في القانون اللبناني، من كلية الحقوق، بالجامعة اللبنانية عام 1979، وإجازة في الحقوق من معهد الحكمة العالي لدراسات الحقوق عام 1979، إضافة إلى حصوله على دبلوم في الرياضيات، من كلية العلوم في الجامعة اللبنانية عام 1974، وإتقانه اللغات الفرنسية، والإنجليزية، والعربية.
ويحمل وهبة وسام فرنسيسكو دو ميراندا من الدرجة الأولى من جمهورية فنزويلا البوليفارية، وتنقل في مناصب دبلوماسية عدة في سفارات لبنان في كل من: مصر، وهولندا، وألمانيا، وكندا، وشغل منصب قنصل عام لبنان، في مونتريال – كندا بين عامي 1995 و2000، وقنصلاً عاماً للبنان، في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية، بين عامي 2002 و2007، وسفيراً للبنان لدى فنزويلا بين عامي 2007 و2012.
وفي عام 2012، عاد وهبة إلى لبنان ليشغل منصب مدير الشؤون السياسية والقنصلية في وزارة الخارجية، بين عامي 2012 و2017، وبين فبراير/شباط ويوليو/تموز 2017 تولى وهبة مهام الأمين العام للخارجية بالوكالة، خلال تولي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وزارة الخارجية.
وعندما انتهت خدمته في السلك الدبلوماسي، بسبب بلوغه السن القانونية، انتقل للعمل في القصر الجمهوري، كمستشار لرئيس الجمهورية ميشال عون للشؤون الدبلوماسية، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017.
تراجع شعبية جبران باسيل
بمجرد إعلان مرسوم تعيين وهبة وزيراً للخارجية، ظهرت عبر منصات التواصل الاجتماعي والمواقع المعارضة لحزب الله بصفة خاصة عناوين من قبيل "تعيين مستشار باسيل وعون وزيراً للخارجية"، بينما تحدث آخرون عن ضعف السيرة الذاتية لوزير الخارجية الجديد التي وصفه البعض بـ"الموظف".
السياق هنا بالطبع مرتبط بالحراك اللبناني الذي انطلق في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ضد فساد الطبقة الحاكمة والأحزاب بشكل عام رافعاً شعار "كلن.. يعني كلن"، وكان باسيل جبران صهر عون وخليفته في رئاسة التيار الوطني الحر ووزير الخارجية في حكومة سعد الحريري من أكثر السياسيين تعرضاً للانتقاد، وهو ما أدى لتراجع في شعبيته وشعبية ما يعرف بالتيار العوني "نسبة إلى رئيس الجمهورية"، وذلك بحسب محللين واستطلاعات رأي يصفهم باسيل بأنهم معارضون له وللتيار "ولا يملكون ثقلاً حقيقياً" في الشارع.
وهبة كان من ضمن المرشحين لتولي وزارة الخارجية قبيل تشكيل حكومة دياب في 21 يناير/كانون الثاني الماضي قبل أن يتم الاستقرار على تسمية حتّى، ويتحدث بعض المحللين أن عدم اختيار وهبة وقتها كان تفادياً للانتقادات المتوقعة نظراً لقربه من جبران باسيل والميشال عون الذي عينه عام 2017 مستشاراً له للشؤون الدبلوماسية.
تعميق أزمة الثقة
نبيل بو منصف، محلّل سياسي ونائب رئيس تحرير صحيفة "النهار"، قال للأناضول إن استقالة حتى هي "أوّل خضة بالعمق لحكومة حسان دياب من الداخل"، مضيفاً أن هذه الخطوة "ستعمّق أزمة الثقة بهذه الحكومة".
تداعيات جائحة كورونا زادت الوضع الاقتصادي سوءاً في لبنان، ما أدى لرفع منسوب الغضب الشعبي والسياسي من حكومة دياب، المتهمة بالخضوع لهيمنة جماعة "حزب الله"، حليفة إيران والنظام السوري، وهو ما يحول دون حصول بيروت على مساعدات مالية خارجية، خاصة من السعودية والولايات المتحدة.
وعن وهبة خليفة حتى، قال نبيل إن حتّى يُعتبّر رجلاً دبلوماسياً مخضرماً، وبالتالي تعكس استقالته "وجهة نظر المجتمع الدولي حيال الحكومة".
واعتبر حتّي، في بيان صباح الإثنين، أن بلاده "تنزلق للتحول إلى دولة فاشلة".
ويعاني لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975: 1990)، ما فجر منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتجاجات شعبية ترفع مطالب اقتصادية وسياسية.
ورأى نبيل أن تلك الاستقالة لن تمر مرور الكرام، فهي "إدانة داخلية وعميقة لعمل الحكومة"، وعن تعيين وزير جديد بعد ساعات من الاستقالة، رأى نبيل أن هذه الخطوة تدل على أن "الحكومة استهابت من الاستقالة"، وأردف: كما تدل على نمط تفكير هذه السلطة القائم على "المحاصصة والتعيين"، وأن تضع شخصاً تابعاً لها محل أي شخص غير تابع لها.
رسالة مفادها "الأمور تحت السيطرة"
أما غسان جواد، كاتب ومحلل سياسي مقرّب من بيئة "حزب الله"، فيرى أنه لا تأثير بتاتاً لهذه الاستقالة على عمل الحكومة الحالية، مضيفاً للأناضول: "مسارعة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب إلى تعيين بديل هو رسالة من الرئيسين للداخل والخارج بأن "هناك سيطرة وقراراً من قبل الحكومة".
وأردف: "هناك محاولة لجعل تداعيات لهذه الاستقالة، خصوصاً ونحن على أبواب النطق بحكم المحكمة الدولية (حول اغتيال رفيق الحريري)، والاحتقان مع العدو الإسرائيلي، ونحتاج وزير خارجية".
ورأى غسان أن هذا الاستعجال في التعيين هو رسالة أيضاً للوزراء الذين تراودهم فكرة الاستقالة بأنه "لا يوجد أحد لا يمكن الاستغناء عنه".
وتتفق رندلا جبور، محللة وأستاذة جامعية مقرّبة من حزب الرئيس عون، مع نفس الطرح، معتبرة أن مجرّد قبول استقالة حتّي وتعيين بديل خلال ساعات هو مؤشر على أنه "لا تداعيات كبيرة لهذه الاستقالة على عمل الحكومة"، وتابعت رندلا للأناضول: "هذا دليل على أنه في حال حصول إشكالات، يستطيع الرئيسان عون ودياب لملمة الموضوع وإيجاد الحلول".
ورأت أنه في حال تقدّم وزراء آخرون باستقالتهم فلن يؤثر ذلك على حكومة دياب "كحكومة قائمة"، واستطردت: هذه الاستقالة، التي ترافقت مع تعيين بديل في وقتٍ سريع، "ستكون لصالح الحكومة، وليس ضدها، لأنّها ستحرّكها بطريقة أسرع"، معتبرة أن "إيجاد البديل بشكل سريع لوزير الخارجية هو دليل على إمكانية إيجاد بدلاء لأي حقيبة، فلا يجوز أن يتعطل البلد عند استقالة أي وزير".
وفي كل الأحوال يظل تعيين وهبة خلفاً لحتى بتلك السرعة مؤشراً على استمرار تحالف التيار العوني مع حزب الله، ولا أحد يمكنه قراءة ما قد تسفر عنه الأيام القادمة في لبنان، في ظل تجمع عدة عوامل منها صدور حكم المحكمة الجنائية الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري عام 2005 والمتهم فيها مسؤولون في حزب الله، وكذلك تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل، مع استمرار تفاقم الوضع المالي والاقتصادي ووصوله لمرحلة حرجة، فهل تفلح محاولات جبران باسيل في البقاء على الساحة حتى يتحقق هدفه وهو أن يخلف عون في رئاسة الجمهورية؟ أم أن حكومة دياب تشهد أيامها الأخيرة بالفعل؟