يبدو أن الحرب ضد وباء كورونا لا تزال أبعد ما تكون عن نهايتها، فالفيروس اللعين يواصل حصد آلاف الأرواح وإصابة مئات الآلاف يومياً حول العالم، ورغم الحديث المتكرر عن السيطرة عليه والتقليل من مخاطره ومن ثم رفع إجراءات الإغلاق، ها هو يجبر كثيراً من الدول على إعادة فرض الإغلاق مرة أخرى، فماذا فعلت الصين بالبشرية؟
انتشار قياسي وارتفاع حالات الوفاة
حتى أمس الإثنين 3 أغسطس/آب 2020، اقترب الفيروس من تسجيل مئتي ألف حالة إصابة في يوم واحد، وهو ما يعد تراجعاً ملموساً بعد أن كان المتوسط يتخطى 250 ألف إصابة يومياً على مدار الأسبوع الماضي، بل نحو 290 ألف إصابة في يوم واحد فقط هو 31 يوليو/تموز، لكن المؤشر المقلق هو ارتفاع المتوسط اليومي لحالات الوفاة المسجلة يومياً حول العالم ليقترب مرة أخرى من ذروة الوفيات بسبب الوباء والتي شهدها شهر أبريل/نيسان الماضي.
واليوم الثلاثاء 4 أغسطس/آب، تقترب حالات الإصابة بالفيروس حول العالم من 18 مليون ونصف المليون، بينما تم تسجيل نحو 698 ألف حالة وفاة، وتم شفاء أكثر من 11 مليوناً و695 ألف شخص، بحسب موقع وورلد ميترز.
وتتركز الارتفاعات القياسية في حالات الإصابة والوفيات المسجلة يومياً في الأمريكتين ومنطقة شبه القارة الهندية وروسيا، بينما بدأت قارة أوروبا – التي شهدت بداية انتشار الفيروس خارج الصين ومنطقة الشرق الأوسط وتحديداً إيران وشهدت إغلاقاً تاماً لكل مظاهر الحياة – في تسجيل أعداد متصاعدة من حالات الإصابة مرة أخرى، وبدأ الحديث عن احتمالات العودة مرة أخرى لتطبيق إجراءات إغلاق أكثر قسوة.
استنفار صحي حول العالم
وقالت نقيبة الأطباء في ألمانيا، اليوم الثلاثاء، إن القوة الاقتصادية الأبرز في الاتحاد الأوروبي تواجه بالفعل موجة ثانية من تفشي فيروس كورونا المستجد، وإن مخالفة قواعد التباعد الاجتماعي تجازف بتبديد نجاحاتها السابقة في احتواء المرض.
وارتفع عدد حالات الإصابة اليومية باطراد في الأسابيع القليلة الماضية، وحذر خبراء الصحة من أن تراخي الالتزام بالإرشادات الصحية والتباعد الاجتماعي بين البعض يساعد على نشر العدوى في المجتمع، وقالت سوزان يونا، رئيسة نقابة ماربورجر يوند، التي تمثل الأطباء في ألمانيا لصحيفة أوجسبورجر ألجامينه: "نحن بالفعل في بداية موجة ثانية".
وأضافت أن هناك خطراً من أن تبدد الرغبة في العودة للحياة الطبيعية وتقليص إجراءات الاحتواء النجاحَ الذي حققته ألمانيا حتى الآن. وحثت الناس على الالتزام بالتباعد الاجتماعي والإرشادات الصحية ووضع الكمامات.
ومنيت ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، بأقل عدد وفيات جراء الجائحة بالمقارنة ببعض الدول الأوروبية المجاورة مثل فرنسا وإيطاليا بفضل إجراء فحوص على نطاق واسع ونظام رعاية طبية جيد والالتزام بالإرشادات الصحية، وذكر معهد روبرت كوخ للأمراض المعدية اليوم الثلاثاء أن عدد حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس في ألمانيا زاد 879 إلى 211281 وأن الوفيات ارتفعت ثماني حالات إلى 9156.
يأتي ذلك بعد أيام من تحذيرات أطلقها رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون – الذي كاد الفيروس أن يودي بحياته قبل أشهر – من أن حكومته قد تلجأ لإعادة فرض إجراءات الإغلاق الاقتصادي التي خففتها في ظل عودة الفيروس للانتشار في بعض الدول الأوروبية، وخص وزير الصحة البريطاني إسبانيا بالتحديد وتم فرض الحجر الصحي على القادمين منها.
كما قررت وزارة الصحة المغربية تعليق الإجازات السنوية للأطباء والعاملين في المستشفيات العامة بالبلاد، ابتداءً من أمس بسبب ارتفاع أعداد المصابين بالوباء خلال الأيام الأخيرة في المملكة، وفرضت الفلبين حجراً صحياً على أكثر من 27 مليون مواطن أي أكثر من ربع عدد سكانها، وهو ما يشير إلى أن الفيروس لا يزال يمثل خطراً داهماً على الصحة حول العالم وليس فقط في المناطق والبلاد التي تسجل أعداداً قياسية في الإصابات بشكل يومي.
عودة شبح الإغلاق مرة أخرى
وعلى الرغم من الثمن الباهظ الذي تسببت فيه إجراءات الإغلاق الاقتصادي التي شهدها العالم منذ بداية مارس/آذار الماضي وبدأ تخفيفها تدريجياً حول العالم منذ بدايات يونيو/حزيران، حيث أوشك الاقتصاد العالمي على الانهيار وفقد عشرات وربما مئات الملايين من البشر مصدر رزقهم ووظائفهم، إلا أن استمرار الفيروس اللعين في التفشي وإصابة مئات الآلاف يومياً حول العالم منذ تخفيف تلك الإجراءات أجبر بعض الدول بالفعل على إعادة فرض تلك الإجراءات ولو بصورة جزئية.
وأمس الإثنين، قررت ملبورن، ثاني أكبر المدن في أستراليا، إغلاق كل المتاجر غير الأساسية اعتباراً من الخميس 6 أغسطس/آب في محاولة لوقف انتشار الوباء بعدما دخل حظر تجول ليلي حيز التنفيذ، حيث أعلن دانيال أندروز رئيس وزراء ولاية فيكتوريا وعاصمتها ملبورن أن غالبية المؤسسات ستغلق أبوابها اعتباراً من منتصف ليل الأربعاء. وستكون محلات السوبرماركت والصيدليات ومتاجر الكحول ضمن المتاجر التي تستفيد من إعفاءات.
هذه الإجراءات هي الأكثر صرامة منذ بدء انتشار الوباء في أستراليا، وتأمل السلطات في أن تتيح لمليون شخص عدم التوجه إلى العمل فيما تسجل مئات الحالات الجديدة يومياً في ملبورن وضواحيها على الرغم من العزل الذي فُرض قبل بضعة أسابيع، وقال أندروز: "إنه أمر مؤلم الاضطرار لإغلاق أماكن العمل، لكن هذا ما يجب القيام به لوقف انتشار هذا الفيروس شديد العدوى، هذا الفيروس القاتل". وتابع: "هذه الأسابيع الستة حرجة جداً".
وفي الفلبين أعادت السلطات فرض حجر صحي على أكثر من 27 مليون نسمة، أي حوالي ربع عدد السكان، اعتباراً من اليوم الثلاثاء بعد تحذيرات صدرت عن جمعيات طبية بأن البلاد على وشك خسارة معركتها ضد وباء كوفيد-19، ومنذ مطلع يونيو/حزيران ومع خروج أكبر قسم من البلاد من إحدى أطول فترات الحجر وأشدها، تجاوز عدد الحالات مئة ألف إصابة.
ومساء الأحد أعلن الرئيس رودريغو دوتيرتي إعادة فرض إغلاق في العاصمة مانيلا وكذلك أربع مقاطعات مجاورة في جزيرة لوزون.
ومن آسيا إلى أمريكا الجنوبية، حيث أعلنت وزارة الصحة في الأرجنتين، مساء الأحد، عن تجاوز عدد الإصابات 200 ألف، وقررت حظر المناسبات الاجتماعية في كل أنحاء البلاد اعتباراً من أمس الإثنين، كما قررت بوليفيا أيضاً إنهاء السنة الدراسية فوراً بعدما كان يفترض أن تنتهي في ديسمبر/كانون الأول بسبب الوباء.
وفي إفريقيا، تجاوزت جنوب إفريقيا، الدولة الأكثر تضرراً بالوباء في القارة، السبت 500 ألف حالة، لكن معدل الوفيات يبقى منخفضاً، وفي غامبيا، بعد أربعة أيام على إعلان إصابة نائبة الرئيس جاءت نتائج فحوصات ثلاثة أعضاء في الحكومة إيجابية.
وكرد فعل طبيعي، تراجعت أسعار النفط اليوم الثلاثاء وسط القلق من أن موجة جديدة من إصابات كوفيد-19 في أنحاء العالم قد تنال من تحسُّن في الطلب على الوقود وسط إغلاقات شاملة أشد صرامة، وسجلت العقود الآجلة للخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط انخفاضاً قدره 4 سنتات بما يعادل 0.1٪ إلى 40.97 دولار للبرميل، في حين نزلت عقود خام برنت 11 سنتاً أو 0.3٪ لتسجل 44.04 دولار للبرميل.
ماذا لو كانت الصين دولة ديمقراطية؟
وتزامناً مع تلك المؤشرات المقلقة، حذرت منظمة الصحة العالمية أمس الإثنين من احتمال ألا يكون هناك "حل سحري" للقضاء على الفيروس، على الرغم من الأخبار المبشِّرة حول قرب التوصل إلى لقاح لمكافحة المرض، وأضافت المنظمة: "قد لا يكون هناك حل سحري في الوقت الراهن وقد لا يظهر أبداً" لمرض كوفيد-19 الناجم عن الإصابة بفيروس كورونا، وأن الطريق إلى العودة إلى الحياة الطبيعية سيكون طويلاً.
وقال مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس: "يوجد عدد من اللقاحات في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية حالياً، ونأمل جميعاً في التوصل إلى عدد من اللقاحات الفعالة التي يمكن أن تساعد في عدم إصابة الأشخاص بالعدوى. وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد حل سحري في الوقت الراهن، وقد لا يوجد أبداً".
المنظمة العالمية تتعرض لانتقادات حادة واتهامات بمجاملة الصين التي تسترت على الفيروس في بداية ظهوره في مدينة ووهان وهو ما تسبب في إضاعة الفرصة الذهبية لمحاصرة الفيروس في منشئه وربما القضاء عليه، ومن هذه الزاوية ربما يكون المنتقدون على حق.
لكن الأمر مختلف من وجهة النظر الصينية بالطبع، حيث يرى شاو يمينغ أبرز خبراء الفيروسات في الصين وأحد مسؤولي مركز الوقاية من الفيروسات والأمراض المعدية، أنه بينما قد تكون الصين تأخرت "أسبوعاً أو أسبوعين" في استجابتها للفيروس المجهول قبل أن تبلغ منظمة الصحة العالمية، فإن باقي الدول تأخرت من 4 إلى 8 أسابيع في الاستجابة للفيروس الذي "لم يعد مجهولاً" وقتها.
لكن بغض النظر عن الجدل بشأن فشل أو نجاح الحكومات حول العالم في إنقاذ مواطنيها من أزمة صحية اجتاحت العالم، فإن المؤكد الآن هو أن النظام العالمي الحالي فشل بصورة واضحة في تطبيق عشرات الاتفاقات والمواثيق المنبثقة عن الأمم المتحدة وهيئاتها، ومنها منظمة الصحة العالمية التي تحتم "الشفافية وتبادل المعلومات" بشأن الطوارئ الصحية التي تحمل في طياتها احتمالات التحول لوباء أو جائحة، وهو ما ينطبق على فيروس كورونا الذي أثبت أنه قادر على التحول والمراوغة ولا أحد يعرف حتى الآن كيف ستكون نهايته أو متى.