كان أداء دول الشرق الأوسط في مواجهة جائحة كورونا جيداً نسبياً، ولكن المخاوف بدأت تظهر في المنطقة من مرحلة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للجائحة، والأخطر محاولة بعض أنظمة المنطقة لاستغلال الجائحة لتحقيق مآربها.
ميشيل صافي، مراسل صحيفة The Guardian البريطانية يحكي عن الأوضاع في الأردن، حيث يُقيم، وفي المنطقة بشكلٍ عامٍ خلال الأشهر القليلة الماضية التي شهدت جائحة كورونا.
كيف كان أداء دول الشرق الأوسط في مواجهة جائحة كورونا وما هي المناطق الأكثر تضرراً؟
أكبر التفشيات حتى الآن وقعت في إيران ومراكز التجارة الدولية مثل الإمارات وقطر، غير أن السعودية وإسرائيل أيضاً قد تضررتا بشدةٍ. ولنضع في الحسبان أن هذه منطقةٌ غير تقليديةٍ من حيث إنه يصعب الوقوف على مدى سوء الوضع بدقةٍ؛ بسبب افتقار الإعلام للشفافية.
كان حسن روحاني، الرئيس الإيراني قد قال منذ أسابيع قليلةٍ، إن نحو 25 مليون إيراني قد أُصيبوا بكوفيد-19، وذلك رقمٌ، إن صح، مرتفعٌ للغاية. تلك مجرد لمحةٍ عما يُمكن أن تكون قد وصلت إليه الأحوال هناك من سوءٍ.
إن منطقة الشرق الأوسط هي منطقة معرضة للخطر بشكل كبير، وأكثر المتضررين هم أولئك الذين لم يستطيعوا العمل من المنزل، وأولئك الذين يعيشون في بلادٍ لا توفر لهم نُظم تكافل اجتماعي.
تمتلك المنطقة اقتصاداً كبيراً غير رسميٍ. وقد جاء الإغلاق العام حاملاً معه انهياراً كبيراً في أسعار النفط، ومُفاقماً الانهيار الذي كان حاصلاً أصلاً. تحقق السعودية والعراق عائداتٍ ضخمةً من وراء النفط، وتُرسل البلدان المجاورة لهما مثل الأردن أعداداً كبيرةً من العمالة إلى تلك المواقع، لذا فإن التأثير يتعاظم.
كيف سيؤثر الوباء على العلاقات في المنطقة، وهل هناك من سيستغله لتحقيق أطماعه السياسية؟
الوقت مبكرٌ بعض الشيء للإجابة على هذا السؤال؛ لأن التغيير لا يزال قيد الحدوث.
في البداية بدا أن كل دولةٍ منشغلةٌ بنفسها لدرجة أن كل القضايا التي نُغطيها عادةً خفت صوتها. ولم تعد الحياة لطبيعتها، بما فيها تلك التوترات، إلا الشهر الماضي تقريباً. وكانت محاور الصراع الرئيسية التي بدأت تبرز هي تلك التي بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وبين إسرائيل وحزب الله، وبالطبع قضية سعي إسرائيل لضم الضفة الغربية لنهر الأردن إلى الأراضي المحتلة.
ولقد تساءلت ما إذا كانت بعض الدول ستستغل ضعف غيرها. هل سيستغل أعداء إيران حجم التفشي المهول للوباء هناك، ليحاولوا شن هجماتٍ على أهدافٍ إيرانيةٍ؟ تعرض نتنياهو للانتقاد بسبب استجابته للأزمة، أتساءل ما إذا كان سيُحاول الإلهاء عن ذلك بشن هجومٍ على لبنان.
بالمثل، فإن حزب الله واقع تحت ضعطٍ في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية المستمرة في لبنان، فهل سيشنون بالتالي هجمةً ما على إسرائيل؟ جاء الوباء إلى الشرق الأوسط على رأس العديد من العوامل الأخرى التي تُسهم في خلق حالةٍ من عدم اليقين وعدم الاستقرار، لكن تلك العوامل، التي تزيد من فقر المنطقة، ستقود بطبيعة الحال إلى توتراتٍ، ونحن لا نملك إلا الانتظار لنرى ما الذي ستُسفر عنه.
هل كانت هناك أية قصصٍ إيجابيةٍ في خضم الجائحة وكيف كان أداء الأردن؟
إن الخروج من الجائحة بالكثير من الإيجابيات كما حدث في المملكة المتحدة ومجتمعاتٍ أشد ترابطاً، مثل المزيد من التركيز على الحفاظ على اللياقة، والمزيد من المرونة المحتملة في ظروف العمل، لهي سماتٌ لاقتصادٍ متقدمٍ بحقٍ.
في المناطق الأكثر فقراً، فإن الجائحة أمر يؤثر على كسب الناس لأقواتهم. في نهاية المطاف لا يُمكن أن تنتعش التجارة الإلكترونية إذا كان الناس لا يملكون حساباتٍ بنكية.
ربما يُدرك الناس مع الوقت أهمية الترويج للصناعات المحلية، وخلق فرص عملٍ محليةٍ عن طريق تصنيع المعدات الطبية محلياً، وما إلى ذلك. أحد الأسباب التي جعلت دولةً مثل الأردن تتجاوز الأزمة بنجاحٍ مقبولٍ هو أن الكثير من الاستثمارات جاءت من أناسٍ يدعمون استجابة الحكومة للأزمة.
وتأمل الحكومة الأردنية أن تبني تلك السمعة ثقةً لدى الدول الأخرى تجعلها تبدو دولةً مستقرةً في عالمٍ غير مستقرٍ. لكن إن بدت إحدى الدول مستقرةً فذلك فقط لأن جاراتها لسن كذلك. وذلك ليس في صالح أحدٍ.
هل انصاع الناس للقوانين؟
حين طلبت الحكومة الأردنية من الناس البقاء في المنزل أُطيعت أوامرها بشكلٍ عامٍ، خصوصاً بعدما بدأت تعتقل المخالفين. كانت الحكومة قادرةً على فرض الإغلاق العام بفاعليةٍ كبيرةٍ.
وصل معدل انتقال المرض إلى الصفر منذ أكثر من شهرٍ وكان الناس أكثر صرامةً في البداية، لكنهم باتوا أكثر ارتياحاً الآن. إننا الآن في مرحلةٍ لسنا خائفين فيها من المرض، لقد تلاشى إحساس العزلة الذي غمرنا في البداية، غير أنه بالمقابل لا تلوح نهايةٌ ما في الأفق.
ما هي توقعاتك للأشهر القليلة القادمة؟
ستنخفض أعداد الوفيات، لكنني أتوقع أن تزداد الخسائر الاجتماعية زيادةً مضاعفةً فيما تبدأ الشركات إعلان إفلاسها، ستستمر الصحة العقلية بالتأثر، وسيتزايد شعور الناس بالملل وبالإحباط.
يبدو الأمر وكأن القوى التي تُدير العالم قد توقفت لبضعة أشهرٍ، لكنها تعود الآن، إنما حاملةً تحدياتٍ جديدةً تُضاف لسابقتها بوجود ذلك الفيروس. ذلك يبدو تضافراً تعيساً للظروف.