مصر بين اليوم والأمس.. خططُ بناء سد على النيل أشعلت حرباً بعام 1956، فهل سيحدث ذلك مجدداً؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/07/31 الساعة 12:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/31 الساعة 14:16 بتوقيت غرينتش
يعمل رجال البناء عند مداخل أنفاق قناة التحويل التي تتدفق المياه من خلالها إلى التوربينات في محطة توليد الطاقة الكهرومائية في مشروع السد العالي بأسوان عام 1964/ Life

على مدى العقد الماضي، راقب المتابعون في خوفٍ تصاعد التوترات بين مصر وإثيوبيا بشأن بناء سد النهضة الإثيوبي على نهر النيل الأزرق. هدَّد سياسيون مصريون علناً بشنِّ حربٍ على إثيوبيا دفاعاً عما يرونه مصلحتهم الوجودية، وهو حق مصر في استخدام الجزء الأكبر من مياه النيل. وأكثر من 80% من المياه التي تصل مصر تأتي من إثيوبيا.

كما تواردت إشارات إلى أن مصر كانت تحرّض الحركات الانفصالية في إثيوبيا على إضعاف الحكومة الإثيوبية ووأد المشروع، كما يقول موقع The Conversation الأسترالي. ولطالما دافعت مصر عن حقها، بموجب اتفاقيات وقعت في الحقبة الاستعمارية، في منع تسع دول المنبع (منها كينيا وأوغندا وإثيوبيا) من استخدام مياه النيل بطريقة أحادية. كما أن لديها اتفاقاً منفصلاً مع السودان. لذا فإن سد النهضة الإثيوبي يحمل أهمية كبيرة لأنه يُمكن أن يشكّل سابقة للدول الأخرى لتجاهل مطالبات مصر، والبدء في استخدام مياه النيل لمصلحة تنميتها الخاصة.

حرب جديدة على المياه؟

في شهر يونيو/حزيران، أعلن الإثيوبيون أنه في ظل الهطول الغزير للأمطار، بدأت البلاد بالفعل في ملء خزان السد. لم يسبق أن كان هناك حرب على المياه قط، وذلك على الرغم من أن خططاً خاصة ببناء سد ضخم على النيل كان لها حضور كبير في غمار واحدة من أكثر الوقائع إثارة خلال الحرب الباردة. الواقعة المقصودة هي أزمة السويس عام 1956 [العدوان الثلاثي 1956] التي أثارها الرئيس المصري جمال عبدالناصر باتخاذه قرار تأميم قناة السويس. أحد الأسباب التي ذكرها عبدالناصر آنذاك هو أن مصر بحاجة إلى جمع الأموال لبناء سد أسوان. وقتها حاولت إسرائيل، وانضمت إليها القوات الفرنسية والبريطانية، تغيير الأمر بواسطة تدخل عسكري، إلا أن جميعها اضطرت إلى الانسحاب في أواخر عام 1956 وأوائل عام 1957. من المفيد إعادة النظر في هذا السجل التاريخي لتصور بعض السياق للتوترات الحالية.

سد أسوان العالي

لعقود عديدة، سعى المصريون إلى تحصيل طرقٍ لتقليل اعتمادهم على نهر لطالما كان تدفقه غير منتظم على نحو خطير. فقد كانت هناك سنوات من الفيضانات المدمرة وسنوات من الجفاف الشديد، ما عرّض للخطر حياةَ الملايين من سكان الريف المصريين.

لقد وفر سد أسوان العالي مخرجاً من الحلقة الكارثية هذه. كانت الرؤية أن يكون هناك سد يخزن ما يكفي من المياه لتتجاوز مصر سنوات الجفاف الشديدة، وفي الوقت نفسه يتيح التحكّم في تدفق النهر. كان التحدي هو تحويل هذه الرؤية إلى حقيقة.

تفاوض عبدالناصر مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية لتمويل السد، لكن المشروع تعثّر في شباك الخلافات السياسية العالمية. وعندما حان الوقت لوضع الأموال على الطاولة، سحبت الولايات المتحدة دعمها، وكفلت قيام البنك الدولي بالشيء ذاته. أما بريطانيا فكان تركيزها على تحقيق طموحات استعمارية أخرى.

ومن ثم لجأت مصر بدلاً من ذلك إلى الاتحاد السوفيتي طلباً للدعم، وبهذا اعتُبرت منضمةً إلى المعسكر الاشتراكي في الحرب الباردة. وفي عام 1956 أعلن ناصر تأميم قناة السويس، قائلاً إنه القرار لا غنى عنه لدفع تكاليف بناء سد أسوان.

إثر ذلك، غزت قوات بريطانية وفرنسية منطقةَ القناة في محاولة لإعادة فرض سيطرتها على هذا الرابط الحيوي بين بريطانيا والعديد من مستعمراتها. لكن عندما رفضت الولايات المتحدة دعمها، اضطرت تلك الدول إلى تسليم السيطرة على منطقة القناة إلى أول قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة. وتُركت القناة بيد مصر، وإن كانت تحت إشراف من الأمم المتحدة.

مع تدفق الأموال من القناة إلى مصر بدلاً من الأوروبيين، شعر السوفييت بأن الوقت بات مناسباً لمنح مصر القروض التي سعت إليها. ومن ثم قدموا الكثير من التمويل لبناء سد أسوان، وإن كان أكثر أعمال التصميم والبناء قام بها المصريون بأنفسهم.

وعلى الرغم من أن بعض المعلقين الغربيين وصفوا المشروع بأنه كارثة، فإن النتائج كانت مثيرة للإعجاب. فقد أتاح السد لمصر توسيعَ المناطق الخاضعة للري بمقدار الثلث. وبات من الممكن للمزارعين المصريين زراعة محصولين سنوياً. وبحلول عام 1970، مع الانتهاء من أعمال بناء السد، وفرت 2100 من ميغاوات الطاقة التي تم توليدها من خلاله لمصر أكثر من نصف احتياجاتها من الكهرباء.

وبصرف النظر عن الفوائد الاقتصادية الجوهرية، فإن النجاح في بناء السد أسس لأدوار قيادية أخرى في الشرق الأوسط لكل من عبدالناصر ومصر خلال فترة مضطربة في تاريخ المنطقة.

هذا التاريخ يجعل شكاوى مصر بشأن سد النهضة الإثيوبي تبدو متناقضة بعض الشيء، إذ تحاكي إثيوبيا الآن ما فعلته مصر قبل 60 عاماً لدفع سبل تنميتها الوطنية، كما يقول الموقع الأسترالي.

الأزمة الحالية

شكوى مصر الأخيرة تدور حول أن إثيوبيا باتجاهها إلى ملء سد النهضة الإثيوبي بسرعة كبيرة، ستحرم مصر بذلك من حصتها الأساسية في مياه النهر. والاقتراح الحالي لإثيوبيا هو ملء السد خلال أربع إلى سبع سنوات. وذلك على الرغم من أن مصر ملأت سد أسوان العالي، الذي يخزن ثلاثة أضعاف كمية الماء الموجودة في سد النهضة الإثيوبي، في 12 عاماً فقط [وإن كانت المقارنة غير ذات معنى بالنظر إلى أن مصر دولة مصب لا يتأثر غيرها بملء السد، على خلاف إثيوبيا].

والواقع أن سد إثيوبيا يمكن أن يساعد مصر في توفير المياه. إذ يتيح التدفق المتحكم فيه لمصر بإبقاء مستويات المياه في سد أسوان منخفضة، ومن ثم سيؤدي ذلك إلى تقليل التبخر، الذي يفقد السد من خلاله 10% من مياه النهر سنوياً. الآن وقد بدأ ملء سد النهضة الإثيوبي، هل سيتعين على مصر الإقرار بحق دول المنبع في استخدام حصصٍ أكبر من المياه التي تتدفق من أراضيها؟

هل يكرر التاريخ نفسه؟

شجع الموقف الرسمي لمصر نوعاً من المشاعر القومية الشعبية التي سيكون من الصعب تهدئتها. إذ سيتعيّن على الحكام العسكريين توضيح سبب فشلهم في وقف ما قالوا إنه يمثل تهديداً وجودياً لبقاء مصر نفسها.

عندما فرض عبدالناصر سيطرته على قناة السويس، منع السفن الإسرائيلية من استخدامها. هذه الأمر، لا بناء السد العالي، هو ما قاد إلى حربي 1967 و1973 مع إسرائيل واستمرار الصراعات الإقليمية. إذا كرر التاريخ نفسه، فالمرجح أن يتحول الاهتمام من سد النهضة الإثيوبي إلى مشكلات سياسية أخرى تواجهها مصر.

وفي غضون ذلك، سيستفيد السودان الواقع بين السد الإثيوبي الجديد ومصر من إمكانات الري الموسع وبعض الكهرباء الرخيصة التي سيتاح توليدها من خلال السد. كما ستطور إثيوبيا مزيداً من مواردها المائية في خدمة الزراعة. وأيضاً ستتيح كهرباء السد تشغيل مترو أديس أبابا والصناعات التي تأمل إثيوبيا في جذبها. وبهذه الطريقة، قد يصبح الماء وسد النهضة، لا سبباً في الحرب، بل مصدراً للسلام والتقدم، كما أصبح السد العالي في أسوان بمرور الزمن، يقول الموقع الأسترالي.

تحميل المزيد