تُخبر الولايات المتحدة بعض أقرب حلفائها العرب -المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين- بوقف التكتل ضد حليف أمريكي آخر في الخليج؛ قطر. فرضت المجموعة التي تقودها السعودية حصاراً برياً وجوياً وبحرياً على الإمارة الصغيرة الغنية بالنفط لأكثر من ثلاث سنوات.
ينبع العداء السعودي خلف هذه المقاطعة كما تدعي الرياض، من الخطوط المفتوحة بين قطر وإيران، في حين كان الدفاع الرئيسي بالنسبة لمصر والإمارات هو دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين وتحالفها مع تركيا. كانوا جميعاً غاضبين من رعاية العائلة الحاكمة القطرية لشبكة الجزيرة، وهي شبكة تلفزيونية في أنحاء المنطقة العربية يعتقدون أنها تهدد حكمهم وعروشهم بنقدها، كما تقول صحيفة Financial Times البريطانية.
غرد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في بادئ الأمر داعماً بحماس الحصار، مقتنعاً بأنه كان ضربة مدوية ضد "الجهادية". أما في الوقت الحالي، يُخبرهم المبعوث الخاص لوزارة خارجيته إلى إيران، برايان هوك، بتجاوز الأمر. وقال في الدوحة يوم الأحد الماضي 26 يوليو/تموز: "الخلاف استمر لفترة طويلة للغاية وهو في نهاية المطاف يضُر بمصالحنا الإقليمية المشتركة (المتمثلة) في الاستقرار، والرخاء والأمن".
عن الذي تخشاه واشنطن
تقول الصحيفة البريطانية، يلوح في الأفق على نحوٍ مقلق احتمال نشأة تحالف بين إيران والصين، حتى وإن كان إلى الآن مجرد خطوط عريضة فقط. إن الانقسامات في الخليج العربي هي إلهاء مدُمر عندما تكون الصين ربما تُفكر في تأسيس وجود على السواحل الخليجية في إيران، مباشرة قبالة الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية المُتمركز في البحرين، وأكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط الأكبر في مدينة العديد في قطر. ربما نسي ترامب أمر القاعدة الجوية التي تستضيفها قطر عندما حرض عَرضاً التحالف السعودي ضد القطريين.
إن الحقائق حول هذا التحالف الصيني-الإيراني المحتمل ضئيلة. لا تقول بكين سوى القليل، ويراوغ قادة الجمهورية الإسلامية ردود الفعل السلبية من القوميين الزاعمين بأن إيران على وشك أن تصبح دولة عميلة للصين. تتحدث الخطوط العريضة لمسودة الاتفاق، المتاحة في طهران، عن شراكة استراتيجية شامل، تحالف للاستثمار والأمن يدوم 25 عاماً.
يُفترض أن الصين قد تستثمر في المطارات والموانئ، والاتصالات والنقل، وحقول النفط والغاز، والبنية التحتية والقطاع المصرفي، وشراء الأصول بينما تلبي الاحتياجات غير الملباة لإيران. في المقابل، قد تحصل على شحنات هائلة مُخفضة التكلفة من النفط الإيراني على مدار هذه السنوات الخمس والعشرين، لتلبية حاجاتها من الواردات التي بلغت العام الماضي 10 ملايين برميل يومياً. وهذه الكمية تقريباً هي ما تنتجه السعودية، خصم إيران اللدود.
حان وقت الخطة الصينية
تبدو أجندة هائلة ظهرت فجأة على ساحة العالم الجيوسياسي. بدأت المناقشات في واقع الأمر عام 2016 عندما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ طهران والتقى المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي. أتى هذا عقب توقيع الاتفاق النووي الإيراني التاريخي المقيد لقدرات طهران النووية في 2015 مع الولايات المتحدة وخمس من القوى العظمى: فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وروسيا والصين.
جمدت خطة العمل الشاملة المشتركة أغلب البرنامج النووي لإيران وحدَّت من تخصيبها لليورانيوم بموجب رقابة دولية صارمة. في رأي الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما لم يتعامل هذا الاتفاق فقط مع الاحتمال الخطِر بأن طهران ربما تمتلك أسلحة نووية، بل أنه قد يجلب توازناً جديداً في القوى في الشرق الأوسط عبر إجبار السعوديين والإيرانيين على مشاركة المنطقة، عن طريق إعادة دمج إيران في الاقتصاد العالمي.
طُمِس هذا الاحتمال، الوردي للغاية بالنسبة لمنتقدي خطة العمل الشاملة المشتركة، بصعود ترامب، الذي دعا السعودية إلى قيادة حملة لعزل إيران. وعام 2018، سحب ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وأعاد فرض عقوبات بالغة القسوة على الاقتصاد الإيراني وهدد بفرض عقوبات على الحلفاء وكذلك الخصوم الذين يتعاملون مع إيران.
من وجهة النظر الإيرانية، من شأن الاتفاق مع الصين أن يكون شريان حياة للفرار من اختناق اقتصادها. وبالنسبة للصين، قد تكون العلاقات الأوثق مع إيران امتداداً منطقياً لمبادرتها الطموحة "الحزام والطريق"، فضلاً عن أنه رد على موقف إدارة ترامب المعادي لبكين.
شهية الصين للنفط
مع ذلك، ربما تكون "الشراكة الاستراتيجية" الإيرانية-الصينية أبعد من أن تكون حقيقة. إن شق النفط في الشراكة يسهُل تفسيره بشهية الصين الشرهة للواردات النفطية. لدى الصين اتفاقيتا إمداد طويلتا الأمد مشابهتان، واحدة مع روسيا، تستمر 25 عاماً، وأخرى مع العراق لمدة 20 عاماً. والفارق هو أن ترامب يحاول تقليل صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر.
مع هذا، كان اختيار إيران الأول، بعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة أملاً في إنهاء حالة النبذ، هو السعي لإعادة تأسيس الروابط الاقتصادية مع الغرب بدلاً من الشرق. قد يعود تفضيل إيران، الذي أفسده ترامب، إلى الحياة من جديد في حال هزم جو بايدن المرشح الديمقراطي ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني، وأعاد إحياء الاتفاق النووي مع إيران. حينها، ربما يتحول عبث طهران مع بكين إلى وسيلة للإشارة إلى أن لديها خيارات. ولا يزال من بينها على الأرجح رغبة في إبرام صفقات غربية والحصول على استثمارات من الغرب.