تواصل الولايات المتحدة الأمريكية محاولاتها نزع فتيل الحرب في ليبيا قبل تفجّر الأوضاع في سرت، من خلال الأساليب الدبلوماسية الهادفة لإخراج الهلال النفطي من المعادلة، والسؤال الآن هو إذا ما كان تلويحها المتصاعد بفرض عقوبات على خليفة حفتر بالتحديد سيكون كافياً لردع زعيم ميليشيات شرق ليبيا أم لا؟
لم تكن ليبيا تقع ضمن دائرة أولويات الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، التي يسعى فيها دونالد ترامب للفوز بفترة ثانية، لكن ازدياد النفوذ الروسي في ليبيا وخاصة بمنطقة الهلال النفطي، وحتى في حوض مرزق النفطي في أقصى جنوب غرب البلاد، غير معادلة السياسة الخارجية الأمريكية بشكل متصاعد.
حفتر وفاغنر.. الخليط السّام بالنسبة لواشنطن
صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية نشرت تقريراً رصد تلويحاً أمريكياً جديداً بفرض عقوبات على خليفة حفتر، هذه المرة من جانب وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وهو ما يعكس ضغطاً متواصلاً بهدف إبعاده عن أحضان موسكو.
التلويح الجديد جاء بعد عدم استجابة حفتر للضغوط الأمريكية بفتح الحقول والموانئ النفطية في ليبيا، رغم تهديد السفارة الأمريكية لدى طرابلس بفرض عقوبات على من يعرقلون الجهود الدولية للاستئناف تصدير النفط.
وأشارت الصحيفة الأمريكية للعلاقات بين حفتر والمرتزقة الروس "فاغنر"، عندما قالت إن "البنتاغون يحقق في الروابط العميقة بين حفتر والمرتزقة الروس"، رغم أن تسليط الجيش الأمريكي الضوء على نشاط فاغنر في ليبيا ليس جديداً، فقد سبق أن اعتبر مسؤول عسكري أمريكي فاغنر أنها "أخطر من داعش".
الجديد هنا هو التركيز على "الروابط العميقة مع حفتر"، بمعنى أن البنتاغون يبحث عن أدلة قوية يمكنه من تبرير فرض عقوبات على الجنرال الانقلابي الليبي لعلاقته بشركة أمنية تقع تحت طائلة العقوبات الأمريكية.
واستندت الصحيفة إلى مسؤولين أمريكيين قالوا إن "واشنطن هددت حفتر بالعقوبات بسبب رفضه إعادة فتح صادرات النفط، وهو قرار اتخذ تحت التأثير (أو النفوذ) الروسي"، ففي السابق كانت التهديدات الأمريكية فضفاضة، لكن هذه المرة تم ذكر حفتر بالاسم، ولو بشكل غير رسمي، ما يعني أن واشنطن رفعت سقف ضغوطاتها على الجنرال الانقلابي قليلاً، لكن دون أن تقطع شعرة معاوية معه.
التهديدات الأمريكية وصلت لحفتر
التفصيلة المهمة في تقرير وول ستريت جورنال هي أن وزارة الخارجية الأمريكية أوصلت التهديد بفرض العقوبات إلى حفتر لأنه "كان يتصرف بسخافة وتصلب" مع موضوع فتح النفط، بحسب مسؤول أمريكي.
وتوضح الصحيفة كيف تلاعب حفتر بواشنطن باستخفاف وتحدٍّ، حيث "سمح في البداية بإعادة فتح الموانئ (النفطية) لكنه غيّر رأيه عندما انتقلت قوات مجموعة فاغنر إلى (ميناء) السدرة (600 كلم شرق طرابلس)".
غير أن الولايات المتحدة الأمريكية تملك ورقة ضغط قوية ضد حفتر، الذي عاش بها لأكثر من 20 سنة، فضلاً على أنه يحمل جنسيتها، حيث أشارت الصحيفة إلى أنه وفقاً لسجلات الممتلكات الأمريكية، فإن حفتر يمتلك مزرعة بقيمة 185 ألف دولار، ومسكناً بقيمة 364 ألف دولار في ولاية فيرجينيا، ما يجعله عرضة للعقوبات الأمريكية.
لكن هذه الأرقام أقل بكثير مما نشرته صحيفة نيويورك تايمز، التي تحدثت في يونيو/حزيران الماضي، أن محكمة فرجينيا قبلت رفع قضية لعائلتين ليبيتين ضد حفتر بسبب امتلاكه عقارات في المدينة اشتراها ما بين عامي 2014 و2017 بقيمة 8 ملايين دولار.
هل يكفي تجميد الممتلكات لردع حفتر؟
وأياً كانت قيمة ممتلكات حفتر في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن مجرد فرض عقوبات عليه يعني أنه أصبح منبوذاً دولياً، حتى من الدولة التي يحمل جنسيتها، وكان في يوم من الأيام محسوباً على أجهزتها الأمنية.
لكن ليس واضحاً ما حجم تأثير هذه العقوبات، سواء فُعّلت أو لم تُفعّل، على تليين موقف حفتر تجاه الحلول السياسية، إذ سبق وأن فرضت واشنطن عقوبات على رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، وجمدت حساباته المالية في 2016، بسبب عرقلته الاتفاق السياسي، لكن دون أن يكون لذلك كبير أثر على زحزحة موقفه من حكومة الوفاق.
ليس ازدياد النفوذ الروسي ما يقلق فقط واشنطن في ليبيا، بل إن علاقات حفتر مع النظام السوري ومع الحكومة الفنزويلية لا يبعث على ارتياح الإدارة الأمريكية التي تفرض عقوبات عليهما، والأربعاء، اعتمدت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، تعديلات على مشروع قانون "دعم الاستقرار في ليبيا".
وفي حالة إقرار التعديلات الجديدة على مستوى الكونغرس بغرفتيه والبيت الأبيض، فإن ميليشيات حفتر ستكون تحت طائلة هذه العقوبات، بما فيها الجماعات التي تدعمها على غرار شركة فاغنر الروسية.
وهذا ما دفع صحيفة "ليزا فيسي مايا" الروسية، للاستنتاج بحسب أحد مقالاتها، أن واشنطن بدأت تتخلى عن الحياد في ليبيا، بعد تهديدها بفرض عقوبات على حفتر.
ماذا عن الموقف في سرت وحولها؟
لكن على الأرض لا تبدو الجهود الأمريكية فعالة حتى الآن، مقارنة بالنفوذ الصامت لمرتزقة فاغنر، الذين ينتشرون من مدينة سرت شمالاً إلى حقل الشرارة النفط بالجنوب الغربي مروراً بقاعدة الجفرة الجوية (وسط)، وتتهم واشنطن ضمناً شركة فاغنر الروسية بعرقلة خططها لاستئناف تصدير النفط الليبي.
وما تردد عن مقترح أمريكي لجعل الهلال النفطي منطقة منزوعة السلاح تحت إشراف أوروبي، يصطدم بواقع على الأرض، فميليشيات حفتر ومرتزقة فاغنر يحفرون الخنادق ويضعون سواتر ترابية غرب سرت، بحسب صور أظهرتها مواقع وحسابات موالية للحكومة الشرعية.
ما يعني أن ميليشيات حفتر تستعد لمعركة طويلة، وليس في حسبانها الانسحاب من سرت والجفرة، سلمياً، مثلما تسعى إليه جهود أممية ودولية لنزع فتيل حرب دموية اقتربت من عقدها الأول، وفي المقابل يواصل الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية حشد أعداد كبيرة من قواته منذ نحو سبعة أسابيع، استعداداً لحسم المعارك عسكرياً في حال فشلت الجهود الدولية في إيجاد حل سلمي يجنب البلاد مزيداً من الدمار.