ممنوع التطاول على الجيش.. مجلس السيادة السوداني يشكل لجنة عسكرية لملاحقة النشطاء، فهل بدأ انفراد العسكر بالحكم؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/27 الساعة 15:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/30 الساعة 12:40 بتوقيت غرينتش
ماذا يريد المجلس السيادي من هذه الاجراءات القمعية؟ /الشبكات الاجتماعية

على نحو مفاجئ، أعلنت القوات المسلحة السودانية عن تشكيل وحدة تتبع النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، يترأسها ضابط برتبة رفيعة، كمفوّض عن القائد العام الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ومعه مجموعة من الضباط من ذوي الرتب المتباينة، من أجل رصد ما سموه الإساءات ضد الجيش السوداني وتقديم النشطاء للقضاء.

هذه الخطوة جاءت عقب مليونية 30 يونيو/حزيران الماضي التي تحولت فيها المطالب من تصحيح مسار الثورة، إلى احتجاجات كبيرة ضد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان حميدتي، وأعضاء المجلس من العسكريين، فهل تتكرر سيناريوهات الانقلاب المصري؟

https://www.facebook.com/story.php?story_fbid=950076442110405&id=100013241748431

في هذه التظاهرة المليونية وجّه ناشطون انتقادات لاذعة للجيش وقوات الدعم السريع وقوات جهاز الأمن والمخابرات، واتهموهم بقتل المعتصمين خلال الفض وباغتصاب النساء وطالبوا بتقديم قادتها إلى المحاكمة.

خطة للانقضاض على الثورة

الضابط المفوّض وفريق علمه الذين عينهم الجيش السوداني، سرعان ما شرعوا في فتح بلاغات ضد ناشطين وإعلاميين وفقاً لقانون الجرائم الموجهة ضد الدولة، وقانون الصحافة والمطبوعات وجرائم المعلوماتية.

 ما دفع منظمات حقوقية وجمعيات إعلامية لاتهام العسكريين في السلطة الانتقالية بالعمل على تكميم الأفواه، لتنفيذ مخطط للسيطرة على الثورة السودانية من خلال تحرّكات عسكرية.

وكشف مصدر عسكري في مجلس السيادة عن شروع القوات المسلحة في فتح بلاغ ضد الناشطة الصغيرة لدن طارق، على خلفية الهتافات التي رددتها في مليونية 30 يونيو/حزيران الماضي، ضد قادة الجيش والأمن والدعم السريع.

وقال المصدر لـ"عربي بوست"، إن أحد مستشاري رئيس الوزراء دكتور عبدالله حمدوك، توسط لدى القادة العسكريين لإيقاف الإجراءات القانونية ضد الناشطة لدن مراعاة لصغر سنها، لكنهم صمموا على المضي قدماً في الإجراءات، بحجة أنها أساءت للمنظومة العسكرية والأمنية.

https://www.facebook.com/story.php?story_fbid=2005053832963720&id=100003773693050

وظهرت الناشطة لدن في مقطع فيديو، تم تداوله على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي في السودان، وهي تردد هتافات في مليونية 30 يونيو، حزيران الماضي، تطالب بتقديم القادة إلى المحاكمة بتهمة قتل المعتصمين واغتصاب المعتصمات.

وكان المتظاهرون قد حملوا في المليونية مجسمات لقادة الدعم السريع، وهم على حبال المشنقة، ورفعوا لافتات تنادي بمحاكمة المتورطين في فض الاعتصام بالمادة 130 من القانون الجنائي السوداني، المتعلقة بالقتل العمد، وتنفيذ القصاص في مواجهتهم.

وأكد ضابط رفيع بالقوات المسلحة السودانية، أن الإجراءات المُشددة التي اتخذها الجيش السوداني ضد بعض الناشطين والإعلاميين، ليست الأولى، فقد سبقتها إجراءات أخرى داخلية، قيّدت حركة الضباط داخل المقار والوحدات العسكرية.

وقال الضابط لـ"عربي بوست"، بعد أن طلب حجب هويته، إن رئيس هيئة الأركان في الجيش السوداني، الفريق أول محمد عثمان الحسين، أصدر قراراً بمنع الضباط وضباط الصف والجنود من دخول مقر القيادة العامة، إلا بعد وضع هواتفهم النقالة خارج أسوارها.

وأكد الضابط الذي يعمل في القيادة العامة للجيش السوداني، أن رئيس هيئة الأركان وجّه قادة الوحدات العسكرية في كل السودان بمنع دخول الضباط والجنود إلى مواقع عملهم، حال كان الواحد منهم يحمل هاتفه النقال، ولم يضعه بالخارج.

وأشار الضابط إلى أن رئيس هيئة الأركان برر قراره بأن الهواتف النقالة ووسائل التواصل الإجتماعي أصبحت مُهدداً كبيراً لكل أسرار ومعلومات وأعمال الجيش السوداني، بسبب استخدامها من بعض الضباط والجنود في تصوير الوثائق الرسمية.

ولم يستعبد الضابط أن تكون قيادة الجيش اتخذت القرار لقطع الطريق أمام محاولة انقلابية أو تصحيحية يقوم بها مجموعة من الضباط باستخدام تلك الهواتف في التنسيق والتحرّك.

وكشف الضابط أن تلك القرارات جاءت بعد قرارات اتخذها القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، قضت بإبعاد مجموعات كبيرة من الضباط على أساس سياسي.

وأشار الضابط إلى أن قيادة الجيش ظلت تقوم بإبعاد كثير من الضباط بمزاعم أنهم ينتمون إلى النظام السابق، مع أنهم في حقيقة الأمر يدعمون الثورة.

ولفت الضابط إلى أن القرارات استهدفت الضباط الذين يرفضون وجود قيادة الجيش الحالية في مجلس السيادة، بحجة أنها ليست أمينة على الثورة السودانية، وخاصة عقب فض الاعتصام من أمام القيادة العامة للقوات المسلحة.

وكان البرهان أصدر قراراً بإحالة الملازم أول محمد صديق، الذي يعد أول الضباط الذين أعلنوا انحيازهم وانضمامهم إلى المتظاهرين الذين اعتصموا في السادس من أبريل/نيسان 2019، أمام قيادة الجيش، ما قاد للإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير في الحادي عشر من الشهر نفسه.

وأثار إبعاد صديق من الجيش سخطاً وسط الثوار، حيث نظموا مظاهرات في عدد من أحياء الخرطوم تندد بإحالته للتقاعد، لكن قيادة الجيش لم تقم بإرجاعه للخدمة.

نكوص عن الحريات

أفرز قرار الجيش السوداني بتسمية ضابط مفوّض ومجموعة من الضباط لملاحقة الناشطين والإعلاميين عبر القضاء العسكري، موجة من الجدل بين مؤيّد للقرار من منطلقات أنه يحفظ هيبة الجيش كمؤسسة قومية، وبين معارض له، بحجة أن القرار يقيّد حركة النشر، ويحد من حرية الصحافة والإعلام.

ويرى القيادي في شبكة الصحفيين، خالد فاروق، أن قرار الجيش السوداني والروح التي حملها يمثل تهديداً لأصحاب الرأي، واتجاهاً خطيراً للانتقاص من حرية التعبير.

وقال فاروق لـ"عربي بوست"، إن قرار الجيش يستند بالأساس لحزمة من القوانين غير الديمقراطية التي صاغها النظام البائد، وسعى من خلالها لسلب حرية الرأي والتعبير، وكان المأمول أن يتم إلغاؤها أو تعديلها جذرياً لتتماشى مع ما شهدته البلاد من ثورة من أجل الحرية.

ولفت إلى أن القوانين السابقة سعت لتحصين القوات العسكرية والشرطية والأمنية من النقد، وإضفاء الحماية القانونية على أفعالها وقراراتها، وهو ما يتعارض مع قيم الديمقراطية وحرية التعبير.

وشدد القيادي في شبكة الصحفيين، على أنهم يعتبرون قرار الجيش نكوص ورِدّة عن الحريات التي انتزعها الشعب السوداني من خلال الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس المعزول عمر البشير.

 منوهاً إلى أن الأجدى أن يتم إلغاء القوانين التي تسلب حرية الرأي والتعبير، وأن يشمل التغيير العقلية التي تحكم وتدير المؤسسات والقوات النظامية، لا أن تستمر ذات القوانين بعقوبات أكبر وبنصوصها المخالفة للديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستمر القوات العسكرية والأمنية في التعالي على الرأي والنقد.

وبدوره، أكد الكاتب الصحفي، عثمان شبونة، أن قرار الجيش السوداني بملاحقة الناشطين والإعلاميين سيعود بالضرر على المؤسسة العسكري، وسيزيد الأصوات الناقدة والناقمة على المؤسسة العسكرية التي فشلت في حماية المعتصمين من هجوم الميليشيات أمام قيادة الجيش.

وقال شبونة لـ"عربي بوست"، إن القرار جاء لقمع كل الذين يرفضون هيمنة العسكريين على السلطة، ويقاومون مخططات سرقة الثورة السودانية، وتمكين ميليشيات الجنجويد والدعم السريع من السيطرة على الحكم وموارد البلاد.

ولفت الكاتب الصحفي، إلى أن الناشطة لدن طارق التي أثار هتافها سخط قادة الجيش، هتفت في الأساس ضد قتلة الشهداء والمعتصمين، مشدداً على ضرورة أن يهتف كل صاحب ضمير حي ووجدان سليم ضد قتلة المتظاهرين، وأن يطالب بتقديمهم إلى مقصلة الإعدام.

وفي المقابل، دافع الخبير العسكري، اللواء متقاعد، الطيب الزين، عن القرار، معتبراً أن لجوء القوات المسلحة إلى القانون والقضاء، خطوة تُحسب لقادة القوات المسلحة، ولا تُحسب عليهم، لأنها تساهم في تفكيك الدولة الشمولية التي كانت سائدة قبل الثورة.

وقال الزين لـ"عربي بوست"، إن قادة القوات المسلحة الذين يسيطرون على زمام الأمور الأمنية في السودان، كان بمقدورهم المضي مباشرة في ملاحقة الناشطين والإعلاميين بقوانين الجيش التي تحظر تداول أي معلومة عسكرية، وتضع من ينشر أو يفشي أي أسرار عسكرية أمام طائلة العقاب الراداع.

ولفت الخبير العسكري، إلى أن النظام البائد كان يقوم بإغلاق ومصادرة الصحف التي تنشر أية معلومة عسكرية دون اللجوء إلى القضاء، منوهاً إلى أنه كان من الأوجب أن ترحب نقابة الصحفيين وشبكة الصحفيين بخطوة الجيش وتشجيعها، لأن فيها تحولاً نحو الديمقراطية وسيادة حكم القانون، بدلاً من مقابلتها بعداء شديد.

وطالب الزين بإبعاد المؤسسة العسكرية عن الصراع بين المكونات السياسية من أجل السلطة، مشدداً على أن انهيار المنظومة الأمنية يعني دخول السودان إلى الفوضى والانفلات الأمني.

وكان الجيش السوداني، أشار إلى أنه اتخذ قرار ملاحقة بعض الناشطين والإعلاميين بسبب الإساءات والاتهامات الممنهجة التي تقع ضمن مخطط يستهدف المنظومة الأمنية.

تحصين الجنرالات

وشددت القوات المسلحة على أن قرارها بتسمية ضابط رفيع كمفوّض، يعاونه مجموعة من الضباط لتقديم منتقديها إلى القضاء، لا يهدف للتضييق على الرأي الآخر، أو تقييد حركة النشر الإعلامي.

وقال العميد دكتور الطاهر أبو هاجة، مستشار رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، إن القرار مقصود منه صيانة القوات المسلحة كمؤسسة قومية من الإساءات.

وشدد أبو هاجة في حديثه لـ"عربي بوست" على أن القرار لا يتقاطع مع القوانين، وأنه ليس بدعاً في المنطقة أو الإقليم أو العالم، منوهاً إلى أن حق التعبير مكفول بالقانون، مؤكداً على أن الإساءة للجيش السوداني مرفوضة تماماً.

وفي موازاة ذلك، أكدت شبكة الصحفيين السودانيين، إحدى المكونات المهنية التي قادت الثورة السودانية، أن افعال القوات العسكرية ليست فوق النقد، وأن دولة القانون تُبنى بالقوانين الديمقراطية وبالمؤسسات القومية الخاضعة للسلطة التنفيذية، التي تتقبل الرأي الآخر شأنها شأن كل مؤسسات الدولة.

وقالت الشبكة، في بيان صحفي، إن الشعب السوداني اكتوى من القوات العسكرية طويلاً خلال عهد الرئيس المعزول عمر البشير، وحتى صبيحة فض الاعتصام من أمام بوابات القيادة العامة للقوات المسلحة، والتي لم تجب حتى الآن عن أسباب ما حدث، ولماذا لم تحم المدنيين العزل من الموت".

وأشارت الشبكة إلى أن الصحفي عادل إبراهيم كلر، تعرّض إلى التهديد والترهيب من قبل ضابط بالقوات المسلحة، برتبة لواء يدعى أمين إسماعيل، وذلك خلال مشاركته في لقاء تلفزيوني بقناة سودانية 24، خُصص لمناقشة قرار القوات المسلحة بملاحقة الناشطين والإعلاميين الذين ينتقدونها.

وقالت الشبكة إن اللواء إسماعيل دعا لفتح بلاغ ضد الصحفي عادل كلّر، على الهواء مباشرة، وذلك بعد استشهاد الأخير بحادثة قصف الطيران الإسرائيلي لمصنع اليرموك في وسط الخرطوم في أكتوبر/تشرين الأول 2012، وبانفجار أحد مخازن الذخائر بأم درمان، كدليل على أن الجيش يقع في الأخطاء.

وأكدت شبكة الصحفيين السودانيين، أنها ستسعى لتشكيل هيئات سياسية وقانونية للدفاع عن حرية التعبير، وستقاوم كل محاولات التضييق على الحريات.

وشددت الشبكة على ضرورة حل جهاز الأمن والمخابرات، وتفكيك الميليشيات، وعلى رأسها ميليشيات الدعم السريع، ومراجعة كافة القوانين التي تقنن لانتهاك حقوق الإنسان وحق التعبير والرأي والحصول على المعلومات.

ولم يصدر أي تعليق رسمي من المكون المدني في الحكومة الانتقالية على قرار الجيش، لكن القيادي البارز في قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة، صديق يوسف، قطع بأنهم لن يسمحوا بأي تجاوزات أو انتهاكات من قبل القوات العسكرية خارج إطار القانون.

وقال يوسف لـ"عربي بوست"، إن اللجوء إلى القانون مطلوب وهو سلوك حضاري، لكن يجب ألا يتحول القانون إلى أداة لتكميم الأفواه أو التضييق على الإعلاميين والناشطين.. لن نسكت حيال ذلك.

وأشار يوسف الذي يواجه بلاغاً قضائياً من قوات الدعم السريع على خلفية اتهامه لها بالتورط في فض الاعتصام، إلى أن الأجهزة العسكرية والأمنية ليست فوق النقد، مشيراً إلى أن الثورة السودانية أنهت عهد الشموليات والقدسية المطلقة، منوهاً إلى أن المتضرر من النقد عليه الذهاب إلى القضاء، لتثبيت سيادة القانون، وإنهاء شريعة الغاب التي كانت تُحكم بها البلاد.

وبدوره، ورأى مستشار رئيس الوزراء، فائز السليك، أن اللجوء إلى القانون أمر محمود، منوهاً إلى أن القرار ليس مقصوداً به تقييد حرية الصحافة والإعلام، وأنه يستهدف الأخبار المفبركة والمزيّفة على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن الملاحقة ستكون في إطار جرائم المعلوماتية والنشر الإلكتروني.

تحميل المزيد