جيل الألفية والجيل Z هم فئة المراهقين والشباب، وهؤلاء مولودون في العصر الرقمي وغالبيتهم لا يقرأ صحيفة ورقية ويقضون وقتهم على تطبيق إنستغرام، ثم جاءت جائحة كورونا وفرضت الحاجة لمعرفة الأخبار الجادة، فكيف هي تجربة متابعتها من تطبيق يعني أكثر بالأمور الحياتية الخفيفة من الأخبار والمعلومات الجافة؟
صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "لماذا يلجأ جيل الألفية والجيل Z لإنستغرام للحصول على الأخبار؟"، ألقى الضوء على الظاهرة وأضرارها وفوائدها إن وجدت، وكون وباء كورونا الدافع الرئيسي لها.
كورونا والحاجة إلى معرفة الأخبار
أصبح الولوج إلى تطبيق إنستغرام للحصول على آخر الأخبار بالنسبة للكثير من الشباب أقرب خيار طبيعي لشراء الصحيفة اليومية في الأجيال السابقة، ونظراً لأنَّ الموقع كان منصة لمشاركة المحتوى المرتبط بنمط الحياة بدلاً من الأنباء الجادة، يُعَد هذا تحولاً في جيل الألفية والجيل Z، في وقت تكتسب فيه مستجدات الأخبار أهمية أكبر من أي وقت مضى.
ونُشِرَت بيانات مؤخراً تستطلع كيفية الحصول على الأخبار والمعلومات حول جائحة فيروس كورونا المستجد بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم من 18 إلى 24 عاماً في الولايات المتحدة – وهي الفئة العمرية الأكثر ميلاً لاستخدام الشبكات الاجتماعية لاستقاء الأخبار.
وكشفت هذه البيانات أنَّ أكثر من ربع المشاركين في الاستطلاع استخدموا إنستغرام للوصول إلى المحتوى الإخباري خلال الأسبوع الماضي، بينما استخدم 19% تطبيق سناب شات و6% تطبيق تيك توك، وبالمقارنة، استخدم 17% فقط الصحف للوصول إلى المعلومات. وعلى الصعيد العالمي، وصلت الأرقام إلى مستويات أعلى؛ ففي ألمانيا، استخدم 38% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً إنستغرام فقط للوصول إلى الأخبار، وفي الأرجنتين، وصلت هذه النسبة إلى 49%.
ماذا يعني ذلك؟
ولا يمكن اعتبار هذا الاتجاه ضاراً تماماً. تقول جينيفر غريغيل، أستاذة الاتصالات في جامعة سيراكيوز الأمريكية: "التحدي الذي يمثله إنستغرام هو أنه مساحة بصرية؛ لذا فإنَّ الناس يشاركون الميمات التي تتعلق بالتأثير أكثر منها بالمعلومات، لذا يحتاج الناس إلى توخي الحذر واليقظة بشأن من يتفاعلون معهم".
وينطوي استخدام الشبكات الاجتماعية لاستقاء الأخبار على تعقيدات؛ بسبب قدرة أي شخص على التصرف كأنه مراسل؛ مما يثير المخاوف بشأن التأكد من صحة الحقائق، ومزاعم بأنَّ الشبكات الاجتماعية تضع النفوذ بيد من لديهم أكبر عدد متابعين بغض النظر عن مؤهلاتهم.
وهناك أيضاً مخاوف من أنَّ الشبكات الاجتماعية تؤدي إلى الاستقطاب السياسي. إذ تشير دراسة مسحية حديثة إلى أنَّ 41% فقط من الأمريكيين يثقون في وسائل الإعلام التقليدية لتغطية الأخبار "تغطية كاملة ودقيقة وعادلة". وأشارت شركة Gallup، التي أجرت الدراسة، إلى الخطاب السياسي الذي يستخف بالمؤسسات الإخبارية باعتباره مشكلة محتملة، في ظل انخفاض ثقة الناخبين الجمهوريين في وسائل الإعلام التقليدية بوصفها مصدراً للأخبار.
الاستقطاب السياسي ومخاطره
وبالنسبة لغير الناخبين، توفر الشبكات الاجتماعية بديلاً لوسائل الإعلام التي بدأوا يشكُّون في مصداقيتها. بيد أنَّ طبيعة الشبكات الاجتماعية تترك المستخدمين عرضة لدرجة كبيرة للآخرين الذين لديهم وجهات نظر مماثلة، وهو ما تشير الأبحاث إلى أنه يمكن أن يخلق غرف صدى واسعة -أي مساحات تُعزَّز فيها آراؤنا وتحيزاتنا من خلال الأصوات التي تدخل إلى حساباتنا على الشبكات الاجتماعية.
من جانبها، ترى أميليا جيبسون، أستاذة مساعدة ومديرة مختبر Community Equity Data and Information Lab في جامعة نورث كارولينا، أنَّ أحداث الأشهر الأخيرة تُسلِط الضوء على الطرق التي يستخدم بها العديد من الشباب الشبكات الاجتماعية على أنها مصدر للأخبار.
إذ أدت أزمة "كوفيد-19" وتجدد الاهتمام بحركة "حياة السود مهمة"، إلى زيادة الرغبة في الحصول على معلومات فورية ومباشرة، ويعني عدم الثقة في وسائل الإعلام الرئيسية أنَّ العديد من الشباب لجأوا إلى التغذية الإخبارية على الشبكات الاجتماعية للحصول على معلومات حول الاحتجاجات وإجراءات الشرطة وأوامر البقاء في المنزل.
لكن مع وجود شبكة من الخوارزميات تقدم محتوى من المنظمات الإخبارية والمجموعات السياسية أو حتى المؤثرين الذين يتصرفون وفق معتقداتهم السياسية ودوائرهم الاجتماعية، أضاف ذلك مزيداً من الانشقاق إلى الخلافات الثقافية ووجهات النظر المنقسمة بالفعل.
وتوضح أميليا أنَّ الشبكات الاجتماعية تقدم، من جهة، وسيلة لملء ما يشبه فراغ مصادر المعلومات الموثوق بها، واستطردت: "لكن من ناحية أخرى، لا تزال بيئات الشبكات الاجتماعية لدينا مقسمة إلى حد أنَّ بعض الناس يعيشون بالفعل في عوالم معلوماتية مختلفة. ففي أحد أنظمة المعلومات البيئية، قد يقرأ الناس اللحظة الحالية [وحركات العدالة الاجتماعية الحالية] على أنها صحوة دولية تتعلق بمكافحة العنصرية وتدعو للتفاؤل، بينما قد يقرأها الآخرون على أنها تهديد وجودي بالغ. ونرى هذه العوالم المختلفة تتصادم عندما يلتقي الناس في الحياة الواقعية".
بالنسبة إلى أميليا، يكمن الحل في تقارب المصالح؛ إذ تلفت الشبكات الاجتماعية الانتباه إلى القصص التي أُغفِلَت سابقاً، وتعيد التوازن إلى القدرة على مشاركة الأخبار، لكن وسائل الإعلام التقليدية لا يزال لها دور تؤديه.
وتوضح قائلة: "لطالما شارك الناس الأخبار التي تهمهم وتهم مجتمعاتهم. أعتقد أنَّ الاختلاف في هذه اللحظة هو أنَّ المؤسسات الإخبارية تهتم وتركز على لحظة من الصراع المشترك.. أعتقد أنَّ الشبكات الاجتماعية قد فعلت الكثير لدفع حركات العدالة الاجتماعية إلى الأمام في العقد الماضي لكن وسائل الإعلام التقليدية لا تزال تتمتع بالكثير من النفوذ لجذب الانتباه وطنياً ودولياً".
منصات التواصل ووسائل الإعلام التقليدية
لكن من وجهة نظر جينيفر، التي بوصفها أستاذة جامعية ترى عن كثب كيف أنَّ الشباب يؤدون دورَي مبتكري المحتوى والمستهلكين في نفس الوقت، وصلت العلاقة بين وسائل الإعلام التقليدية والشبكات الاجتماعية إلى نقطة محورية، فقد أدى إتاحة إنشاء المحتوى للجميع إلى الديمقراطية في نشر الأخبار، لكنه لا يزال نظاماً منقوصاً معرضاً للاتهامات بالتحيز والأخبار المزيفة ووجهات النظر المستقطبة بدرجة كبيرة.
وتقول جينيفر وأميليا: "من الصعب إدراك فوائد الشبكات الاجتماعية بالكامل؛ لأنَّ هناك الكثير من المحتوى الضار هناك. ولم تكن هذه المنصات دوماً شركاء صالحين للمواطنين؛ إذ لم تنتبه كثيراً إلى الدعايا السياسية الضارة، وفشلت في مراقبة خطاب الكراهية. لذا من المهم أن تنتقدهم، لكن عليك أن تدرك أيضاً أنه لولاهم لما رأينا نوع التوثيق الذي أصبح لدينا عن الأذى المجتمعي والشفافية حول الظلم.. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من الفرص لتقديم المحتوى من دون الشبكات الاجتماعية، وإذا كانت تلك المنصات لن تعمل كشركاء صالحين للمواطنين، فنحن بحاجة إلى إيجاد طرق جديدة وأفضل لنشر الأخبار".