اعتاد الصبية في قرية الناصرية القريبة من مدينة بومرداس شرق العاصمة الجزائرية، الخروج للهو واللعب بالقرب من بحيرة راكدة في حضن غابة كثيفة، يحب الصغار القفز فيها تحت ظلال أشجار الصنوبر والسباحة في مائها الراكد.
وفي إحدى المرات خرج 4 أطفال من أسرة واحدة في مساء يوم جمعة من منتصف شهر مايو/أيار الماضي، لكنها لم تكن كغيرها من المرات السابقة؛ فقد غرق الإخوة الأربعة معاً ولن يعودوا إلى الأبد، أطفال تتراوح أعمارهم بين 7 و11 عاماً، خسرتهم أسرة واحدة في يوم واحد!
هذه القصة المؤلمة تتكرر كل يوم في أغلب بيوت أبناء الجزائر المهمشين، القاطنين بمناطق شعبية لا تعيرها السلطات أدنى اهتمام، فلا هي ضمن خطتها في التطوير أو إدخال المرافق أو حتى في تأمين مساحة آمنة للأطفال يلهون فيها ويفرّغون طاقتهم المكبوتة.
قلة المرافق الترفيهية وانعدام فضاءات اللهو واللعب دفعا بهم إلى السباحة في هذه البحيرة الراكدة؛ هرباً من أشعة الشمس الحارقة وللاستمتاع بمياهها الباردة، فوقع أصغرهم سناً غارقاً في البحيرة، وحين هبَّ إخوته لمساعدته ابتلعتهم المياه جميعاً.
غرق الواحد تلو الآخر ولم يجدوا من يهبّ لنجدتهم ويحميهم من الغرق، وصلت عناصر الحماية المدنية بعد وقوع الكارثة، وكثفت جهودها لساعات من البحث حتى عثرت عليهم جثثاً هامدة، وسط صدمة الأهالي وانهيار أفراد ذوي الأطفال.
رغم كثرة قصص الغرق المؤلمة، يعاود الأطفال وشباب الجزائر السباحة في هذه البرك والبحيرات المائية التي تمنع الدولة السباحة فيها؛ لخطورتها وسهولة الغرق فيها من مختلف الفئات العمرية.
فلا يجد بعض الأطفال من وسيلة للترفيه واللهو مع بداية الحر، ويتخلون عن ممارسة بعض الألعاب التي اعتادوها خلال عامهم الدراسي، ويتوجهون للسباحة في مناطق السدود والبرك المائية، وأكثر الفئات من هؤلاء الأطفال هم سكان المناطق الداخلية المحرمون من شواطئ البحر، إلا أن العواقب دائماً تأتي وخيمة.
فإذا كان أطفال المدن الساحلية والقريبة منها في الجزائر، ينعمون بالاستجمام في الشواطئ، فباقي شباب وأطفال المدن الأخرى في المناطق الداخلية والصحراوية يُحرمون من البحر، فيفكرون في تعويض هذا الحرمان بالتنزه حول البرك والترع والحواجز المائية والوديان "الأنهار والجداول"، رغم خطورتها على حياتهم.
إحصاءات رسمية
تشير الأرقام الرسمية لعدد الأطفال المفقودين، وفق حصيلة المديرية العامة للحماية المدنية، في هذه الأماكن الممنوعة السباحة فيها، إلى أن الجزائر سجلت خلال السنة الماضية أكثر من 150 غريقاً، جُلهم من الأطفال والشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم 17 سنة، في البرك والمسطحات المائية وقنوات السقي "54 في المسطحات المائية، و19 بالسدود، و26 في الأودية، و51 بأماكن أخرى".
بينما بلغ عدد الغرقى في شهر مايو/أيار من العام الحالي فقط، 18 غريقاً بينهم 16 غريقاً في البحيرات و2 في السدود المائية، وكان عدد حالات الوفاة التي سُجلت في شهر مايو/أيار من العام الماضي قد بلغ 16 حالة، ثمانٍ منهم لقوا حتفهم في البرك والبحيرات، و2 في الشواطئ، و2 بالسدود، و4 في أماكن مختلفة.
وحول عدد الغرقى خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي (2020)، لقي 29 حتفهم غرقاً، أغلبهم أطفال في عمر الزهور، ومن بين حالات الوفاة عشرون منها في البحيرات.
حوادث الغرق في السدود والبحيرات المائية باتت تسجل أرقاماً مخيفةً كل عام، وما يزيد من قلق الجزائريين قرار إغلاق الشواطئ المندرج في إطار مخطط الوقاية من كورونا.
وهو ما يزيد حدة هذه الحوادث المميتة، ويتطلب جهوداً واسعة من السلطات الجزائرية لوضع حد لها، من خلال تكثيف البرامج والأنشطة الصيفية؛ للتحذير من السباحة في البرك والمياه الراكدة والسدود.
ويقول مصدر بالمديرية العامة للحماية المدنية لـ"عربي بوست"، إن هذه الأماكن التي يرتادها الأطفال بعيدةٌ كل البعد عن وجود مقرات الحماية المدنية، وإنها في قرى ومداشر نائية يصعب التحكم فيها والوصول إليها في الوقت المناسب لإنقاذ الضحايا.
يشدد المصدر على أن الطفل يغرق في أقل من 5 دقائق، وهي لا تكفي لوصول أعوان الحماية المدنية إلى مكان الحادثة.
وخصصت المديرية العامة للحماية المدنية أرقاماً وخطوطاً هاتفية للمواطنين بهذه الأماكن؛ للتواصل معها وإخطارها بأي حادثة تقع في وقتها، خاصة في هذه الفترة التي يزداد فيها تردد الأطفال على البحيرات المائية الخطيرة والبرك والسدود.
حيث وضعت في حسبانها، ارتفاع حوادث الغرق في البرك والسدود، من جراء غلق الشواطئ، لتتأهب للتدخل في أي لحظة.
على الوجه الآخر عجزت السلطات الجزائرية عن احتواء الظاهرة، ولم تقدرعلى حراسة هذه الأماكن التي بات الأطفال يترددون عليها باستمرار، بسبب إغلاق المسابح في ولايات الجنوب والمدن الداخلية.
وهو ما يعتبره الجزائريون تقصيراً واضحاً منها لتدبير خطط تنموية لحماية الأطفال من الغرق في البرك والمستنقعات المائية.