في أفغانستان، صنعت التطورات في شهر فبراير/شباط من العام 2020 أملاً قصير الأمد بأن الحرب التي دامت 18 عاماً من الوحشية والعنف على وشك الانتهاء، ولكن الآن تواجه المفاوضات الأفغانية صعوبات جمة.
احتفى كثيرون بالتجربة القصيرة لخفض مستوى العنف لمدة أسبوع، وتوقيع اتفاقية بعدها بين الولايات المتحدة وطالبان في فبراير/شباط، باعتبار هذه التطورات خطوة ضخمة نحو إحلال السلام.
لكن في الأشهر الخمسة التالية، تضاءلت آمال الناس في نهاية الحرب اللانهائية، بعد نشوب خلافات حول تطبيق ذلك السلام، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Diplomat اليابانية.
أسباب تعثر المفاوضات الأفغانية.. طالبان في وضع أفضل أمام الحكومة
لقد تركت الصفقة بين طالبان والولايات المتحدة الحكومة الأفغانية في وضعٍ أسوأ من طالبان المنتصرة، لكن الرأي العام بنى حماسه حول المفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانية التي كان من المفترض أن تبدأ في مارس/آذار. لكن تأخير هذه المحادثات لشهورٍ أحبط آمال الشعب في انتهاء الحرب، مع أن عملية السلام استمرت بوتيرة بطيئة.
ومؤخراً، عرض متحدث باسم طالبان بدء المفاوضات في بداية أغسطس/آب، بعد إجازة عيد الأضحى، بشرط أن تطلق الحكومة الأفغانية سراح المزيد من سجناء طالبان. وقد رفضت كابول فعل ذلك سابقاً، ففي النهاية، ربما يكون ذلك الموعد المقترح مجرد موعد آخر يأتي ويذهب دون أي أثر حقيقي.
وكلما استغرق بدء المحادثات وقتاً أطول، صارت الحرب أكثر دموية وفتكاً.
فالعملية البطيئة لدرجة مؤلمة تهدم الإجماع الأفغاني على أن الحرب، في صميمها، غير طبيعية ويجب أن تنتهي. ومن ثمَّ، تضر خيبة أمل العامة بفرص إحلال السلام، وتمنح اليد العليا للجماعات المناهضة للسلام الساعية إلى استغلال ساحة المعركة في تحقيق أهدافها. وفي تلك الظروف، تتدخل القوى الإقليمية لتحمي مصالحها بنفسها.
قبل الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان في فبراير/شباط، كانت آمال العامة لإنهاء العنف قد تحطمت عدة مرات. فقد حاولت الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي الدفع باتفاقية سلام مع حركة طالبان، لكن العملية لم تسر بسلاسة قط. وعلمت الحكومة الأفغانية في 2015 أن الملا عمر، زعيم طالبان الذي حاولت الحكومة التفاوض معه لأعوام، قد مات في 2013.
وهذا الإحراج العلني أدى إلى فقدان العامة لثقتهم في عملية السلام. وزاد الإحساس بتهميش الحكومة الأفغانية حين تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اتفاقية أوشكت أن تنعقد مع طالبان في التاسع من سبتمبر/أيلول من العام 2019، بسبب مقتل أمريكي. فقد استمرت الولايات المتحدة قبلها في التحدث مع طالبان حتى أثناء مقتل أعداد كبيرة من الأفغانيين في الحرب.
وقد عيل صبر ترامب على الحرب، وسعى إلى الانسحاب من أفغانستان حتى مع عدم التوصل إلى تسوية شاملة، في محاولة لتحسين فرصه في الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر/تشرين الثاني. وقد تصرفت طالبان والحكومة الأفغانية على هذا الأساس، على حساب ثقة العامة في عملية السلام.
لماذا تعود طالبان للعنف بشراسة؟
في محاولة لكسب الأفضلية في المفاوضات، عادت طالبان إلى العنف بشراسة لإثبات قوتها. في المناطق البعيدة عن كابول وانتباه العامة، في قلب الجبال والمناطق الريفية النائية، تستعر الحرب.
ومع كون الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان لا يفرض صراحةً خفض مستوى العنف، تستهدف طالبان أماكن تمركز القوات الأفغانية وقواعدهم دون الخوف من الضربات الجوية الأمريكية التي كانت في ما مضى الأفضلية الرئيسية التي التي تميزت بها الحكومة الأفغانية في الميدان.
وإن استمر الوضع على ما هو عليه، يقول أمين أحمدي، عضو بفريق الحكومة الأفغانية للتفاوض مع طالبان، إن الشعب الأفغاني ربما يؤمن بأن "طالبان لا تريد إحلال السلام، لذا ينبغي عليهم مجابهة طالبان بالقوة حتى وإن لم تفعل الحكومة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى حروب بالوكالة، وفوضى واضطراب يعم البلاد. إن فقد الناس أملهم في السلام، فسيكون هذا خيارهم الوحيد".
تبرر حركة طالبان استعمال العنف برفض الحكومة إطلاق سراح أعضاء الحركة، في حين تتذرع الحكومة الأفغانية بالعنف الطالباني في تأخير إطلاق سراح السجناء. وفقاً للصفقة بين طالبان والولايات المتحدة، سهلت الأخيرة إطلاق سراح 5 آلاف مقاتل طالباني من السجون الأفغانية، مقابل إطلاق سراح ألف سجين حكومي من معتقلات طالبان.
وقد تعهد الرئيس الأفغاني أشرف غني بإطلاق سراح مقاتلي طالبان فقط إن قدمت الحركة ضمانات بأن هؤلاء لن يعودوا إلى ساحة المعركة. قد سلمت طالبان الحكومة قائمة بالسجناء الذين ترغب في إطلاق سراحهم، لكن الحكومة لم توافق على بعض السجناء رفيعي المستوى الذين نفذوا هجمات دموية في العاصمة الأفغانية كابول. ورغم الخلافات بين الطرفين، أطلقت الحكومة على مدار أشهر سراح أكثر من 4 آلاف سجين طالباني، في حين أطلقت طالبان سراح 770.
ويقول علي أميري، المحاضر بجامعة ابن سينا الخاصة في كابول، إن تأخر الحكومة في إطلاق سراح السجناء "متعلق بتعطيل عملية السلام أكثر من اي دواعٍ أمنية. فالرئيس أشرف غني وآخرون من صناع القرار بالحكومة الأفغانية متشائمون، ويرون أن الحكومة ستخسر في عملية السلام أكثر بكثير مما ستخسره طالبان".
وتذهب التقارير إلى أن غني ومسؤولين أفغانيين وأمريكيين تحدثوا مراراً عن عشرات الجماعات الإرهابية الصغير النشطة في البلاد. ومن بينها يبرز تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كأبرز الخاسرين في أي اتفاقية سلام، إذ إن الحكومة الأفغانية وحركة طالبان قد تتحدان في قتال الجماعة المتطرفة في أفغانستان.
وقد شدد زلماي خليل زاد، مبعوث السلام الأمريكي، على هذه النقطة في حوارات متعددة وتصريحات للمراسلين.
وقد اعتقلت وكالة الاستخبارات الأفغانية مؤخراً اثنين من مقاتلي الدولة الإسلامية خططا لمهاجمة مستشفى الإمام علي، وهو مستشفى خاص مملوك لشيعيين في حيٍ شيعي بالعاصمة كابول، إضافةً إلى مهاجمة محطة تلفاز. وربما كانت هذه المحاولة في حال نجاحها لتثير غضباً عارماً على جهود السلام وإنهاء الحرب.
القوى الإقليمية لا تريد إلا مصالحها
وتسعى قوى إقليمية لاستغلال ساحة المعركة في أفغانستان لتحقيق مصالحها الخاصة. من باكستان، التي تدعم طالبان، إلى إيران وروسيا، اللتين انضمتا إلى أفغانستان دعماً للحكومة الأفغانية وطالبان على حدٍ سواء من أجل المراهنة على مستقبل أفغانستان.
وفي إشارة إلى تعقيد الوضع في أفغانستان، يُزعم أن روسيا دفعت لحركة طالبان من أجل قتل القوات الأمريكية وقوات الناتو في أفغانستان.
إحدى مفارقات الوضع في أفغانستان أن وسيطاً بدأ نشاطه بتجارة المخدرات لعب دور حلقة الوصل بين الروس وطالبان، ما يشير إلى وجود قنوات متعددة تستعملها القوى الإقليمية والكبرى في تحقيق مصالحها في أفغانستان.