صوّت البرلمان المصري بالإجماع في 20 يوليو/تموز على دعم نشر الجيش المصري خارج حدود البلاد، ما قد يؤدي إلى دخوله صراع مع الجيش التركي داخل ليبيا. ونتيجة تلك المعركة -إذا حدثت- غير معروفة. غير أن أي انتشار للقوات المصرية في ليبيا دعماً لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق البلاد يبدو ضربة قاضية أخرى في صراع طويل يهمّش دور الجزائر ويضعف دورها الإقليمي، كأكبر بلد في إفريقيا كان معروفاً بهيمنته الدبلوماسية بين دول المغرب العربي، كما يقول موقع Al Monitor الأمريكي.
موقف محايد
منذ بداية الاشتباكات في ليبيا تقريباً، اتخذت الجزائر والاتحاد الإفريقي موقفاً محايداً معظم الوقت، سعياً للتوسط بين الأطراف المتحاربة في واحدٍ من أطول الصراعات في العالم وأكثرها فوضوية. ومع ذلك، بعد ما يقرب من 10 سنوات على الثورة التي أدت إلى إطاحة الديكتاتور الليبي معمر القذافي، لم يؤدِّ أي انفراج دبلوماسي إلى أي توقف دائم في القتال، ومع دخول عدد كبير من المقاتلين إلى الصراع- تصبح فرص إبرام أي اتفاق إقليمي يؤدي إلى استقرار دائم شبه معدومة.
ولم تأتِ آخر المبادرات التي تهدف إلى المساعدة في إحلال السلام في ليبيا، من أي جهة إقليمية، ولكن من مؤيدي حفتر في موسكو الذين -إلى جانب تركيا، التي تدعم حكومة طرابلس المعترف بها دولياً- أعلنوا عن خطط للعمل على تشكيل مجموعة عمل مشتركة للمساعدة في توجيه عملية السلام نحو غاية من المرجح أن تساهم في أهداف سياستهم الخارجية.
وعلى هامش هذا الموقف توجد الجزائر وتونس والاتحاد الإفريقي. أما عن تونس والجزائر فيقترب الصراع في ليبيا من تهديد وجودهما. إذ تشترك كلتاهما في حدود طويلة مع دولة شمال إفريقيا الممزقة وكلتاهما تضررتا من هذا الصراع. فتونس، التي تعاني بالفعل من خسارة شريك تجاري رئيسي، ما تزال تعاني من إغلاق الحدود الذي يعيق تدفق الدخل، المشروع وغير المشروع، من جارتها. ويتعين على الجزائر، من جانبها، أن تنفق كمية كبيرة من أموالها المتقلصة لدعم عشرات الآلاف من القوات المتمركزة على طول حدودها التي تبلغ 966 كم تقريباً مع ليبيا التي مزقتها الحرب.
في منتصف يوليو/تموز، التقى البلدان للتعهد بتكثيف مباحثاتهما مع طرفي النزاع، ودعتا أيضاً إلى وقف فوري لإطلاق النار. ولا يُعرف على وجه اليقين ما إذا كانت حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة أو حفتر يهتمان ذلك.
النفوذ الأمريكي في شمال إفريقيا
رغم شهرتها بثقلها الدبلوماسي، تكمن قوة الجزائر -كما يرى بعض المراقبين- بشكل أساسي في عملها جنباً إلى جنب مع السياسة الخارجية الأمريكية، في حين تظل تونس "سمكة صغيرة تطغى عليها المياه التي تسبح فيها".
يقول جليل الحرشاوي، المحلل الليبي في معهد كلينغنديل الهولندي: "معظم الدبلوماسية الجزائرية اتكأت على مدى عقود وبشكل غير مباشر على "السلام الأمريكي" في المنطقة. أي أنه كان على الجزائر أن تعتمد على نفسها طوال سنوات، لكنها في الوقت نفسه تمتعت بشكل من أشكال الدعم الأمريكي".
والآن، مع تراجع نفوذ الولايات المتحدة في معظم أنحاء المنطقة، يبدو موقف الجزائر ضعيفاً، في حين أن خصومتها الإقليمية مع المغرب على مستقبل الصحراء الغربية، ومع مصر، التي قد تنشر قواتها قريباً داخل ليبيا، وضعتها في موقف ملتبس في مواجهة التصعيد الدولي المتنامي على حدودها.
والحقيقة هي أن الدبلوماسية الجزائرية لم تمر من قبل قط بأزمة جيوسياسية معقدة أو دولية مثل أزمة ليبيا الحالية. يقول الحرشاوي: "صحيح أن الجزائر واجهت مواقف خطيرة في الماضي مثل موقفها في مالي، ولكن دون انخراط العديد من الدول مع الطرفين المتصارعين. إن مصداقية الجزائر في المجال الدبلوماسي شديدة القوة، ولكن ليس من المؤكد مطلقاً أنه بإمكانها التأثير في الفوضى الحالية في ليبيا".
الانشغال بالأزمات الداخلية
كانت الجائحة العالمية أحد الأمور التي فاقمت صعوبات تونس والجزائر في التأثير في الموقف. يقول الحرشاوي: "عانى اقتصاد البلدين كثيراً نتيجة لكوفيد-19". بالنسبة للجزائر، كانت نتيجة ذلك- في فترة تراجع أسعار الطاقة- الانخفاض الكبير في الإنفاق في محاولة لاحتواء الجائحة. وبالنسبة لتونس، صاحبة الاقتصاد الهش الذي يتوق لتدفق أموال السياحة التي لن ينالها هذا العام، فإن جائحة فيروس كورونا تعني المزيد من الصعوبات وزيادة الاضطراب في المناطق الجنوبية المتقلبة التي تقع على الحدود الليبية.
وفي حين أن الجزائر ربما تجاهد دبلوماسياً لاحتواء الفوضى المتزايدة خارج حدودها، فإن نفوذها ما يزال قائماً. وبحسب طارق مجريسي، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، كان التصور السائد داخل معسكر حفتر أن الجزائر أصبحت منشغلة باحتجاجاتها الاجتماعية الداخلية، وهو ما ساهم في اتخاذ القرار بشن الهجوم على طرابلس في أبريل/نيسان عام 2019.
ومع ذلك، في حين أن جهود الجزائر وتونس الفردية في ليبيا قد تكون ضعيفة، فإن هذا لا يعني أنه ليس لهما دور. فالاتحاد الإفريقي -رغم سمعته داخل ليبيا التي شوهها إلى حد ما تلقيه تمويلاً من القذافي- ما يزال حاضراً ويتمتع بإمكانية التأثير وإحداث فرق.
وأضاف مجريسي: "أولاً، يجب أن يقرر ماهية هذا الدور. لقد كان يحاول أداء دور الأمم المتحدة، وهو ما لا يمكنه فعله. ولكنه قد يؤدي دوراً قيماً في القضايا الأساسية مثل العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. والاستعانة بتجارب الدول الأعضاء للمساعدة في قيادة الليبيين نحو الاستقرار".
إلا أنه في الوقت الحالي لا يعرف إن كانت كل من الجزائر وتونس ستبقيان مكتوفتا الأيدي فيما تستعد القوى الأخرى للمساومة على مستقبل ليبيا -وهو ما يثير قلق الجزائر- تتجهز مصر للدخول في المعركة. وبعد سنوات من الحياد الإقليمي القوي والخروج بإعلانات سياسية لا تعد ولا تحصى، لم يتحقق الكثير للمساعدة في وقف استمرار انزلاق ليبيا إلى الفوضى.