ملء فنفي فإعلان.. كيف تلاعبت إثيوبيا بمصر على مدار 5 سنوات إلى أن مررت هدفها بملء سد النهضة خلسة؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/22 الساعة 11:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/22 الساعة 12:37 بتوقيت غرينتش

عاش المصريون والسودانيون ليلة ليست كأي ليلة، ليلة شهدوا فيها بأعينهم خطاً كانوا يظنونه أحمر تم اختراقه بمنتهى الهدوء عبر إعلان رئيس وزراء الإثيوبي آبي أحمد انتهاء المرحلة الأولية لملء سد النهضة، وذلك بحضور قائدي بلديهما، فكيف تلاعبت إثيوبيا بمصر في أزمة سد النهضة، وهي الدولة التي كان يعتقد أن أديس أبابا تخشى إغضابها.

في هذا التقرير نرصد تطور المفاوضات بين الجانبين المصري والإثيوبي على مدار السنوات الأخيرة، وبالأخص الأشهر الماضية، التي انتهت بصدمة أمس الثلاثاء 21 يوليو/تموز 2020 بإعلان أديس أبابا انتهاء المرحلة الأولى لملء السد بالتزامن مع قمة إفريقية شارك فيه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك.

يحاول التقرير تبين أساليب إثيوبيا وكيف استطاعت تحقيق هدفها بملء سد النهضة رغم أنه كان يفترض أنه خط أحمر مصرياً؟

كيف تلاعبت إثيوبيا بمصر في أزمة سد النهضة؟ البداية إعلان المبادئ

23 مارس/آذار 2015: الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس السوداني المعزول عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا السابق هيلاماريام ديسالين يوقعون إعلان المبادئ بشأن سد النهضة الذي يراه العديد من الخبراء مثل الدكتور أحمد المفتي، العضو المستقيل من اللجنة الدولية لسد النهضة الإثيوبي، أنه قد أدى "لتقنين أوضاع سد النهضة، وحوّله من سد غير مشروع دولياً إلى مشروع قانونياً".

وقال المفتي، المستشار القانوني السابق لوزير الري، في حوار لصحيفة "المصري اليوم"، في عام 2015 إن الاتفاق ساهم في تقوية الموقف الإثيوبي في المفاوضات الثلاثية، ولا يعطي مصر والسودان نقطة مياه واحدة، وأضعف الاتفاقيات التاريخية، موضحاً أنه تمت إعادة صياغة اتفاق المبادئ بما يحقق المصالح الإثيوبية فقط، وحذف الأمن المائي، ما يعني ضعفاً قانونياً للمفاوض المصري والسوداني.

24 سبتمبر/أيلول 2019: قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن قضية مياه النيل بالنسبة لمصر مسألة حياة وقضية وجود، مشيراً إلى أن المفاوضات استمرت مع الجانب الإثيوبي لمدة 4 سنوات لكن دون تقدم يذكر.

آبي أحمد يهدد بحشد الملايين والسيسي يقول إن النيل مسألة حياة أو موت

22 أكتوبر/تشرين الأول 2019: رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد قبل يوم من لقائه السيسي في روسيا، يهدد بأنه "إذا كانت هناك حاجة إلى خوض حرب بشأن سد النهضة المتنازع عليه مع مصر فإن بلاده مستعدة لحشد الملايين".

15 يونيو/حزيران 2020: وزير الخارجية المصري سامح شكري يقول إن تعنت إثيوبيا في مفاوضات سد النهضة سيضطر الجانب المصري لاتخاذ خيارات أخرى، وذلك خلال ندوة الدبلوماسية المصرية والتعامل مع التحديات الراهنة، التي نظمها مجلس الأعمال المصري للتعاون الدولي. 

23 يونيو/حزيران 2020: إثيوبيا تعلن إحباط "هجوم مصري" نفذه قراصنة إنترنت مصريون حاولوا اختراق 13 موقعاً حكومياً.

قمة إفريقية وإعلان إثيوبي عن قرب التوصل لاتفاق

26 يونيو/حزيران 2020: قمة إفريقية مصغرة عُقدت لبحث أزمة السد التي شهدت لسنوات مفاوضات متعثرة.

بعد القمة أعلنت القاهرة والخرطوم تأجيل البدء بملء خزّان سدّ النهضة الكهرومائي، الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق، لحين إبرام اتفاق بين الدول الثلاث بشأن هذا المشروع الضخم، الذي يثير توتّرات إقليمية شديدة، ولم يتضمن تعليق آبي أحمد أي إشارة إلى إعلان الاتفاق الذي تحدثت عنه مصر والسودان.

وقالت الرئاسة المصرية عقب اجتماع لمصر وإثيوبيا والسودان ورئاسة الاتحاد الإفريقي عبر الفيديو، إنه تم التوافق على عدم اتخاذ أي إجراءات أحادية بشأن ملء خزان سد النهضة الإثيوبي قبل التوصل لاتفاق.

وقال البيان: "تم التوافق في ختام القمة على تشكيل لجنة حكومية من الخبراء القانونيين والفنيين من الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا، إلى جانب الدول الإفريقية الأعضاء بهيئة مكتب رئاسة الاتحاد الإفريقي، وكذا ممثلي الجهات الدولية المراقبة للعملية التفاوضية".

السيسي مع آبي أحمد/رويترز

آبي أحمد قال: "إن المحادثات التي جرت مع السيسي وحمدوك عبر "الفيديو كونفرانس" كانت مثمرة بشأن ملف سد النهضة"، وإن "الاتحاد الإفريقي هو الساحة المناسبة للحوار بشأن القضايا الإفريقية المهمة"، وذلك في تلميح منه على ما يبدو إلى قرار مصر والسودان رفع ملف أزمة سد النهضة إلى مجلس الأمن الدولي.

وبعد ساعات من نهاية القمة: أعلن وزير المياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي أنه سيكون هناك اتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان فيما يتعلق بملء سد النهضة في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وذلك بعد ساعات من انتهاء قمة إفريقية مصغرة عُقدت لبحث أزمة السد التي شهدت لسنوات مفاوضات متعثرة.

غير أن أديس أبابا عادت وأعلنت أنها ستبدأ ملء السد خلال أسبوعين، مشيرةً إلى اكتمال 74% من إنشاءات السد.

الذهاب لمجلس الأمن

30 يونيو/حزيران 2020: عقد مجلس الأمن جلسة لمناقشة أزمة سد النهضة، بعد أن تقدمت مصر بشكوى لمجلس الأمن الدولي انطلاقاً من كون أزمة النهضة تمثل تهديداً مباشراً للاستقرار والسلم في المنطقة، وهو ما يقع في قلب اختصاص المجلس، كما تقدمت السودان بشكوى لمجلس الأمن، وهو ما يعد تطوراً كبيراً في موقفها،  في المقابل دفعت إثيوبيا بأن السد قضية تنمية ولا تقع ضمن اختصاصات مجلس الأمن الدولي.

دعا أعضاء المجلس خلال الجلسة مصر وإثيوبيا والسودان إلى استكمال التفاوض فيما بينهم؛ من أجل إيجاد حل للنزاع الخاص بسد النهضة، وكان الموقف الأمريكي هو الأوضح في دعوته إلى الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات من شأنها تقويض حسن النية اللازمة للتوصل إلى اتفاق"، فيما دعت جنوب إفريقيا إلى "احترام جهود الاتحاد الإفريقي لتسهيل التوصل إلى اتفاق".

بينما قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن "ملء السد قبل التوصل إلى اتفاق قد يفاقم الأزمة ويشعل نزاعاً في المنطقة".

وأكد الوزير شكري أن أزمة سد النهضة تهدد مورد المياه لـ100 مليون مصري، وتشكل مخاطر على أمة بأسرها. لذلك لجأت مصر لمجلس الأمن لتجنب التصعيد في هذه الأزمة، واصفة سد النهضة بأنه خطر وجودي.

الموقف الإثيوبي: وفي كلمته أمام المجلس، انتقد مندوب إثيوبيا إحالة ملف سد النهضة إلى مجلس الأمن، متهماً مصر باتخاذ إجراءات أحادية، وقال إن أي نزاع حول مياه نهر النيل يمكن فضّه بالوساطة وإحالته لرؤساء الدول، وحث المندوب الإثيوبي مجلس الأمن على إحالة ملف سد النهضة للاتحاد الإفريقي.

الأول من يوليو/تموز 2020: صدر أول قرار من مجلس الأمن بشأن سد النهضة، أعلن فيه المجلس أنه "سيراقب تطورات أزمة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، وأنه سيعقد اجتماعاً في حال دعت إليه الحاجة".

وانتهت جلسة مجلس الأمن التي انعقدت بناءً على رغبة مصر لمناقشة ملف سد النهضة بالدعوة إلى مواصلة الحوار والابتعاد عن "الإجراءات الأحادية".

العودة للقمم الإفريقية.. وأديس أبابا تعلن عزمها تعبئة السد مع التفاوض

3 يوليو/تموز 2020: عُقد اجتماع "برعاية من جنوب إفريقيا، بوصفها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، وبحضور المراقبين من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، وجنوب إفريقيا، وممثلي مكتب الاتحاد الإفريقي ومفوضية الاتحاد، والخبراء القانونيين من مكتب الاتحاد".

الاجتماع استغرق 5 ساعات، حسب وزير الري المصري محمد عبدالعاطي، الذي قال إن الاجتماع أظهر استمرار الخلافات، مضيفاً أن التعامل مع فترات الجفاف مسألة جوهرية لم نصل إلى اتفاق يرضينا كمصريين"، كما أشارت الوزارة إلى أن الاجتماع كان مركّزاً حول اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة، وهي نقطة الخلاف الجوهرية في أزمة السد بين البلدان الثلاثة.

7 يوليو/تموز 2020: إثيوبيا تقول إنها أبلغت الاتحاد الإفريقي اعتزامها بدء التعبئة ومواصلة المفاوضات.

إذ عاد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ليؤكد تمسك بلاده بالموعد الذي حددته مسبقاً من أجل ملء سد النهضة، ونفى التقارير التي تحدثت عن التزام أديس أبابا تأجيل العملية إلى حين التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان، بينما أشارت القاهرة إلى استمرار الخلافات حول تعبئة السد على الرغم من استئناف المفاوضات.

وقال آبي أحمد إنه لا يمكن إيقاف تعبئة سد النهضة، كما أن الارتفاع الذي وصل إليه مستوى البناء فيه يلزم البدء بالتعبئة.

مصر تحدد موعداً لنهاية التفاوض وتقول فاض الكيل وآبي يتعهد بعدم الإضرار بمصر

7 يوليو/تموز 2020: رئيس الوزراء الإثيوبي يؤكد أن خلاف بلاده مع مصر حول تشغيل وفترة ملء سد النهضة "سيحل في البيت الإفريقي"، وقال نصاً: "لن نضر بمصر، وسنبدأ ملء السد للاستفادة من موسم الأمطار الغزيرة، لن نحرم مصر من الماء، وسنتوصل لاتفاق قريباً".

8 يوليو/تموز 2020: المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري بمصر محمد السباعي، قال إن أزمة "سد النهضة" قضية أمن قومي، ولا يمكن التهاون فيها، لأن مصر تحملت الكثير، لأكثر من 10 سنوات ولن نتهاون".

وأعلن السباعي أن الأحد 12 يوليو/تموز هو الموعد الرسمي لإنهاء مفاوضات سد النهضة، حال عدم ظهور متغير جديد، معتبراً أن إثيوبيا ليست لديها رغبة حقيقية حتى الآن في الوصول إلى نقاط توافق بشأن سد النهضة.

10 يوليو/تموز: مصر ترفض مقترحاً من أديس أبابا بتأجيل بتّ الخلافات إلى ما بعد توقيع الاتفاق، وذلك بعد ثمانية أيام من المفاوضات.

13 يوليو/تموز 2020: وزير الخارجية المصري سامح شكري يعلن انتهاء المحادثات الخاصة بسد النهضة الإثيوبي دون التوصل إلى اتفاق بين الأطراف الثلاثة حول ملء وتشغيل السد بعد 11 يوماً من الاجتماعات.

شكري أكد في مداخلة تلفزيونية أن كافة أجهزة الدولة المصرية ستظل تعمل بمنتهى العزيمة للدفاع عن مصالح مصر وفق القانون الدولي.

ورداً على ما أثير حول قيام إثيوبيا بالفعل بملء خزان سد النهضة، قال إن اتفاق إعلان المبادئ عام 2015 كان واضحاً فيما يخص عدم ملء وتشغيل السد إلا بعد التوصل لاتفاق.

وعن الخطوة القادمة قالت الخارجية المصرية إن الأطراف الثلاثة اتفقوا على رفع تقاريرهم النهائية عن مسار المفاوضات إلى دولة جنوب إفريقيا، بوصفها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي والراعي للمفاوضات.

أدلة على بدء ملء السد وإثيوبيا تؤكد ثم تتراجع، والقاهرة تطلب إيضاحاً

14 يوليو/تموز 2020: صور التقطت بالأقمار الاصطناعية تكشف أن خزان سد النهضة الإثيوبي بدأ في الامتلاء. 

15 يوليو/تموز: السودان يعلن أن هناك تراجعاً في مستويات مياه النيل الأزرق بما يعادل 90 مليون متر مكعب يومياً، ما يؤكد إغلاق بوابات سد النهضة.

15 يوليو/تموز: نقل التلفزيون الإثيوبي الحكومي تصريحات لوزير المياه والري والطاقة، سيليشي بيكيلي، تؤكد بدء بلاده ملء السد، بعد يومين من ختام مفاوضات بين بلاده ومصر والسودان، لم تفضِ لاتفاق بينهم.

سد النهضة/عربي بوست

وبعد تداول سريع للإعلان الإثيوبي في وسائل الإعلام، تراجع بيكيلي في تصريح لوكالة"أسوشيتد برس" عن تصريحه السابق عن بدء الملء. وأوضح أن حديثه كان مرتبطاً بصحة الصور التي نقلتها الأقمار الصناعية قبل أيام للسد، مشيراً إلى أنها توضح فقط "الأمطار الغزيرة وليس الملء".

وبعد التراجع، قالت هيئة الإذاعة الإثيوبية الوطنية (التلفزيون الحكومي)، في بيان على صفحتها بفيسبوك: "نعتذر عن الخطأ الذي ارتكبناه في تفسير تصريحات وزير الري والمياه والطاقة بشأن سد النهضة". وأضافت أن سوء التفسير كان "بالخطأ"، وغير متعمد.

من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها أنها "طلبت إيضاحاً رسمياً عاجلاً من الحكومة الإثيوبية بشأن مدى صحة هذا ملء السد".

ومجلس الأمن يبدي استعداده لعقد جلسة أخرى لسد النهضة، في حال طلب أعضاء إثارة الموضوع.

إثيوبيا لمصر والسودان: قضى الأمر الذي عنه تسألان، لقد أجبرتنا الطبيعة على ملء السد!

21 يوليو/تموز 2020: إثيوبيا تعلن انتهاء المرحلة الأولى من ملء خزان سد النهضة بالتزامن مع قمة إفريقية مصغّرة برئاسة جنوب إفريقيا لبحث الأزمة بين مصر وإثيوبيا والسودان شارك بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد ونظيره السوداني عبدالله حمدوك.

وعز آبي أحمد في مؤتمر صحفي بعد القمة ملء السد إلى إرادة الطبيعة.

إذ قال رئيس الوزراء الإثيوبي إن العوامل الطبيعية وهطول الأمطار حالياً كانت مواتية للتعبئة الأولى لسد النهضة.

وقالت رئاسة الوزراء الإثيوبية إن هناك توافقاً في القمة المصغرة للاتحاد الإفريقي حول السد على مزيد من المشاورات الفنية بشأن تعبئة السد تمهيداً لاتفاق شامل.

فيما كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يؤكد خلال القمة نية بلاده الصادقة لحل الأزمة.

وتم التوافق في ختام القمة على مواصلة المفاوضات والتركيز في الوقت الراهن على منح الأولوية لبلورة اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، على أن يتم لاحقاً العمل على بلورة اتفاق شامل لكافة أوجه التعاون المشترك بين الدول الثلاث فيما يخص استخدام مياه النيل، حسب وسائل الإعلام المصرية.

من جانبه، قال محمد نصر علام، وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، إن تبرير آبي أحمد بشأن بدء ملء خزان سد النهضة بزيادة نسبة الأمطار خاطئ وغير مبرّر، موضحاً في تصريح خاص لموقع مصراوي أنه كان بإمكان أديس أبابا فتح بوابات خزان السد للسماح بمرور مياه الأمطار الزائدة التي برّرت إثيوبيا بسببها ملء السد الأوّلي.

كيف حققت إثيوبيا هدفها؟

ومن الواضح أن إثيوبيا حقَّقت الهدف الأول لها، وهو البدء في ملء السد مع استمرار المفاوضات بحيث أرست مبدأ أنه يجوز لها التصرف في مياه النيل دون اتفاق، مع تقبل مصر والسودان بهذا الوضع حتى ولو على مضض.

ونفذت إثيوبيا هذا الهدف عبر خليط من التصعيد مع القيادة المصرية وتقديم وعود لها حمالة أوجه بالتفاوض، والتحرش العسكري بالسودان مع تقديم نفسها كوسيط نزيه بين العسكريين واليسار السوداني مع إغراء الخرطوم ببعض المنافع من السد.

ولكن أكثر الخطوات دهاء من قبل إثيوبيا كانت إعلانها بدء ملء السد في 15 يوليو/تموز الذي أكدته صور الأقمار الصناعية وتقارير انخفاض مياه النيل الأزرق في السودان، ثم التراجع عن الإعلان وهو ما ساهم في تبريد الموقفين المصري والسوداني وإضعاف الخط الأحمر المفترض والذي كان ملء السد.

فالأرجح أن آبي أحمد عبر هذا الخط الأحمر يوم 15 يوليو/تموز، ولكنه أراد تبريد الرد المصري والسوداني بالنفي.

وكان غريباً تعامل مصر ببيروقراطية مع الإعلان الإثيوبي والاكتفاء بإرسال طلب استيضاح رغم التقارير القادمة من السودان، والتي حاولت وسائل الإعلام المقربة من النظام المصري التقليل من أهميتها (المفارقة أن صور الأقمار الصناعية التي تظهر ملء السد جاءت من وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية).

ولكن الأغرب هو قبول السيسي حضور القمة الإفريقية المصغرة أمس بالتزامن مع إعلان إثيوبيا ملء السد، وخروج هذا البيان التوافقي المخملي الذي لا يتلاءم أبداً مع هول الموقف ولا تهديداته السابقة ولا المخاطر التي يحملها المستقبل بعد أن بدأت إحدى دول المصب في التصرف في النهر الأطول في العالم بشكل منفرد، وهو ما قد يفتح الباب لتكراره مع دول أخرى، والأسوأ أنه يفتح الباب لتكرار الأمر من قبل إثيوبيا بشكل أكبر ضرراً على مصر والسودان.

تحميل المزيد