يبدو أن إيران أنشأت علاقات سرية مع حركة الشباب الصومالية الإرهابية المعروفة بتنفيذ هجماتها في منطقة القرن الإفريقي، رغم أنها تعتبر حركة سلفية متشددة، وذلك حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
ومن خلال السير على النهج الذي اتبعته روسيا في أفغانستان والمناطق المحيطة، يُزعم أن طهران تستخدم حركة الشباب لتنفيذ هجمات ضد الجيش الأمريكي والقوات الأجنبية بالصومال وفي المنطقة، وذلك بحسب ما نقله تقرير Foreign Policy، عن مسؤولين حكوميين وأمنيين صوماليين على دراية بالمعلومات الاستخباراتية ومطلعين على المسألة.
على غرار روسيا، إيران تقدم المال لتجنيد المتطرفين في الصومال
تستخدم إيران الحوافز المالية لتكون وسيلتها في التجنيد، وتملك شبكة وكالة في الصومال، وتستخدم مساعدين لتيسير تقديم الدعم إلى المنظمات العنيفة المتطرفة لمواجهة نفوذ الولايات المتحدة ودول الخليج، بما في ذلك استخدام الصومال نفسها لتهريب الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن ونقل الأسلحة إلى بلاد أخرى مثل كينيا وتنزانيا وجنوب السودان وموزمبيق وجمهورية إفريقيا الوسطى.
ولا يعد الانخراط الإيراني في القارة الإفريقية جديداً. على وجه التحديد، عملت الجماعات الإيرانية الدينية والهيئات الاستخباراتية الإيرانية على مدى عقود لترسيخ بعثات دعوية وعمليات تأثير في القارة الإفريقية. تضمنت هذه فرص تقديم منح دينية في إفريقيا جنوب الصحراء ومنطقة القرن الإفريقي، كي تنافس نفوذ دول الخليج وتتصدى له.
يقول مسؤولون صوماليون، إن قوات الحرس الثوري الإيراني هي المنظمة الإيرانية الرئيسية في إيران، وإن فيلق القدس التابع لها أقام علاقات مع الجماعات المتطرفة والشبكات الإجرامية. ويزعم مسؤولون في الشرطة ووزارة المالية الصومالية، أن فيلق القدس يستخدم هذه الشبكات لتهريب النفط الإيراني إلى داخل الصومال، ثم بيعه بأسعار رخيصة في أنحاء إفريقيا؛ لتقويض العقوبات الأمريكية، بينما تُستخدم بعض العائدات لدعم المسلحين في اليمن والصومال.
وأوضح مسؤولون عسكريون صوماليون، أن إيران كانت تجري عمليات سرية لإضعاف الولايات المتحدة في الصومال، من خلال تقديم أسلحة متطورة وأجهزة متفجرة مرتجلة الصنع، ومدافع هاون، ومواد كيميائية تستخدم لصنع القنابل.
إيران أنشأت علاقات سرية مع حركة الشباب الصومالية، وهكذا استخدمتها
ويزعم هؤلاء المسؤولون العسكريون أن إيران ووكلاءها متواطئون في هجمات حركة الشباب على الجيش الأمريكي والقوات الصومالية وبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال.
بينما ادعى مسؤول عسكري بارز شارك في العمليات ضد حركة الشباب جنوب وسط الصومال، أن حركة الشباب تلقت دعماً بالأموال والمواد من إيران، وربما تكون الجمهورية الإسلامية قد دفعت مكافآت إلى المسلحين لشن هجمات ضد القوات الأمريكية في الصومال وفي المنطقة.
بحسب وزارة الدفاع الصومالية والمسؤولين الأمنيين الصوماليين، ربما تكون الأموال والأسلحة والذخيرة الإيرانية قد استُخدمت في هجمات حركة الشباب التي نفذتها في عام 2019 وعام 2020 ضد القواعد العسكرية الأمريكية في الصومال وفي شمال كينيا، بالإضافة إلى الهجمات ضد موكب عسكري تابع للاتحاد الأوروبي في مقديشو.
إذ إن القوات الأمنية المنخرطة في العمليات ضد حركة الشباب الصومالية جنوب وسط الصومال، اكتشفت أسلحة ومواد لتصنيع القنابل ومواد كيميائية قادمةً جميعها من إيران. ويدَّعي هؤلاء المسؤولون أن هجمات "الشباب" منذ عام 2017، صارت أكثر فتكاً، ونسبت القدرات المتزايدة للحركة إلى الأسلحة الواردة من مصادر أجنبية، والتي يأتي معظمها من إيران واليمن.
برغم عمليات مكافحة الإرهاب الصومالية والأمريكية، لا تزال حركة الشباب أكبر شبكة نشطة تابعة لتنظيم القاعدة في العالم، ويمثل الدعم المالي والمادي المقدم من فيلق القدس الإيراني إلى الجماعة المسلحة، تصعيداً جديداً وتهديداً متحولاً يعترض المصالح الأمريكية والغربية في الصومال وفي المنطقة.
ومع أن أعداد القوات الأمريكية بالصومال زادت خلال الأعوام الثلاثة الماضية، كانت هناك زيادة ثابتة في الهجمات التي تشنها حركة الشباب وفرع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) هناك، في جنوب وسط الصومال وأرض البنط، وبدرجةٍ متزايدةٍ في شمال كينيا.
وقال قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، الجنرال ستيفين تاونسند: "بعد سلسلة من الهجمات المعقدة التي تستهدف القواعد العسكرية الصومالية والأمريكية في العام الماضي، [أعلن قادة حركة الشباب] أن الأمريكيين والمصالح الأمريكية يمثلون أهدافاً لعملياتهم حول العالم"، وهو موقف يشبه إعلان أسامة بن لادن الحرب ضد الولايات المتحدة في عام 1996.
موسكو تدخل إلى المنطقة بدورها
وفضلاً عن نشاط إيران في الصومال، وسعت روسيا هي الأخرى من دائرة اتصالاتها ونفوذها بالصومال، عبر إرسال سفير إلى البلاد لأول مرة منذ 30 عاماً، وأقامت علاقات مع الجماعات المتطرفة في الدولة الهشة؛ للضغط على القوات الأمريكية والحلفاء الغربيين بالمنطقة واستنزافها.
وبحسب مسؤول بارز في وزارة الدفاع ومسؤولين أمنيين محليين وإقليميين بالصومال، تعد الهيئات الاستخباراتية الروسية ومجموعة فاغنر -وهي شركة مرتزقة شبه عسكرية لديها علاقات مع الكرملين- نشطة في الصومال، حيث أقامت علاقات مع حركة الشباب، فيما تحاول تقديم التدريب والمعدات إلى الحكومة الصومالية والحكومات الإقليمية، من دون إشراف أو محاسبة مع تجنب الالتزام بعقوبات الأمم المتحدة.
على مدى العامين الماضيين، أظهرت روسيا وإيران اهتماماً متجدداً بمنطقة القرن الإفريقي، وبحسب مسؤول عسكري صومالي بارز، كانت روسيا تعمل مع إيران لإخراج الولايات المتحدة من الصومال، لا سيما من قاعدة باليدوغل، وهي قاعدة شيدها الاتحاد السوفييتي واستُخدمت في الماضي، لتكون المركز الرئيسي لموسكو بالمنطقة.
الحل يجب أن يكون بدعم الحكومة الشرعية
تقول مجلة Foreign Policy: "من أجل مواجهة هذا التهديد، يجب على الحكومة الأمريكية أولاً أن تركز على الحد من قدرة حركة الشباب على الوصول إلى الدعم المالي والمادي من المصادر الأجنبية، مثل إيران. ويمكن تنفيذ هذا الأمر عن طريق توسيع نطاق استخدام العقوبات، لتحديد واستهداف الأفراد والجماعات في الصومال وبالمنطقة، الذين يساعدون في تيسير أنشطة الوكالة الإيرانية في الصومال، بجانب تحديد كيفية حصول جماعات العنف المتطرفة بالصومال على الأسلحة والمواد الكيميائية التي استُخدمت لشن هجمات على المدنيين والمؤسسات الحكومية وقوات الأمن بالصومال وفي المنطقة.
وبعد ذلك، ينبغي لها استخدام فرقة العمل المشتركة 150 وبعثة بناء القدرات التابعة للاتحاد الأوروبي، لتسليط الضوء على وقف تدفق الأسلحة والمواد الكيميائية إلى الصومال، وفي الوقت نفسه ينبغي لها مساعدة الحكومة الفيدرالية في الصومال والولايات الفيدرالية لبناء قوة بحرية وخفر سواحل وقدرات بحرية أخرى بهدف حماية ثاني أطول ساحل إفريقي.
ثانياً، يجب على الحكومة الأمريكية أن تستهدف تقليص النفوذ الإيراني في منطقة القرن الإفريقي، مما يصعّب على طهران ووكلائها العمل هناك. تستطيع الولايات المتحدة الحد من النفوذ الإيراني عن طريق زيادة جمع المعلومات الاستخباراتية حول وكلاء إيران والأطراف التي تساعد في تيسير أنشطتها وهياكل دعمها، إضافة إلى مراقبة التجارة الإيرانية مع دول المنطقة. فضلاً عن ذلك، يمكن للولايات المتحدة استخدام العقوبات لملاحقة الأفراد والمنظمات المتورطة مع عناصر النظام الإيراني والتي تخضع بالفعل لعقوبات أمريكية".
وفي نهاية المطاف، من أجل التصدي لإيران وروسيا وما تصفه المجلة الأمريكية بالدول المارقة الأخرى، يجب على الولايات المتحدة أن تزيد المساعدة الاقتصادية والأمنية والعسكرية المُقدمة إلى الصومال، ودعم جهود الحكومة الصومالية لزيادة حجم وقدرات قوات الأمن الصومالية، في الوقت الذي تضطلع خلاله بعمليات مكافحة الإرهاب والتمرد كي تزيح حركة الشباب والتنظيمات المتطرفة العنيفة الأخرى من المناطق التي تسيطر عليها.
يقول التقرير: "تشكل تطلعات حركة الشباب لشن هجمات ضد الولايات المتحدة في المنطقة وخارجها، تهديداً مباشراً يتعرض له الأمن القومي للولايات المتحدة ومصالح السياسة الخارجية". ومن أجل هزيمة حركة الشباب وتقليص تورط إيران وعملاء الدول الأجنبية الأخرى في الصومال، يتطلب هذا من الولايات المتحدة أن تستخدم جميع أدوات السلطة الوطنية، التي تتضمن الأدوات المالية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، لهزيمة ما يُعَدُّ الفرع الأنشط والأكثر فاعليةً واستمراراً من بين فروع تنظيم القاعدة حول العالم.