كيف فضح فيروس كورونا فشل الدبلوماسية الأمريكية، وهل يمكن إصلاح ما أفسده ترامب؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/07/19 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/19 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش
قادة أوروبا يشعرون بالخذلان من الحليف الأمريكي - رويترز

باستثناء عدد قليل من الدول حول العالم، يبدو أن الفشل في مواجهة وباء فيروس كورونا هو السمة الأبرز على الساحة الدولية، وهو ما يعد نتيجة لتراجع الدبلوماسية الأمريكية في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، ومع استمرار معركة الوباء، يظل السؤال بشأن ما يتوجب عمله لإنقاذ التعاون الدولي؟

مجلة Foreign Policy الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "الدبلوماسية الأمريكية في فترة ما بعد فيروس كورونا المستجد تحتاج إلى تحالفات مع القوى المتوسطة"، ألقى الضوء على فشل إدارة الرئيس دونالد ترامب في دعم التعاون الدولي مع الحلفاء في مواجهة الوباء، والتركيز على العداء مع بكين.

تحدُث مأساة "كوفيد-19" البشرية في ظل مأساة أخرى استراتيجية؛ ففي أكثر وقت تبرز الحاجة فيه إلى تنسيق الجهود الطارئة بين الولايات المتحدة والصين، وصلت علاقتهما إلى أدنى مستوى لها منذ التطبيع، من دون نهاية تلوح في الأفق.

خيبة أمل دول العالم

وفي حين أنَّ الولايات المتحدة لديها مصلحة مُلحة في إنقاذ أسس التعاون مع الصين، هناك هدف أكثر إلحاحاً وأكثر قابلية للتحقيق، إذ تحتاج الولايات المتحدة إلى إشراك القوى الوسطى التي تشعر بخيبة أمل متزايدة من القيادة الجماعية للبلدين، أو بالأحرى غيابها.

لقد ألحقت كل من واشنطن وبكين أضراراً جسيمة بنفسيهما هذا العام، إذ يثير سوء الإدارة الأمريكية المستمر وتبنّي موقف "أمريكا أولاً" انتقادات متزايدة، وكذلك سوء تعامل بكين مع الجائحة في مراحلها الأولى واتباعها دبلوماسية "الذئب المحارب" بوضوح أكبر.

العالم ينتظر لقاحاً يضع حداً لانتشار كورونا/ رويترز

وعلى الرغم من أنَّ القوى المتوسطة أَملت في بداية هذا العام، أن يجد البلدان اللذان يمثلان مجتمعَين ما يقرب من 40% من الاقتصاد العالمي، سبباً مشتركاً في وقف انتشار "كوفيد-19″، فإنها بدأت تعي أنها بهذا التوقع المنطقي ضلَّلت نفسها، وأنها يجب أن تتولى بنفسها التنسيق فيما بينها، ليس فقط لضمان استمرار التقدم على جبهات محددة مثل تمويل أبحاث اللقاحات ومكافحة تغير المناخ، والحفاظ على التجارة الحرة، لكن أيضاً لدعم التعهدات الواسعة بتعددية عالمية.

الوباء كشف سوء الإدارة

ولفت بروس جونز، من معهد بروكينغز، إلى أنَّ "تأثير [القوى المتوسطة] على المسرح العالمي ازداد ازدياداً ملحوظاً خلال الجائحة، مما يستلزم تحديداً نوع التنسيق متعدد الأطراف الذي طالما دافعت عنه هذه القوى منذ فترة طويلة".

الرئيس الصيني ومدير منظمة الصحة العالمية وترامب

يجب أن تنتبه الدبلوماسية الأمريكية المتجددة إلى هذا النشاط المتنامي للقوى المتوسطة، بدايةً بالإشادة بالأداء المثالي الذي قدَّمته عديد من القوى الصغيرة والمتوسطة في الاستجابة للجائحة، فعلى سبيل المثال، كانت استجابة تايوان مثيرة للإعجاب حتى إنَّ عدداً متزايداً من البلدان يطالب بمنحها صفة مراقب في منظمة الصحة العالمية.

مقارنة كوفيد-19 بكارثة تسونامي

وفي الوقت نفسه، لم تسجل فيتنام أية وفيات مؤكدة ناجمة عن "كوفيد-19" على الرغم من أنها، على حد تعبير آدم تايلور وميريام بيرغر، من The Washington Post، "ليست ديمقراطية ثرية مثل كوريا الجنوبية، ولا متطورة للغاية مثل سنغافورة، وقوتها أبعد ما يكون عن المقارنة بما تتمتع به الصين".

علاوة على ذلك، يجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تلتمس مقترحات من أجل القوى المتوسطة والتنسيق معها من أجل تطوير نظام عالمي متعدد أكثر إبداعاً ومرونة يمكن تنظيمه لهذا الغرض على أساس من القبول الصريح، ويمكن أن يعمل خارج المؤسسات القائمة والاجتماعات المقررة مسبقاً، وتتمثل إحدى السوابق التي يجب أخذها بالاعتبار في الاستجابة المنسقة لكارثة تسونامي بالمحيط الهندي في عام 2004، حين اتحد أفراد عسكريون ونشطاء من مجال حقوق الإنسان من أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة لتشكيل مجموعة Tsunami Core Group الإغاثية.

كيف نجح العالم في مواجهة تداعيات تسونامي/ رويترز

وفي حين لا يمكن مقارنة حجم كارثة تسونامي مباشرةً بمقياس "كوفيد-19″، يمكن أن تكون الاستجابة بمثابة نموذج مفيد، إذ تسببت كارثة تسونامي في تدمير 13 دولة على الأقل في المحيط الهندي وصولاً إلى الساحل الشرقي لإفريقيا؛ مما أسفر عن مقتل نحو 230 ألف شخص، ومهدت مجموعة تسونامي الإغاثية الطريق لميلاد الحوار الأمني ​​الرباعي -المعروف اختصاراً بـ Quad-  ويشمل الديمقراطيات الأربع، وسيكون هذا النوع من الاستجابة السريعة ضرورياً ليس فقط للتصدي للجائحة، لكن أيضاً لبناء القدرة على الصمود في مواجهة الأزمات العابرة للحدود والصحية وغيرها، التي أصبحت تساهم بدور أكبر في تشكيل الجغرافيا السياسية.

بيد أنَّ الدخول في شراكة كاملة وواعية مع القوى المتوسطة، يستلزم من الولايات المتحدة الحرص على معاملة هذه القوى على أنها شريكة، لكل منها مزاياها الاستراتيجية الخاصة، وليس على أنها أدوات تستغلها في تنافسها المحتدم مع الصين الذي يُقوِّض مرونة نظام ما بعد الحروب العالمية والإمكانات المحتملة للعمل الجماعي.

ماذا يجب على أمريكا أن تفعله؟

وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب على الإدارة الأمريكية المقبلة -سواء فاز ترامب بولاية ثانية أو جاء جو بايدن خلفاً له- أن تعقد في أقرب وقت ممكن، منتدى للقوى المتوسطة التي تعاملت بنجاح مع "كوفيد-19" وتحمل دروساً يقتدي بها بقية العالم، إذ إنَّ الجمع بين مجموعة متنوعة من الدول -وضمن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، أستراليا ونيوزيلندا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وفيتنام وألمانيا- سيعرض نماذج مختلفة من أنظمة الحوكمة وأنظمة الصحة العامة التي كافحت الفيروس بفاعلية، مع الاستفادة في الوقت نفسه من "القدرة الفريدة والمستدامة الأمريكية على التنظيم في أوقات الاضطرابات العالمية" التي سماها مايكل فولويلوف من معهد لوي، "تحالفات الأكفاء"، ويجب على واشنطن أيضاً التفكير في ضم ممثلين من تايوان إلى مثل هذه القمة؛ نظراً إلى أنَّ تايبيه سجلت إحدى أكثر الاستجابات إثارة للإعجاب للجائحة في العالم.

كيف يمكن أن يؤثر كورونا في السباق الرئاسي بين ترامب وبايدن؟

إنَّ نجاح الولايات المتحدة في عقد قمة للقوى المتوسطة سيكون بمثابة دلالة مطلوبة بشدة على أنها لا تزال ملتزمة بالتعاون العالمي، إذ تستمر استطلاعات الرأي العالمية في الإشارة إلى أنه على الرغم من القلق من أسلوب تعامل إدارة ترامب مع التحالفات العالمية، والدوافع الحمائية، والدبلوماسية غير التقليدية، لا تزال عديد من الدول متمسكة بالأمل في أن تضطلع الولايات المتحدة بدور رائد في الشؤون العالمية، ووفقاً لدراسة استقصائية عن المواقف العالمية أجراها مركز بيو للأبحاث لعام 2019، تفضل الهند واليابان وبولندا وكوريا الجنوبية جميعاً الولايات المتحدة عن الصين بهامش يزيد على 30%؛ في حين يزيد هذا الهامش في كندا والمجر وإيطاليا والسويد على 20%.

ومع استمرار تعثر الاستجابة الأمريكية واستمرار النزعة الأحادية في امتحان صبر شركائها، لن يبقى أمام الإدارة المقبلة سوى نافذة محدودة من الفرص لتنتزع نفسها من السقطة التي أحدثتها هي في سمعتها الدولية. وستمثل القمة المقترحة خطوة متواضعة يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة لتوضيح التزامها المتجدد بالشراكات والتعددية، وهو التزام يجب أن يكون موجوداً ومستمراً بعيداً عن إعلانات وتصريحات الصين. ومثلما كُتِب في افتتاحية لصحيفة The Financial Times مؤخراً، فإنَّ الاستشهاد بالتحركات السيئة لبكين لن يعوض عن أخطاء الولايات المتحدة: "حلفاء أمريكا في أوروبا وآسيا غاضبون أيضاً من سلوك بكين. وهم ببساطة لا يثقون بقيادة إدارة ترامب في مواجهتها".

تحميل المزيد