ربما تكون إقالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمدير حملته الانتخابية قبل أقل من أربعة أشهر من أشرس انتخابات في تاريخ البلاد، مؤشراً على إدراك ساكن البيت الأبيض حقيقة تراجع فرصه في الفوز، والسؤال الآن هو: هل تلك الإقالة تمثل بداية تصحيح مسار أم أن الأوان قد فات بالفعل؟
صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "إعادة توزيع الأدوار في حملة ترامب تُظهر استيعابه لخسارته"، تناول كواليس إقالة الرئيس لمدير حملته الانتخابية قبل أقل من أربعة أشهر من موعد التصويت وتداعيات تلك الإقالة.
لماذا أقيل بارسكيل؟
شبَّه براد بارسكيل حملة دونالد ترامب للترشح لولاية ثانية يوماً بنجم الموت Death Star الذي يدمر الكواكب في أفلام حرب النجوم، وقال في تغريدة يوم 7 مايو/أيار، إنه "في غضون أيام قليلة سنبدأ بالضغط على زر الإطلاق للمرة الأولى".
والآن، يشبه بارسكيل أحد ضباط الإمبراطورية التعساء، ويؤدي دوره عادةً ممثل بريطاني، الذي يرفعه دارث فيدر ويخنقه بقبضته المميتة لسماحه للمتمردين بالهرب.
كان إعفاء مدير حملة ترامب من منصبه، هذا الأسبوع، شبه مؤكد منذ اللحظة التي تحول فيها مؤتمر ترامب الانتخابي الأول منذ تفشي فيروس كورونا من قوة إلى مَذلة، فمن البداية، كان من المقرر عقده في تُلسا، بولاية أوكلاهوما، في 19 يونيو/حزيران، وهو يوم الاحتفال بذكرى تحرر العبيد، ولذا كان لا بد من تأجيله يوماً آخر.
ثم تفاخر بارسكيل بأن الحملة تلقت أكثر من مليون طلب لشراء تذاكر المؤتمر، ولكم أن تتخيلوا مدى فزعه حين رأى أنه لم يحضر فعلياً سوى عدد قليل من الناس، وزعم مئات من مستخدمي موقع تيك توك المراهقين أنهم تقدموا للحصول على تذاكر، من باب المزاح ولم تكن لديهم نية للحضور.
وغرّد بارسكيل بكل فخر، بنشر صورة لمنصة خارجية تُجهَّز لجمهور هائل متوقع لم يتحقق قط؛ وجرى تفكيكها على عجل، وكان أكثر مما يستطيع احتماله، ولم يكن الوضع أفضل كثيراً داخل المركز، حيث واجه الرئيس الأمريكي إهانة آلاف المقاعد الخالية كما لو كان مقدِّم عروض كوميدية لم تعُد نكاته تثير الضحك.
الفضيحة التي وضعت ترامب أمام الحقيقة
وكان الفشل كارثياً، لأن المؤتمرات الانتخابية هي شريان حياة ترامب، وهو يفضل أجواءها الصاخبة عن جناح البيت الأبيض الغربي الهادئ، إذ إنها كانت حاسمة في تنشيط دعمه عام 2016، وتفاخر بارسكيل بأن هذه المؤتمرات كانت أدوات حيوية لجمع بيانات جميع من يسجلون الحضور.
إذ قال لصحيفة The Guardian في يناير/كانون الثاني: "كل ما تدور حوله الحملة هو جمع البيانات. كل جانب من جوانب هذه الحملة. وكل ما نفعله".
كان منظِّم المؤتمر مايكل غلاسنر أول من دفع ثمن ما حدث في تلسا بعدما "أعيد تكليفه" بواجبات أخرى، لكن بارسكيل حدث له الشيء نفسه، بعد إدارته حملة انحرفت من سيئ إلى أسوأ.
وأُلغي مؤتمر آخر، كان من المقرر عقده في بورتسموث، في نيو هامبشير، يوم السبت الماضي، بسبب عاصفة استوائية، وجائحة فيروس كورونا تخرج عن السيطرة في الولايات المتحدة، وأعداد الإصابات والوفيات تسجل أرقاماً قياسية وتهدد بإعاقة التعافي الاقتصادي، ويُظهر استطلاع تلو الآخر أن المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن سيسحق ترامب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، إذ تصدَّر الحزب الديمقراطي استطلاعاً للرأي أجرته جامعة كوينيبياك على مستوى البلاد يوم الأربعاء، بفارق 15 نقطة.
اعتراف بتأزُّم الموقف
وإذا كان الرئيس قد خرج بأي شيء من عام 2020، فهو أن العلم والاقتصاد والرأي العام أشياء لا يمكن تمنِّي زوالها، وإقالة بارسكيل من منصبه قبل 111 يوماً من الانتخابات أقوى اعتراف علني حتى الآن بأنه بدأ يدرك خسارته أخيراً.
كتب ديفيد أكسلرود، الخبير الاستراتيجي السابق في حملة باراك أوباما، على تويتر: "لقد قال ذلك اليوم خلال هجومه الذي امتد ساعة في حديقة الزهور على جو بايدن، إن الاستطلاعات زائفة وأداؤه ممتاز، ثم أقال مدير حملته!".
ومِثل ترامب نفسه، كان بارسكيل مبتدئاً في السياسة عام 2016 ويستمتع باستفزاز الليبراليين وإذكاء غضبهم، وعندما عُيِّن مديراً لحملة 2020 بسبب خبرته الرقمية، اعتبر كثيرون ذلك دليلاً على أن الفوز بالحملات وخسارتها أصبحا مسألة رقمية.
هل يمثل البديل نقطة انطلاق نحو الفوز؟
وهو سيستمر في قيادة الاستراتيجية الرقمية للحملة، لكن بيل ستيبين، الأكثر ميلاً إلى مدرسة الجمهوريين القديمة والنشاط الميداني، حل محله، كان ستيبين مدير حملة حاكم ولاية نيوجيرسي السابق كريس كريستي قبل عمله في حملة ترامب عام 2016 ومديراً سياسياً بالبيت الأبيض.
وقد كتب مايك ألين، المؤسس المشارك لموقع أكسيوس، في عرضه الإخباري ليوم الخميس 16 يوليو/تموز: "أخبرني أحد كبار الجمهوريين بأن ستيبين، الذي كان أحد كبار مساعدي كريس كريستي، خبير في مهارة حيوية بعالم ترامب، وهي إدارة المرشح".
ولا ينبغي استبعاد ترامب أو نسيان الحالة الفوضوية التي كانت عليها حملته عام 2016: إذ تولى إدارة حملته ثلاثة أشخاص هم: كوري ليفاندوفسكي، ثم بول مانافورت في يونيو/حزيران، ثم كيليان كونواي في أغسطس/آب.
ولكن مع مضي الوقت سريعاً، سيجد ستيبين صعوبة في تغيير الأمور، ومثلما وجد كثيرون في البيت الأبيض، من المستبعد أن يمنحه جاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه، حرية تصرُّف كاملة، إذ نقل بيتر ألكسندر، من شبكة NBC News، عن مصدر مقرب من البيت الأبيض، قوله: "كان جاريد كوشنر مدير الحملة أمس، وهو مديرها اليوم وسيكون مديرها غداً، لقد تلقى براد بارسكيل الرصاصة بدلاً عن جاريد".
وحتى كوشنر لا يستطيع فعل الكثير لترويض ترامب نفسه، إذ لطالما أدار ترامب حملاته بنفسه وعمل متحدثاً باسم نفسه، ونتائجه البائسة في الاستطلاعات تعكس سوء إدارته المستمر لجائحة فيروس كورونا وصمته عن الظلم العنصري أكثر من أي شيء آخر، وهي أشياء لا يمكن أن يصلحها حتى أكثر الخبراء السياسيين حنكة، وتشير جميع الأدلة الظاهرة أمامنا إلى أنه إذا أُجريت الانتخابات غداً، فسيواجه ترامب هزيمة تاريخية.
يقول إد روجرز، المستشار السياسي والخبير في الحملات الجمهورية: "بكل المعايير الموضوعية، تواجه حملة ترامب كثيراً من المشكلات، لكنَّ نقل إدارة الحملة من هذا الشخص إلى ذاك لن يكون له تأثير كبير إلا إذا تحسَّن أداء المرشح، وعليه أن يحسِّن أداءه كثيراً وأن يحسِّن من تواصله وخطابه. ولا أعتقد أن تغييراً في المخطط التنظيمي سيُحدث فرقاً كبيراً".
ويبدو أن ما يفعله ترامب هو إعادة ترتيب المقاعد على متن "نجم الموت" المشرف على السقوط، ومن جانبه، وصل بارسكيل المُعَاقَب يوم الخميس 16 يوليو/تموز، إلى ملحمة مختلفة عن صراع النور والظلام، إذ غرد قائلاً: "(رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 14): بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا".