على مدار 13 عاماً، جمعت العالمة ميشيل باور عينات من فضلات البشر وفضلات الحيوانات، من أنتاركتيكا إلى أستراليا، من أجل الإجابة عن سؤال بالغ الأهمية، هل انتقلت البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية من البشر للحيوانات البرية؟
وتعد أزمة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، من أكبر التحديات الصحية في العالم، ولكن يخشى العلماء من كارثة أكبر من تطور هذه البكتيريا التي ظهرت بسبب إسراف البشر في استخدام المضادات الحيوية، داخل أجساد البشر، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
هل انتقلت البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية من البشر للحيوانات البرية؟
الإجابة: نعم.
تقول باور، الأستاذة المساعدة بجامعة ماكواير في سيدني: "لا أظن أن هناك أي حيوان لم نجد هذه البكتيريا فيه".
أنواع الحيوانات التي اختارت باور فحصها يعيش أغلبها بالقرب من البشر أو في الحضر، مثل حيوان البوسوم، أو حيوانات تقضي وقتاً مع البشر في منشآت رعاية الحياة البرية أو في برامج الاستيلاد من أجل حماية الأنواع.
حتى الآن، تقول باور إنها وجدت أدلة على وجود بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية في نحو دستة من الحيوانات، من بينها الخفافيش والبطاريق والفقمة وكنغر الولب.
تقول باور: "هناك عضيات تنتقل منا إلى الحيوانات، وربما تعود إلينا مرة أخرى. يصعب الآن تتبع حركتها بيننا وبينها، لكننا نعرف أن البشر هم من تسببوا في ظهور البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية".
بدأ عمل باور على هذا الموضوع في 2007، حين درست عينات براز من كنغر الولب الصخري كثيف الذيل الذي نما في قفص بمدينة نيو ساوث ويلز ضمن جهود الحفاظ على النوع.
عثرت باور على بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية في عينات البراز المأخوذة من نصف حيوانات الولب هذه، وقد عادت هذه الحيوانات إلى البرية.
وفي أواخر 2009، حققت باور حلمها الرومانسي منذ 20 عاماً، وهو السفر إلى أنتاركتيكا من أجل إجراء الأبحاث العلمية. أما هدفها الأقل رومانسية بكثير فهو جمع الفضلات البشرية من محطة بحثية هناك، "والتسلل خلف البطاريق وحيوانات الفقمة" والحصول على عينات من فضلاتها".
لكن مجدداً، وجدت نتائج دراسة باور أن البكتيريا تنتقل من البشر إلى الأحياء البرية في أنتاركتيكا، ومن بينها البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
جمع زملاء باور والقائمون على العناية بأشكال الحياة البرية، بين 2017 و2019، 448 عينة فضلات من البطاريق الصغيرة في جزيرة فيليب وسانت كيلدا، ومن بطاريق في حدائق الحيوانات (إحدى طرق جمع هذه العينات من البطاريق البرية هي ترك قطعة ورق مقوى بالقرب من مدخل العش، لأن البطاريق "تحب قضاء حاجتها بالقرب من الباب"، وفقاً لباور).
نصف هذه البطاريق في المحميات وحدائق الحيوان تقريباً لديها بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، مقارنة بـ3% في الحياة البرية.
شاركت باور أيضاً في مشروع علمي للمواطنين يشجع أشخاص آخرين على جمع عينات البراز، وهم يطلبون هذه المرة إفرازات حيوان البوسوم.
وبعد تحليل 1800 عينة حتى الآن، تقول باور إن مشروع جمع البراز Scoop a Poop، أظهر أن 29% من حيوانات البوسوم كثيفة الذيل في أستراليا تحمل بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية.
وفي 2019، شاركت باور في دراسة وجدت مقاومة للمضادات الحيوية في الثعالب الطائرة رمادية الرأس، وهي من أنواع الوطاويط المهددة بالانقراض.
وفي أبحاث لم تُنشر بعد، تقول باور إنها وجدت أدلة على وجود بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية في الشياطين التسمانية البرية.
إذن، كيف وصلت البكتيريا الخاصة بالبشر إلى هذه الحيوانات؟
تقول باور إن ثلاثة أرباع المضادات الحيوية التي يتناولها البشر تفرزها أجسامهم وينتهي بها المطاف في أنظمة مياه الصرف الصحي. ويمكن أن تكون أماكن تصنيع المضادات الحيوية من المناطق التي تهرب من خلالها المضادات الحيوية.
وهناك أوقات يصطحب فيها البشر هذه الحيوانات من أجل الرعاية، وتتعرض خلالها للبشر، ثم تعود إلى البرية.
تقول باور: "حصل تنوع في وجود البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في أنواع برية مختلفة، لكننا لسنا واثقين من السبب".
إن حيوانات البوسوم من الأنواع التي تعيش في الحضر بنسبة عالية، وأحياناً تتغذى من الأرض، وتعيش وتأكل بالقرب من البشر، لدرجة أنها يمكن أن تتخذ أسطح المنازل الأسترالية بيتاً لها. لكنها تميل إلى العزلة.
أما الثعالب الطائرة فتعيش في الأشجار في معسكرات ضيقة يمكن أن تصل أعداد الثعالب فيها إلى الآلاف. وقد احتوت إفرازات 5% من الثعالب البرية الطائرة رمادية الرأس على بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، بالمقارنة بـ 40% من الثعالب في منشآت الرعاية.
ويقول باور: "ربما تقترب حيوانات البوسوم أكثر من العضيات الموجودة داخلنا، لكنها أيضاً نوع منعزل. أما الثعالب الطائرة فتعيش في الأشجار بكثافة عالية".
بضاعتنا ردت إلينا في أسوأ صورها بعدما أصبحت تمثل تحدياً خطيراً لصحة البشر
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعد ظهور البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية من أكبر التحديات الصحية التي تواجه البشر، وتجعل معالجة الأمراض الخطيرة أكثر صعوبة.
لكن تأثير هذه البكتيريا على الحياة البرية "هو المجهول الأكبر"، وفقاً لباور، وتقول إنه لا يوجد دليل مباشر حتى الآن على أن هذه البكتيريا تؤذي الحيوانات.
وتكمل باور: "إن انتقال الجينات من البكتيريا المتوطنة يمكن أن يعدل المجتمعات الميكروبية ويعرفنا أكثر وأكثر عن أهمية الميكروبات النافعة للمناعة الصحية".
د. واين بوردمان هو طبيب بيطري للحيوانات البرية بجامعة أديلايد، ورئيس قسم الطب البيطري السابق بحديقة حيوان لندن، ويشارك مع باور في بحثها.
من بين المخاوف الكبرى عند بوردمان هي أن تصعب مقاومة المضادات الحيوية مهمة الأطباء البيطريين في العناية بالحيوانات المريضة.
لكنه يخشى أيضاً من أن البكتيريا والجينات المرتبطة بها يمكن أن تنتقل من البشر إلى الحيوانات، ثم تتطور وتعود إلى البشر مرة أخرى.
يقول بوردمان: "إن مصلحة البكتيريا تقتضي أن تحاول حماية نفسها. وفي حين أن المخاطر الآن ضئيلة، فإنها يمكن أن تتراكم على مدار الأعوام، لأن لدينا المزيد من الجينات المقاومة للعلاج ونغوص أكثر وأكثر في المشكلة. هي مشكلة تسبب بها البشر. لا لوم على الحيوانات، فالبشر فقط هم من يستعملون المضادات الحيوية".
وتقول البروفيسور كلير ماك آرثر، العالمة البيئية السلوكية بجامعة سيدني، إن باور أجابت عن السؤال الأهم: هل تنتقل البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية من البشر إلى الأحياء البرية؟
وتكمل ماك آرثر: "السؤال التالي هو: هل هذا يحدث فارقاً؟ أفكر في هذا من منظور بكتيريا الأمعاء. فنحن نعرف أن الأحياء الدقيقة في الأمعاء مهمة، ونعرف من دراستنا للبشر أن التعديل فيها يمكن أن يفسد كثيراً في صحتنا. ويدور في ذهني سؤال: إن كانت الحيوانات تلتقط البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، فهل يعدل ذلك من تركيبة الأحياء الدقيقة في أمعائها؟ لا إجابة لدينا عن هذا السؤال بعد".
أما عن باور، فهي قلقة من أن الأحياء البرية التي تلتقط الممرضات البشرية يمكنها أن تمثل المزيد من الضغط على الأنواع المهددة بالفعل بالانقراض".
"هذه البكتيريا ممرضة وتسبب الأمراض عند البشر. أنا قلقة على صحة الحيوانات البرية وما يمكن أن تسببه البكتيريا المقاومة في الأنواع البرية، وكثير منها معرض للانقراض بالفعل".