إيران تضع يدها على ثروات فنزويلا.. أطنان من الذهب مقابل خمس شحنات نفط ومتجر بأموال الحرس الثوري، فماذا تريد؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/19 الساعة 16:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/19 الساعة 16:40 بتوقيت غرينتش
هل يصل النفوذ الإيراني إلى فنزويلا، أرشيفية/ AFP

"نحن دولتان متمردتان، دولتان ثوريتان، لن تنحنيا أبداً على ركبتيهما للإمبريالية الأمريكية، فنزويلا لديها أصدقاء في هذا العالم: وأصدقاء شجعان"، هكذا رحب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بناقلات النفط الإيرانية.

فى شهر مايو/أيار الماضي، تصدرت   أخبار إرسال جمهورية إيران الإسلامية خمس ناقلات من الوقود إلى فنزويلا عناوين الأخبار، وسط توقعات باعتراض الولايات المتحدة لهذه السفن، لكن شيئاً لم يحدث.

تحدي الولايات المتحدة

تعمل حكومة إيران وفنزويلا فى الأسابيع الأخيرة على إعادة العلاقة القوية بينهما، وتعزيز العلاقات الجيوسياسية، إلى كونهما تخضعان للعقوبات الأمريكية من جانب واحد.

بدأت المساعدة الإيرانية لنيكولاس مادورو بإرسال ناقلات وقود، تحمل حوالي 1.5 مليون برميل، لحل أزمة الوقود المتزايدة فى فنزويلا، وتعزيز موقف مادورو في مواجهة الولايات المتحدة.

امتدت المساعدات لتشمل المواد الأساسية والغذائية والأدوية، واختبارات فيروس كورونا المستجد.

لكن تعزيز العلاقة بين البلدين، أو إعادة التعاون بينهما فى مواجهة الولايات المتحدة، لم يبدأ بإرسال الوقود الإيراني في مايو/أيار الماضي، لكنه بدأ قبل ذلك.

يقول مسؤول بارز في الحكومة الإيرانية، لـ"عربي بوست"، فضل عدم الكشف عن هويته: "في أواخر شهر مارس/آذار الماضي ومع بداية أبريل/نيسان، بدأت الرحلات الجوية السرية من إيران إلى فنزويلا، دون الإعلان عن الأمر، نظراً لأن تلك الرحلات كانت تحمل مساعدات إيرانية لإعادة بناء المصافي الفنزويلية".

يقدر المسؤول الحكومي عدد تلك الرحلات، بحوالي 45 رحلة جوية، قامت بها شركة ماهان إير، القريبة من الحرس الثوري الإيراني.

ثم تطورت الأمور، وأصبحت أكثر علانية، وقتها قررت إيران إرسال خمس ناقلات من الوقود إلى فنزويلا، فى تصريح خاص لـ "عربي بوست"، يقول مسؤول في وزارة النفط الإيرانية، إن وزارته فوجئت بطلب من قائد كبير في الحرس الثوري الإيراني، بالاستعداد لإرسال شحنات من الوقود إلى فنزويلا.

"فوجئنا أن الأمر صدر من الحرس الثوري، وليس الحكومة، وعلمنا أن ملف إرسال الوقود إلى فنزويلا، تحت سيطرة الحرس بشكل كامل، ولا دخل للحكومة بهذا الأمر".

وكان المسؤولون الإيرانيون والفنزويليون، يخشون أن تعترض الولايات المتحدة طريق السفن الإيرانية المتجهة إلى فنزويلا، خاصة وأنها رفعت علم إيران فوقها دون أدنى محاولة للتخفي.

وعندما وصلت الناقلات الإيرانية إلى الموانئ في كاراكاس، استقبلها وزير الدفاع الفنزويلي، الذي تم تصويره وهو يحتضن قائد السفينة الإيرانية، والتي كانت مدعومة بحراسة الحرس الثوري مباشرة.

هل تفلح محاولات إيران في كسر قيد العقوبات الأمريكي عليها وعلى فنزويلا؟

ويرى بعض الخبراء في إيران، أن شحنات الوقود الخمس التي أرسلتها إيران إلى فنزويلا، لن تستطيع حل أزمة الوقود هناك، فهي بالكاد تكفي لمعالجة بعض المشكلات لعدة أسابيع.

 وقلل الخبراء من قيمة العائد المادي من تصدير النفط الإيراني إلى فنزويلا، مقابل المخاطرة بمواجهة البحرية الأمريكية.

لكن الأمر أكبر من حل أزمة الوقود في فنزويلا أو العائد المالي لإيران، بل إن تحدي الولايات المتحدة هو الهدف الأساسي والمعلن، حسب مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني.

ويقول المصدر لـ عربي بوست، إن بلاده أرادت إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة والعالم، مفادها أننا مازلنا قادرين على ردع العجرفة الأمريكية، وأنه بعد اغتيال أمريكا للجنرال سليماني، ظن البعض أن إيران انكسرت ولا تقوى على الرد.

وشدد: "لكننا ندرس خطواتنا، والدليل هو تصدير النفط إلى فنزويلا، وكسر هيبة أمريكا في البحر الكاريبي".

متجر إيراني في فنزويلا

بعد إرسال إيران ناقلات النفط، وصلت إلى فنزويلا في 21 يونيو/حزيران شحنات إيرانية من الغذاء لملء مستودع أول سوبر ماركت إيراني في كاراكس.

وكانت قد نشرت مجلة "ذا وول ستريت جورنال"، في تقرير لها، أن المتجر الإيراني في فنزويلا، تابع لشركة تجارية لها صلات قوية بالجيش والحرس الإيراني.

يقول صحفي إيراني لـ"عربي بوست" ـ رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية ـ  "المواد الغذائية التي تم شحنها إلى فنزويلا، تابعة لشركة أغذية إيرانية مملوكة بالأساس لقائد سابق بالحرس الثوري، لكن من يدير شؤون السوبر ماركت الإيراني في فنزويلا، هو أحد الدبلوماسيين السابقين، وكان أيضاً عضواً في الحرس الثوري في السابق".

الذهب الفنزويلي

زعمت بعض وسائل الإعلام الفنزويلية المعارضة أن البلاد قد دفعت ثمن شحنات الوقود والمواد الغذائية القادمة من إيران بالذهب.

لكن، حجة الله سلطاني، السفير الإيراني لدى فنزويلا، نفى تلك التقارير، ثم بعد فترة قصيرة، أفصح أن إيران تلقت ثمن الوقود كاملاً دون الإعلان عن التفاصيل.

مصدر آخر بشركة طيران ماهان آير ـ رفض الكشف عن اسمه ـ أكد لـ"عربي بوست" تحويل أطنان من الذهب من فنزويلا إلى إيران على متن طائرات الشركة، قائلاً "في نهاية شهر مايو، قمنا بتحويل كميات كبيرة من الذهب من فنزويلا إلى قاعدة عسكرية تابعة للحرس الثوري في إيران".

وتحاول إيران منذ سنوات عدة الاستغناء عن الدولار الأمريكي في معاملاتها الخارجية، واستبداله بعملات أو مقايضات مختلفة مثل سبائك الذهب أو العملات الرقمية، بعد حرمانها من الوصول إلى النظام المصرفي العالمي نتيجة للعقوبات الأمريكية، مع العلم بأن قيمة الناقلات الخمس من الوقود بلغت  45.5 مليون دولار.

سلاح إيراني لفنزويلا

تحدثت بعض المصادر في إيران لـ"عربي بوست"، عن عزم الجمهورية الإسلامية، مد التعاون الاقتصادي بين إيران وفنزويلا، إلى تعاون عسكري، وإرسال عدد من المستشارين العسكريين الإيرانيين إلى فنزويلا، وتعزيز نظام الدفاع الجوي.

يقول الخبير الأمني الإيراني، علي خضريان لـ"عربي بوست"، "تدرس القيادة العليا في إيران، زيادة التعاون العسكري بين طهران وكاراكاس، ومن المحتمل أن تمد إيران فنزويلا بأنظمة خرداد 3 الدفاعية".

بجانب ذلك، وبينما ترغب إيران في إرسال المزيد من شحنات الوقود إلى فنزويلا، وتحدي العقوبات الأمريكية المفروضة على البلدين، يقول مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست": "ستقوم إيران بإنشاء مركز عمليات لمراقبة الاتصالات الجوية والبحرية، لحماية رحلات الطيران وناقلات النفط المتجهة إلى فنزويلا من العدوان الأمريكي المتوقع في أي وقت".

إحياء العلاقات القديمة

كانت إيران وفنزويلا تتمتعان بعلاقة قوية حتى قبل الثورة الإيرانية عام 1979، وعندما أطاحت الثورة بالشاه، كانت فنزويلا من أوائل البلدان التي اعترفت بالحكومة الجديدة، والجمهورية التي أسسها آية الله روح الله الخميني.

توطدت العلاقات الثنائية أكثر فأكثر، عندما وصل شافيز إلى السلطة، والذي كان يشارك الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد الكثير من وجهات النظر، فتم توقيع العديد من الاتفاقيات بين البلدين، لمواجهة الولايات المتحدة.

وكانت إدارة الرئيس السابق أحمدي نجاد تحاول تعزيز التواجد الإيراني في فنزويلا، لكن لم يتحول الأمر لشيء يذكر، خاصة بعد وفاة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، وانتهاء فترة ولاية أحمدي نجاد، في حين لم يهتم الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني، بإعادة إحياء هذه العلاقات لما كانت عليه، أو تحويلها إلى علاقات تعاون ثنائي.

 لكن في ظل حملة الضغط الأقصى التي تقودها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إيران، ومعارضتها للرئيس الفنزويلي، وجد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، مناسبة جيدة لإحياء العلاقة الاستراتيجية القديمة بين بلدين يواجهان الاستبداد الأمريكي، حسبما يصفها خامنئي دائماً.

يرى المحلل السياسي الإيراني ناصر عامري، أن شحنات الوقود الإيرانية إلى فنزويلا، وزيادة التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين أمر هام للوقوف في وجه الولايات المتحدة.

يقول عامري لـ"عربي بوست": "آية الله علي خامنئي، مهتم للغاية، بمساعدة فنزويلا، ويحث المسؤولين على زيادة التعاون بين البلدين فالأمر له بعد استراتيجي شديد الأهمية لجمهورية إيران الإسلامية".

تحميل المزيد