أدّى سعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحثيث لتوسيع نفوذ تركيا في منطقة عاشت تحت الحكم العثماني لمئات السنين، إلى دخول تركيا في خلافات مع الحكومات العربية الاستبدادية، وكذلك خلافات مع حلفائها الغربيين التقليديين.
ولكن في الوقت الراهن، لا يبدو أن أحداً على استعداد لإيقافه، أو قادراً على ذلك، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
في مواجهة جهود أردوغان الرامية إلى توسيع نفوذ تركيا الاتحاد الأوروبي يبدو أسداً بلا أنياب
يقول تيموثي آش، كبير المحللين الاستراتيجيين لدى شركة Bluebay Asset Management: "تتمتع تركيا بميزة استراتيجية، والحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي يتحول إلى أسد بلا أنياب أمام تركيا، وقد أدرك أردوغان ذلك منذ فترة طويلة".
ومن جانبها، أدانت الولايات المتحدة بعض جوانب سياسة أردوغان الخارجية، لكنها أحجمت عن اتخاذ إجراءات ملموسة ضد عضو رئيسي في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وأداء تركيا لدور حاجز الصدّ لتدفق المهاجرين والمسلحين إلى أوروبا جعل من فرض الاتحاد الأوروبي لعقوبات تجارية على تنقيبها عن الغاز في شرق البحر المتوسط مخاطرة كبيرة، والعقوبات التجارية ستضر بالبلدان الأوروبية على أي حال أيضاً، وقليل منها على استعداد لتحمل هذه التكاليف في ظل تأثير جائحة فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي.
هزم حفتر وأنقذ حكومة الوفاق المعترف بها دولياً بمباركة أمريكية
وقد عمدت تركيا، حليفة أمريكا القديمة التي ترغب في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلى تبنّي سياسة خارجية مستقلة في السنوات الأخيرة، وقد نجحت حتى الآن، إذ تحدّت تركيا الولايات المتحدة وحلف الناتو بشرائها لمنظومة الدفاع الجوي S-400 من روسيا عدوة أمريكا في الحرب الباردة، ومع ذلك فقد نجحت في كسب موافقة الرئيس دونالد ترامب على إرسال قواتها إلى صراعات معقدة قد تفضل الولايات المتحدة تجنُّب خوضها.
في ليبيا، أدى التدخل التركي الذي تباركه الولايات المتحدة إلى تحويل مسار حرب معقدة بالوكالة، حيث نجح في هزيمة قوات الجنرال المنشق خليفة حفتر المدعومة من روسيا، وإنقاذ حكومة تعترف بها الأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه قرّب هذا الانتصار تركيا من مواجهة محتملة مع مصر والإمارات، حليفتي أمريكا اللتين تدعمان حفتر.
وفي سوريا، تعاونت تركيا مع موسكو لتفادي هجوم الحكومة السورية على معقل المتمردين الأخير الذي قد يؤدي إلى أزمة لاجئين جديدة، لكن هجومها العام الماضي على الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة، الذين قاتلوا على الخطوط الأمامية في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أثار غضب أوروبا والكونغرس الأمريكي، رغم تأييد ترامب له.
يقول فادي حاكورة، الذي يدير برنامج تركيا في معهد تشاتام هاوس في لندن: "علاقات تركيا مع الولايات المتحدة جيدة للغاية على مستوى القيادة، لكنها سيئة على مستوى المؤسسات. وأردوغان يراهن على ترامب، وقد نجح رهانه حتى الآن، ولكن لا يمكنك الاعتماد على سياسة خارجية مثل هذه يمكن أن تتحول فيها الظروف ضدك، إذ قد يتغير كل شيء إذا فاز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني".
في المنطقة العربية التي تعج بالاضطرابات، فإن قائمة معارضي أردوغان تضم دولاً عربية لها وزنها، مثل مصر والسعودية والإمارات.
وهذه الدول تتهم تركيا بالسعي لتقويض الاستقرار السياسي والتدخل في الشؤون العربية من خلال دعم جماعات المعارضة الإسلامية مثل الإخوان المسلمين، التي يحظرها أو يقمعها عديد من الحكومات.
ويقول التقرير "ما لم يلجأ أردوغان إلى بعض النشاط الدبلوماسي الجاد ويُجري بعض التغييرات المهمة في سياسته، فمن الصعب أن تسمح هذه البلدان لأنقرة بإثبات نفسها على أنها قوة رئيسية في ليبيا".
يقول حاكورة: "لقد حقَّق أردوغان سلسلةً من الانتصارات التكتيكية، لكنه كان عليه تحويلها إلى مكاسب استراتيجية، لأن ذلك يتطلب دبلوماسية قوة وليس تدخلات عسكرية فقط".
أوروبا مازالت تريد تخفيف التوتر مع تركيا
أما أوروبا، فتعتبر تركيا شريكاً لا غنى عنه ومشكلة في الوقت ذاته، إذ شجبت دول جوار البحر المتوسط مصر وإسرائيل واليونان، والشركاء المحتملون في مشروع خط أنابيب، وكذلك الاتحاد الأوروبي، عزمَ تركيا بدء التنقيب عن الغاز قبالة جزيرة قبرص المقسمة، لكن ساحل تركيا الطويل على شرق البحر المتوسط يوفر لها مقعداً على طاولة المفاوضات.
وبإيوائها 3.6 مليون لاجئ سوري، تتحكم تركيا أيضاً في صنبور كبير من المهاجرين إلى الغرب، وهو ما يجبر المسؤولين الأوروبيين على التعامل معها برفق.
من جانبه، أدان الاتحاد الأوروبي، كما كان متوقعاً، قرار تركيا الأسبوع الماضي بتحويل آيا صوفيا مجدداً إلى مسجد، وهدَّد بتوسيع القائمة السوداء الأوروبية التي استهدفت حتى الآن تركيين، بسبب سعي أنقرة للتنقيب عن الغاز، ولكنه أشار أيضاً، مثل الناتو، إلى رغبته في تخفيف حدة التوترات مع دولة لا تزال مهمة لأمن أوروبا.
وقال نهاد علي أوزجان، الخبير الاستراتيجي في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية في أنقرة: "يطمح أردوغان إلى قيادة المسلمين السنة، واسترداد النفوذ الإقليمي الذي كانت تتمتع به الإمبراطورية العثمانية في السابق".
ويحظى ببعض الدعم من بعض القوميين والقاعدة الشعبية المتدينة في الداخل، وكذلك بعض مناطق الشرق الأوسط، ولكنه يزيد من خطر تشكيل ائتلاف يضم دولاً غربية، فضلاً عن الأنظمة العربية الاستبدادية المنزعجة من السياسة الخارجية التركية التي يتنامى حَزمها".