هجمات تشل أنظمة حكومية وأخرى تدمر منشآت نووية.. جائحة كورونا تنبئ بحروب سيبرانية طاحنة حول العالم

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/07/18 الساعة 14:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/18 الساعة 14:34 بتوقيت غرينتش
كورونا تزيد معدل العمليات السيبرانية وحدتها حول العالم، تعبيرية/ رويترز

أبرزت جائحة كوفيد-19 تداخل الدول والمجتمعات في أنحاء العالم. وكان ينبغي أن تتخلص الدول من عداواتها الجيوسياسية المتجذرة وانعزالها القومي عن العالم. لكن على أرض الواقع، زادت الجائحة نيران عدم الثقة والشكوك التي تشكل أساس العداوات الجيوسياسية اشتعالاً.

فقد استمرت بعض الدول المتناحرة في تنفيذ عملياتٍ لبسط نفوذها وتحركات عدوانية ضد بعضها البعض، رغم الجهود المضنية لاحتواء آثار الجائحة. فبعض الدول ترى بعضها تهديداً أهم وأخطر من كوفيد-19. على سبيل المثال، تؤمن الولايات المتحدة بأن الصين تستغل الفرص التي يتيحها كوفيد-19 في الإضرار بالمصالح الاقتصادية وترهيب دول المنطقة التي تطلب بمياه بحر الصين الجنوبي. وبالمثل، تؤمن الصين بأن الولايات المتحدة تستعمل كوفيد-19 وسيلةً في حملتها العالمية لتأليب الدول الأخرى على الصين.

الجائحة تعمق التوترات الجيوسياسية

وفي هذا الاستعراض المستمر للعضلات، تستعمل الدول المتناحرة وسائل رمادية، مثل القمع الاقتصادي والعنف منخفض الحدة، والعمليات السيبرانية. هذه الوسائل لا تُعتبر جزءاً من نزاعٍ مسلح تقليدي، وبالتالي يصعب الدفاع في مواجهتها حتى في غياب كوفيد-19. والضبابية التي تصاحب هذه الوسائل تخلق المزيد من خيارات النزاع في مقابل خيارات السلام. ويمكن أن يؤدي الاستعمال المستمر لهذه الوسائل إلى دخول هذه الدول في عداوة دائمة.

ومن الواضح أن كوفيد-19 لم يقنع الخصوم الجيوسياسيين بوضع خلافاتهم جانباً والتضامن في وجه ذلك العدو المراوغ. أما هؤلاء الواقعين في منتصف التوترات الجيوسياسية، وخاصة الدول الصغرى، فعليهم الاستعداد لتنافسٍ أشرس على الفضاء السيبراني، كما تقول مجلة The Diplomat الأمريكية.

العمليات السيبرانية منطقة رمادية

العمليات السيبرانية مهمة باعتبارها وسيلة وأيضاً عامل مساعد يضاف الترهيب الواقع على الدول المستهدفة والتأثير على قراراتها. وتنقسم العمليات السيبرانية إلى الهجمات السيبرانية التي تخترق البنية التحتية والشبكات الرقمية، والهجمات الإدراكية التي تستعمل المعلومات سلاحاً في اختراق العقول والقلوب في الدولة المستهدفة. وقد أظهرت وقائع مؤخراً أن العمليات السيبرانية يمكنها أن تأتي ضمن حملات واسعة لفرض الضغوط غير المباشرة على زعماء الحكومات والأجهزة المعنية في الدولة المستهدفة.

وحين أعلنت أستراليا أنها تواجه حملة هجمات سيبرانية، كشفت أيضاً أن الهجمات وقعت على مدار أشهر وأن معدلها يتزايد. ويؤمن خبراء الأمن السيبراني أن الصين تقف وراء هذه الهجمات. فقد تصاعدت التوترات بين الدولتين بعد أن رددت أستراليا دعوة الولايات المتحدة إلى التحقيق في منشأ كوفيد-19. وعلى المستوى الاستراتيجي، تُضاعف الهجمات السيبرانية الضغوط التي تمارسها الصين على أستراليا عن طريق التعريفات الجمركية ومزاعم تعرض السياح الآسيويين للتمييز العنصري في أستراليا.

وعند الحدود المتنازع عليها في الهيمالايا، اندلع اشتباك بين الجنود الصينيين والهنود بعد أن كثفت الصين تواجدها العسكري في المنطقة، في ردٍ صيني على بناء الهند المزيد من البنية التحتية في المنطقة المتنازع عليها. وقد حدث هذا التصعيد العسكري الصيني في وقتٍ تصارع فيه الهند من أجل التعامل وضع الجائحة المتزايد في السوء. وبعد هذه الواقعة، صورت وسائل الإعلام الصينية، ومن بينها الغلوبال تايمز، الهند على أنها الطرف المعتدي، في جهودٍ يمكن رؤيتها كمحاولةٍ لإضعاف معنويات الهنود. ونقلت تقارير أن المخترقين الصينيين كثفوا من هجماتهم السيبرانية على الأجهزة الحكومية والشركات الهندية من أجل الحصول على معلوماتٍ حساسة.

وفي إيران، وقعت عدة تفجيرات غامضة في مواقع حساسة، من بينها منشأة نطنز النووية. وفي 2010، تعرضت المنشأة لأضرار بالغة بعد هجوم ببرمجية Stuxnet على أنظمة التحكم في المنشأة. وهذا الفيروس الدودي يرى البعض أنه صنيعة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية. لذا لن يكون مفاجئاً أن هجوماً سيبرانياً آخر (Stuxnet 2، ربما) قد تسبب في الانفجارات الأخيرة. ولا شك أن هذه الانفجارات ستزيد من التوترات التي تسببت فيها العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران ووضع الجائحة متزايد السوء فيها.

فضاء سيبراني متنازع عليه

في المستقبل، يمكن أن يزداد معدل العمليات السيبرانية وحدتها. فمع التوقعات ببقاء كوفيد-19 وأثره الاجتماعي الاقتصادي لأعوام قادمة، ربما تضطر الدول إلى تقليص الإنفاق الأمني، وتوجيه المزيد من الموارد إلى معالجة المشاكل الاجتماعية الناشئة، وإعادة تشغيل الاقتصاد ورقمنته. ويمكن أن تأخذ الجهات الفاعلة المعادية الدول المستهدفة على حين غرة، عبر استغلال الأثر السلبي لكوفيد-19 في تحقيق أهداف السياسة الخارجية. يمكن أن تزيد الدول المعادية من استغلال الفضاء السيبراني نظراً لتزايد المساحة المتاحة للهجمات نظراً لرقمنة الاقتصاد والمجتمع بوتيرة متسارعة.

وعلى وجه التحديد، يمكن أن تجد الدول الصغرى العالقة في خضم التوترات الجيوسياسية أنها تتعرض لتهديداتٍ أكبر على صعيد الفضاء السيبراني. ربما ترغب هذه الدول في البقاء على الحياد وحماية استقلاليتها، غير أن خيارات الردع العسكري وغير العسكري محدودة بسبب صغر حجم قواتها المسلحة واقتصادها ومواردها. ومع تراجع الدعم لتعددية الأطراف على الصعيد الدولي، يمكن أن تجد الدول الصغرى أن المجتمع الدولي لم يعد بالإمكان الاعتماد عليه في حمايتها. ويمكن أن تطبق الدول الكبرى والمعادية وسائل رمادية من أجل الالتفاف حول الأعراف والمؤسسات الدولية.

ينبغي على الدول الصغرى تقوية دفاعاتها السيبرانية. وإلى جانب ذلك، عليها أن تنخرط في جهود دبلوماسية للخروج بصوتٍ جماعي يقف في وجه تنمر الدول الكبيرة والمعادية. وينبغي أن تدرك الدول الصغرى أيضاً أن تعدد الأطراف على الساحة الدولية تأثيره محدود في الحد من السلوكيات الخبيثة في الفضاء السيبراني.

تحميل المزيد