دائماً ما يتم توجيه الاتهامات لمنصات التواصل الاجتماعي بشأن خصوصية بيانات مستخدميها، لكن هذه المرة يبدو أن مكتب التحقيقات الفيدرالية قد وظّف بعضاً من تلك المنصات للإيقاع بتشكيل عصابي دولي، فما قصة عملية "صيد الثعالب"؟ وما علاقة شرطة دبي بها؟
موقع Quartz الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "كيف استخدم مكتب التحقيقات الفيدرالي منصَّتي إنستغرام وسناب شات للإيقاع بمحتالٍ مزعوم في دبي"، تناول قصة التشكيل العصابي وخلفياتها ودور إنستغرام وسناب شات في الإيقاع بزعمائها.
ما دور شرطة دبي؟
ألقت قوة شرطة دبي، الشهر الماضي يونيو/حزيران، على 12 محتالاً نيجيرياً مزعوماً يعيشون في دولة الإمارات العربية المتحدة، كجزءٍ من عمليةٍ خاصةٍ واسعة النطاق تُدعَى "صيد الثعالب 2". شُنَّت 6 مُداهمات على نحوٍ متزامن، بينما كان المُشتَبَهون نياماً، ومن بين أغراضٍ عديدة، أُفيدَ بأن شرطة دبي قد استولت على أكثر من 40 مليون دولار نقداً، علاوةً على أقراصٍ إلكترونية صلبة تتضمَّن عناوين ما يقرب من مليوني ضحية.
أحد هؤلاء المحتالين كان رامون أولورونوا عباس، المعروف باسم "هوشبوبي"، وهو شخصيةٌ شهيرةٌ على منصَّات التواصل الاجتماعي، ومعروفٌ بتفاخره المستمر بنمط حياته الفخمة أمام أكثر من مليوني متابع على إنستغرام، إذ ينشر صوراً لسياراته الفاخرة، وطائراته الخاصة، وملابسه المُصمَّمة من أجله، وحضوره عروض الأزياء وتناوله الغداء مع المشاهير ولاعبي كرة القدم والساسة النيجيريين.
كان إلقاء القبض على المحتالين المزعومين جزءاً من تحقيقٍ يجريه مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي، الذي كَشَفَ أن عباس واحدٌ من زعماء عصابة جرائم سيبرانية عابرة للحدود تتخصَّص في الاحتيال على الأعمال عبر البريد الإلكتروني، وهو شكلٌ سريع الانتشار من الاحتيال السيبراني الذي يتضمَّن قرصنة رسائل بريدية إلكترونية لشركات، وإرسال رسائل مزيَّفة لعملاءٍ من أجل إعادة توجيه التحويلات المالية وسرقة التفاصيل البنكية.
كيف وقع عباس من خلال سناب شات وإنستغرام؟
سُلِّمَ عباس (37 عاماً) من الإمارات إلى الولايات المتحدة لمواجهة تُهم جنائية بالتآمر المزعوم من أجل غسيل مئات الملايين من الدولارات عبر سرقاتٍ على الإنترنت، بما في ذلك سرقاتٌ تستهدف شركةً قانونية أمريكية، ومصرفاً أجنبياً، ونادياً في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، وفقاً لشكوى جنائية قُدِّمَت في محكمةٍ فيدراليةٍ أمريكية الشهر الماضي.
استخدَمَ المُحقِّقون حسابات عباس على إنستغرام وسناب شات من أجل تعقُّبه والتأكُّد من مكانه، وجَمَعوا الأدلة من أجل إدانته، وتُفصِّل إفادةٌ من مكتب التحقيقات الفيدرالي كيف اكتشفت لجنة المُحقِّقين في بادئ الأمر عباس وحساباته على منصَّات التواصل الاجتماعي من خلال اثنين من المتآمرين. أحد هؤلاء المُتورِّطين، وهو مسؤولٌ غير نيجيري عن أموال التنظيم الإجرامي، كان لديه رقمٌ إماراتي مُسجَّل باسم "هوش" ومرتبطٌ بحساب سناب شات يحمل اسم "هوشبوبي 5".
وبالمثل وَجَدَ مكتب التحقيقات الفيدرالي وتفحَّصَ حساب هوشبوبي على إنستغرام -حيث يُذكر أيضاً نفس اسم المستخدم على سناب شات ويُقدِّم نفسه باعتباره مُطوِّراً عقارياً- وقارَنَ منشورات صوره من جوازات سفر عباس وغيرها من وثائق الهوية. ومَنَحَ الحساب صورةً للمُحقِّقين عن نمط حياة الشخص الذي يستهدفونه و"ثروته الكبيرة".
قدَّمَت شركة سناب وإنستغرام وآبل سجلاتٍ للتحقيقات ساعدت مكتب التحقيقات الفيدرالي لالتقاط الروابط بين تواريخ الدردشة، وجهات الاتصال على الهاتف، والعناوين البريدية الإلكترونية، ما سَمَحَ للمُحقِّقين من التأكُّد من مراسلات عباس ومقر إقامته في دبي بقصر فيرساتشي.
من هو عباس؟
ووفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، كان عباس "طرفاً رئيسياً" في مؤامرةٍ كبيرة يُزعَم أنها قدَّمَت "ملاذاً آمناً لأموالٍ مسروقة من حول العالم"، وأُفيدَ بأن عباس، الذي وُلِدَ في لاغوس، كان تاجر ملابس مُستعمَلة في الشارع قبل أن يبدأ أسلوب حياته المتفاخر المُفتَرَض من خلال أنشطة الاحتيال المزعومة.
تُذكِّرنا قضية هوشبوبي بما قام به مكتب التحقيقات الفيدرالي العام الماضي من اعتقالٍ لأوبينواني أوكيكي، الذي كان محتالاً أكثر تعقيداً، وصوَّرَ نفسه باعتباره مستثمراً ناجحاً، وظهر على غلاف مجلة Forbes الأمريكية، وتحدَّثَ في قمة إفريقيا لكلية لندن للاقتصاد، وأشادت به شبكة BBC البريطانية مُطلِقةً عليه لقب "النجم الصاعد"، وقبل أسبوعين من ظهور عباس في المحكمة في شيكاغو، ثبُتَت التهم على أوكيكي بمُخطَّط احتيالٍ بقيمة 11 مليون دولار.
الضحايا الحقيقيون
ظهرت السمعة السيئة للمحتالين النيجيريين في بادئ الأمر بالاحتيال على غربيين في تسعينيات القرن الماضي من خلال مُخطَّطات رسوم مُسبَّقة أُطلِقَ عليها "419"، على اسم ذلك البند من قانون العقوبات النيجيري الذي يُطبَّق على مثل هذه الجرائم، وفي عصر الإنترنت، تطوَّرَ الاحتيال إلى الاحتيال على البريد الإلكتروني، ويشير اعتقال كلٍّ من عباس وأوكيكي والاحتيال على الأعمال عبر البريد الإلكتروني إلى تطوُّرٍ في عمليات الاحتيال الإلكتروني.
وفي أوساط النيجيريين تختلط ردود الفعل على اعتقال عباس، إذ يلقي البعض باللائمة على المآسي الاقتصادية للبلاد في أن الجاذبية التي يحظى بها الاحتيال الإلكتروني، بالأخص بالنسبة للشباب النيجيريين المُحاصَرين بالبطالة المتصاعدة في بلدٍ يقع فيه ستة أشخاص في هُوة الفقر المُدقِع كلَّ دقيقة.
وبينما يشير كثيرون إلى أن الظروف الاقتصادية القاسية ليست عذراً لارتكاب جرائم الاحتيال، يشير آخرون إلى أن عباس وأوكيكي هما نتاجٌ للمجتمع والثقافة النيجيرية الغامضين أخلاقياً، اللذين سادا بسبب النخبة السياسية النيجيرية الفاسدة، التي تملَّص الكثير من أفرادها من العقاب على اختلاس المال العام، ووفقاً لمؤسسة تشاتام هاوس البريطانية، فقد نُهِبَ ما يقرب من 586 مليار دولار من نيجيريا منذ استقلالها.