قرار إسرائيل بإعادة فتح جميع المدارس أدى لتفشي فيروس كورونا بشكل غير مسبوق، فيما يمكن اعتباره موجة ثانية من الجائحة.
وسوف ينعكس تقييم مسار إسرائيل على الجدل المحتدم الجاري في الولايات المتحدة بين الرئيس دونالد ترامب، الذي يطالب بإعادة فتح المدارس على الصعيد الوطني لأسباب تبدو سياسية إلى حد كبير، والسلطات الصحية التي تحذر من أنها قد تضع السكان على نطاق أوسع في خطر.
الفيروس تحت السيطرة
في 17 مايو/أيار 2020، في إسرائيل، بدا أن الفيروس لم يكن تحت السيطرة فحسب، بل انهزم، حسبما ورد في تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي.
إذ أبلغت إسرائيل عن 10 حالات جديدة فقط لـCOVID-19 في البلد بأكمله في ذلك اليوم. أما في الولايات المتحدة فغالباً ما يدور الجدل حول إعادة فتح المدارس، حيث لا يتدهور المرض فحسب، بل يتصاعد.
في يوم الأحد، على سبيل المثال، قالت وزيرة التعليم الأمريكية بيتسي ديفوس لكريس والاس في برنامج فوكس نيوز صنداي، "لا يوجد في البيانات ما يشير إلى أن الأطفال في المدرسة يشكلون أي خطر بأي شكل من الأشكال"، لكن هذا ليس هو الحال في إسرائيل، حيث تظهر بيانات شهر يونيو/حزيران، عكس ما تقوله الوزيرة الأمريكية.
فقد عاد الفيروس بقوة إثر العودة للمدارس بعد شهرين من الإغلاق التام تقريباً.
ولكن قرار إسرائيل بإعادة فتح جميع المدارس أدى لتفشي فيروس كورونا
كان يوم 17 مايو/أيار هو اليوم الذي أدى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنافسه السابق بيني غانتس اليمين في "حكومة طوارئ "، التي كان هدفها الوحيد هو مكافحة انتشار الفيروس.
كان مرسوم نتنياهو بإعادة فتح النظام المدرسي بأكمله في البلاد إشارة سياسية إلى أن كل شيء تحت السيطرة.
جاء هذا الإعلان بعد تجربة أكثر حذراً لعدة أسابيع، تم خلالها إعادة الأطفال فقط في الصفوف الأول والثاني والثالث إلى الفصول الدراسية، وتعليمهم في مجموعات صغيرة غير متقاطعة تسمى "كبسولات".
قال هاجاي ليفين، عالم الأوبئة في مدرسة براون للصحة العامة وطب المجتمع في الجامعة العبرية في القدس، ورئيس الجمعية الإسرائيلية لأطباء الصحة العامة: "لم تكن هناك زيادة قابلة للقياس في العدوى"، يمكن قياسها من كبسولات الأطفال الصغار.
عرضت الجمعية على الحكومة الإسرائيلية إجراء تحقيق في الإصابات المدرسية بـCOVID-19، ولكن تم رفضها.
ثم يقول ليفين "خلافاً لنصيحتنا قررت الحكومة فتح النظام بأكمله دفعة واحدة، يوم 17 مايو/أيار، ما حدث بعد ذلك كان متوقعاً تماماً، حسب قوله.
في 3 يونيو/حزيران، بعد أسبوعين من افتتاح المدارس، تم العثور على أكثر من 244 طالباً وموظفاً حالاتهم إيجابية.
وفقاً لوزارة التعليم الإسرائيلية، أصيب 2026 طالباً ومعلماً وموظفاً بمرض COVID-19، وهناك 28,147 في الحجر الصحي بسبب العدوى المحتملة.
فقط في الأسبوعين الأولين من يوليو/تموز 2020، تم إغلاق 393 روضة أطفال ومدرسة مفتوحة للبرامج الصيفية بسبب حالات COVID-19.
في 2 يوليو/تموز، قام إريك فيغل دينج، عالم الأوبئة واقتصادي الصحة في اتحاد العلماء الأمريكيين، بتغريدة تضمنت رسماً بيانياً يوضح معدل الإصابة في إسرائيل، الذي ارتفع إلى أكثر من معدل أوروبا، واقترب بسرعة من المعدل الكارثي في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنه مر شهر واحد بالضبط منذ إعادة فتح المدارس الإسرائيلية.
أصبح مستوى العدوى بالمدارس علنياً، الأسبوع الماضي، خلال الشهادة التي قدمت للمشرعين الإسرائيليين من قبل أودي، مديرة خدمات الصحة العامة في وزارة الصحة، الذي استقال رئيسه للتو احتجاجاً على سوء إدارة الحكومة للأزمة.
الآن تتجاوز إسرائيل 1200 حالة جديدة من COVID-19 في اليوم.
يوم الثلاثاء، أبلغت إسرائيل عن 1.681 حالة إصابة جديدة بـCOVID-19، وهي أسوأ نتيجة منذ بدء تفشي المرض.
يمكن رؤية مصدر انفجار العدوى بوضوح في الأرقام من يونيو/حزيران. وكما أخبر كلاينر الكنيست، تم تشخيص 1400 إسرائيلي بالمرض في الشهر الماضي.
من بين هؤلاء 185 كانوا في مناسبات مثل حفلات الزفاف، و128 في المستشفيات، و113 في أماكن العمل، و108 في المطاعم، والحانات، أو النوادي الليلية، و116 في المعابد اليهودية، وفقاً لـKliner، بينما 657 -وهذا يعني 47% من الإجمالي- أصيبوا بالفيروس التاجي في المدارس.
ما المرحلة الدراسية الأخطر في نقل عدوى كورونا؟
يقول محمد الخطيب، الذي يدرس الصحة العامة في كلية زيفات الأكاديمية، وهو خبير في علم الأوبئة في اللجنة الاستشارية التي شكّلت حديثاً في وزارة الصحة حول الفيروس التاجي في القطاع العربي: "لم يتم إعداد مدرسة واحدة للتعامل مع الجائحة".
وقال: "الكبار، بمن فيهم المدرسون والموظفون الآخرون، أدخلوا إلى المدارس، التي هي في النهاية أماكن مغلقة"، مشدداً على النتيجة تثبت أن أطفال المدارس المتوسطة هم الأكثر خطورة.
وقال الخطيب: "كان الطلاب الأصغر سناً أكثر طاعة ويسهل السيطرة عليهم في قاعات الدراسة، وكانوا أكثر احتراماً لمعلميهم، مقارنة بطلاب المدارس الثانوية، كانت هناك قدرة أكبر على الفهم.
ولكن طبيعة أطفال المدارس الإعدادية التمرد، وعدم طاعة المعلمين، وعدم ارتداء الكمامات أو الابتعاد".
لم ترد وزارة الصحة الإسرائيلية على أسئلة الموقع الأمريكي المتعلقة بانهيار المدارس والعدوى، وأصبح الحصول على أرقام دقيقة ومفصلة أكثر صعوبة.
وقال ليفين، عالم الأوبئة في الجامعة العبرية، إنه بشكل عام "لا توجد شفافية فيما يتعلق بالإحصاءات. لا يتم توفير البيانات لأخصائيي الأوبئة، لذلك من المستحيل قياسها بدقة، لكننا رأينا العديد من الحالات المؤكدة لـCOVID-19 في المدارس المتوسطة، من المحتمل جداً أنها تسببت في تفشي المرض".
يقول الخطيب، إن شهر يونيو/حزيران، الذي بدأ بعد أسبوعين بالضبط من إعادة فتح النظام المدرسي في إسرائيل بشكل مفاجئ، "سبب الموجة الثانية". "مهما قلنا، فإن الحقيقة هي أن المدارس لم تكن مستعدة لإعادة الطلاب في ظل الظروف اللازمة لاحتواء الوباء".
الإجراءات الاحترازية تأخرت
"حدثت عملية إعادة الافتتاح بسرعة كبيرة، لدرجة أنها أحدثت طفرة حادة للغاية في الإصابات، والعودة إلى الإجراءات الأكثر تحفظاً جاءت قليلة جداً ومتأخرة جداً"، كما يقول الخطيب، ملخصاً المعضلة.
بعد ستة أسابيع من تشكيل حكومة طوارئ للتعامل مع الوباء، وبعد أسبوع واحد من الوعد بتعيين "مسؤول عن كورونا" لتولي مسؤولية الاستجابة العشوائية للبلاد، تبدو إسرائيل أبعد من أي وقت مضى عن هدفها المنشود.
وتتصاعد الدعوات لتشكيل لجنة تحقيق وطنية للتحقيق في "تقصير الحكومة في أداء الواجب"، على حد تعبير وزير الدفاع السابق نفتالي بينيت.
يوم الأحد، سحب روني نوما، وهو جنرال متقاعد من الجيش كان المرشح الوحيد المعروف لوظيفة منسق الاستجابة لكورونا، اسمه، بعد أن أدرك أنه لن يمنح السلطة اللازمة لتنسيق الرد الوطني.
كرّس نتنياهو يوم الإثنين محاولاً طرد يفات شاشا بيتون، رئيسة لجنة تابعة للكنيست وعضو حزبه، لتحدي توجيهاته فيما يتعلق بإعادة فتح حمامات السباحة العامة والصالات الرياضية.
وأشارت وزارة التعليم إلى أنها "تعتزم فتح المدارس كالمعتاد" في 1 سبتمبر/أيلول، على الرغم من أن الأرقام من يونيو/حزيران قد تبدو قاطعة حول المخاطر.
واللافت أنه لا توجد استراتيجية لمنع جولة ثانية من الأوبئة المدرسية.
وقالت جاليا رهف، التي ترأس قسم الأمراض المعدية في مركز شيبا الطبي في تل أبيب، في مقابلة "ما حدث في المدارس هو مجرد تجمع كبير، يوماً بعد يوم، ويعود الأطفال إلى المنزل ويصيبون الأم والأب. كانت أكبر أعداد الإصابات الجديدة بين الأطفال".
بسبب العدد الكبير من الإصابات بين الأطفال أشارت إلى أن "متوسط عمر الإسرائيلي المصاب بـCOVID-19 انخفض إلى ما بين 20 و39 عاماً"، بينما ظلت الإصابات بين المواطنين فوق سن 65 عاماً ثابتة.