أغنيس كالامار، المقررة الخاصة للأمم المتحدة والمعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، تصر على أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هو "المشتبه به الرئيسي"، في جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فما مغزى هذا الإصرار إذا كانت القضية قد تم التعامل معها سعودياً وإغلاقها تماماً؟
هل هناك عداوة شخصية بين كالامار وولي العهد؟
تمثل الإجابة عن هذا السؤال نقطة انطلاق جيدة لمحاولة تفسير إصرار كالامار على كشف الحقيقة كاملة بشأن جريمة اغتيال هزت الرأي العالم العالمي ليس فقط لبشاعتها من حيث طريقة التنفيذ وتفاصيلها، ولكن نظراً لوقوعها على أرض دولة أخرى هي تركيا، رغم أن الجريمة نفسها تمت داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وهو ما جعلها تقع في صميم عمل كالامار التي ترأس وحدة التحقيقات الأممية المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القانون.
متابعة كالامار للقضية إذن يأتي في إطار قيامها بعملها وليس بسبب وجود خصومة ما مع السعودية كدولة أو مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فهي لم تتمكن من لقاء الحاكم الفعلي للسعودية لسؤاله عن دوره المزعوم في الجريمة، وهو الحال مع المتهمين الذين خططوا ونفذوا واحدة من أكثر جرائم الاغتيال السياسي بشاعة واستهانة بالنفس البشرية.
لكن يظل إصرار كالامار لافتاً بكل المقاييس؛ فالمشتبه الرئيسي به هنا هو ولي عهد السعودية الذي يضع يده على الثروات الهائلة للمملكة والتي تمثل هدفاً للدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما، وقد نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً بعنوان "أغنيس كالامار: مسؤولة أممية لا تيأس مصممة على الإيقاع بولي عهد السعودية" تناول التحقيق الذي قادته كالامار والنتائج التي توصلت إليها وكانت كفيلة بتوجيه أصابع الاتهام لمحمد بن سلمان.
انتقاد زعماء العالم دون تردد
وفي صيف العام الماضي، عرضت كالامار تقريرها بشأن جريمة الاغتيال أمام مجلس حقوق الإنسان الأممي في جنيف، والذي خلص إلى التوصل لأدلة تشير إلى تورط أولي لمحمد بن سلمان في اغتيال الصحفي المعارض، وهو ما يجعله "المشتبه الرئيسي" في القضية، مشيرة الى وجود أدلة على ذلك تحتاج لمزيد من التحقيق.
ولم تكتفِ كالامار بذلك، بل وجهت انتقادات عنيفة ومباشرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيسة وزراء بريطانيا وقتها تيريزا ماي والملكة ماكسيما ملكة هولندا بسبب عقدهم لقاءات مع ولي العهد السعودي وظهورهم في صور معه على هامش لقاءات قمة العشرين التي أجريت في اليابان.
المحاكمة التركية
ومع انطلاق أولى جلسات القضاء التركي لمحاكمة المتهمين بقتل خاشقجي في 3 يوليو/تموز الجاري، قالت كالامار في مقابلة مع الأناضول بثتها اليوم الإثنين 13 يوليو/تموز: "المتهمون تتم محاكمتهم غيابياً، ونحن جميعاً كنا على علم بأن السعودية لن تسمح بتسليم المتهمين إلى تركيا ولكنني أعتقد أن هذه المحاكمة أمرٌ هام، وأود أن أؤكد على أن المتهمين يمثلهم محامون تعينهم الدولة، وهذا أمرٌ جيد".
وتابعت: "مثلما أوضحت سابقاً فإن الدعوى المنظورة في تركيا تعتبر أكثر عدالة من نظيرتها القائمة في السعودية"، وأوضحت كالامار أن "الدعوى القائمة في تركيا، هي محاكمة عامة ويمكن لوسائل الإعلام متابعتها بكل شفافية، كما يمكن لأشخاص مثلي أن يراقبوها وأيضاً يمكن لمؤسسات المجتمع المدني الدولية متابعتها، ودعونا نرى ما الذي ستسفر عنه هذه المرحلة وما ستقدمه لنا من معلومات جديدة".
وتضم لائحة الاتهام التي أعدتها النيابة التركية، 20 متهماً سعودياً، أبرزهم نائب رئيس الاستخبارات السعودية السابق أحمد عسيري، والمستشار السابق لولي العهد سعود القحطاني، ومحمد الطبيقي خبير الطب الشرعي، ومصطفى محمد المدني الذي قام بارتداء ملابس خاشقجي وخرج من القنصلية السعودية لإظهار أن خاشقجي خرج من القنصلية.
ماذا تعني متابعة القضية؟
وأشارت كالامارد إلى أنه "كان من الواجب على تركيا التحقيق في جريمة القتل هذه، لأنها تمت على الأراضي التركية. كما ذكرت في تقريري، فإن تركيا من وجهة نظري قامت بالتحقيق في جريمة قتل خاشقجي بجدية بالغة. وليس لدي أي دليل على أنهم لم يقوموا بالتحقيق بطريقة صحيحة".
وأكدت كالامارد على أنها استقبلت بدء المحاكمة في إسطنبول "بكل ترحيب"، لأنها تعبر عن "مدى الجهود التي بذلتها تركيا في هذه القضية وهذا الأمر مهم للغاية لموثوقية وشرعية المحاكمة"، وطالبت كالامارد بالصبر "لفترة طويلة" في قضية مقتل خاشقجي، مؤكدة على اعتقادها بأن العدالة ستتحقق "عاجلاً أم آجلاً"، مضيفة: "أعتقد أن العديد من الحكومات تتوقع أن تنفذ طاقتنا في المطالبة بالصبر وتحقيق العدالة؛ لأن المحتوى والعوائق كثيرة للغاية".
"عملية المحاكمة ليست سباقاً بطول 50 متراً، بل هي عبارة عن ماراثون طويل، ويجب أن نكون مستعدين للقتال في كل خطوة من خطوات هذا الماراثون".
"أعتقد أنه من السذاجة وعدم الفطنة أن نفكر في أن محمد بن سلمان قد يواجه القضاء غداً، فلن يحدث هذا وخاصة في المستقبل القريب، سيستغرق الأمر بعض الوقت ويجب علينا المحاربة في سبيل التوعية بذلك، علينا أن نذكر الحكومات بأن الشخص الذي أمر بقتل خاشقجي لا تزال يده ملطخةً بالدماء".
"ويجب علينا أن نعمل على فرض تكلفة سياسية لجريمة مقتل خاشقجي. فإذا لم تكن لجريمة القتل هذه تكلفة قانونية (حقوقية)، فنحن بحاجة إلى التأكد من أن لها تكلفة سياسية، وهنا يلعب المجتمع المدني دوره، كما يمكن لوسائل الإعلام وبعض الحكومات حسنة النية أن تلعب دوراً هاماً هنا".
كان جمال خاشقجي قد قتل في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، وباتت القضية من بين الأبرز والأكثر تداولاً في الأجندة الدولية منذ ذلك الحين، وفي البداية أنكرت السعودية مقتله وأعلنت أنه أنهى ما جاء من أجله وغادر القنصلية ونشرت مقطع فيديو لشخص يرتدي نفس ملابس جمال وهو يغادر بوابة القنصلية، ثم تم تغيير الرواية الرسمية السعودية أكثر من مرة وعلى مدى 18 يوماً كاملة، وفي النهاية اعترفت السعودية بمقتله إثر "شجار مع سعوديين" وقالت إنها قبضت على 18 مواطناً في إطار التحقيقات دون الكشف عن مكان الجثة حتى الآن.