العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل متوترة على أقل تقدير منذ وصوله للبيت الأبيض، وعكس ترامب الصاخب، تتميز ميركل بقلة التصريحات، لكنها استغلت معركة الوباء لتقصف جبهة ساكن البيت الأبيض، فما القصة؟
هجوم مستمر والهدف ميركل
منذ وصوله للبيت الأبيض لم يترك ترامب أياً من حلفاء بلاده إلا وسخر منه، واعتبر الاتحاد الأوروبي "عدواً تجارياً"، ووجَّه تهديداته إلى حلفاء بلاده في حلف الناتو، وانسحب من الاتفاق النووي مع إيران، وعقد في الشهور الأولى لرئاسته لقاءات قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والكوري الشمالي كيم جونغ أون، لكن كان لافتاً أن ميركل بالتحديد كانت هدفاً دائماً للتهديدات والسخرية الترامبية.
وتناولت وسائل الإعلام تلك العلاقة وسلطت الضوء على كل مرة غرد فيها ترامب أو صرح أمام الكاميرات، لدرجة أن مجلة The New Yorker الأمريكية خصصت عدداً لتلك العلاقة بعنوان "كيف أعلن ترامب الحرب على ميركل وأوروبا؟"، تناول بعض فصول الهجوم الشرس والمتتابع من جانب الرئيس الأمريكي، في مقابل صمت وصبر من جانب المستشارة الألمانية.
القصة بدأت من جانب ترامب منذ قمة الناتو التي حضرها ترامب في بروكسل عام 2018، وانفجر خلالها بصورة تفتقد أي قدر من الدبلوماسية، في وجه زعماء الحلف وقادته، متهماً إياهم بأنهم "متطفلون مجانيُّون يستفيدون فقط من قوة أمريكا دون أن يدفعوا مقابل حمايتهم"، ومهدداً بأن "يتصرف بشكل منفرد" إذا لم يدفعوا "فوراً المزيد من مقابل حمايتهم"، وكان تركيزه على المستشارة الألمانية، أقدم زعيمة منتخبة ديمقراطياً في أوروبا والتي تحظى باحترام واسع حول العالم، صارخاً عليها: "أنتِ يا أنجيلا!"
وكان قد غرد عبر تويتر قائلاً: "ما فائدة الناتو إذا كانت ألمانيا تدفع لروسيا مليارات الدولارات مقابل الغاز والطاقة؟ الولايات المتحدة تدفع مقابل حماية أوروبا ثم تخسر المليارات بسبب التجارة. لابد أن يدفعوا 2% من ناتجهم القومي فوراً وليس بحلول 2025".
"لا يمكن مكافحة الوباء بالأكاذيب"
وطوال سنوات ترامب في البيت الأبيض، لم يحدث أن ردت ميركل بشكل مباشر على تهديدات واتهامات الرئيس الأمريكي، ثم جاء وباء كورونا الذي ضرب العالم بقسوة منذ ظهوره في الصين العام الماضي، وانتشاره كجائحة عالمية، لتنشغل كل دولة بمكافحة الوباء والتعامل مع تداعياته الكارثية على الأرواح والأرزاق.
بعض الدول نجحت إلى حد كبير في تحجيم خسائر الوباء، صحياً واقتصادياً، بينما فشل البعض الآخر بصورة مزرية، ولو أخذنا أحد نماذج من نجحوا فستأتي ألمانيا في مرتبة متقدمة من اللائحة وميركل كزعيمة تحظى بامتنان غالبية الشعب الألماني، فيما قد تأتي الولايات المتحدة على رأس قائمة من فشلوا، مع تحمُّل ترامب الجانب الأعظم من اللوم، بسبب ذلك الفشل.
وفي تقرير لشبكة CNN الأمريكية بعنوان "لا يمكن مكافحة الوباء بالأكاذيب.. أنجيلا ميركل تعرف كيف توجه طعنة بالخنجر"، تناول كيف أن المستشارة الألمانية قد لا تصرخ في وجه ترامب عبر الهاتف، لكنها تعرف كيف ترد له الصاع صاعين.
"كما نرى من خلال التجربة العملية، لا يمكن أن تكافح وباء من خلال الأكاذيب والمعلومات المضللة، كما لا يمكنك مكافحته بزرع خطاب الكراهية والتحريض"، هذا بعض ما قالته ميركل أمام اجتماع للاتحاد الأوروبي، الخميس 9 يوليو/تموز، حول مستجدات الحرب ضد وباء كورونا. وبحسب المراقبين فإن تعليقات ميركل جاءت بمثابة سهام نقد موجهة إلى ترامب والرئيس البرازيلي هايير بولسونارو وفلاديمير بوتين، حيث إن الثلاثة متهمون بالتسبب في تفاقم كارثة الوباء ببلادهم.
تناقض صارخ بين الشخصيتين
والعبارة الأخرى التي أضافتها ميركل حينما قالت: "لقد انكشفت قيود الشعبوية وإنكار الحقائق الأساسية بصورة تامة (في معركة الوباء)"، تبدو كما لو أنها موجهة نحو ترامب تحديداً، حيث كان من الطبيعي أن يحدث بينهما تصادم في معركة الوباء.
فمن ناحية، ميركل عالمة سابقة تتسم بالهدوء والثبات الانفعالي والحذر والسيطرة على انفعالاتها والتركيز على الحقائق ورغم حسمها فإنها تبدو هادئة، ومن ناحية أخرى لا يتمتع ترامب بأي من تلك الصفات، وهو ما يفسر مجاهرته بالعداء للمستشارة الألمانية.
لكن تلك العداوة لها جذور ترجع لأيام الرئيس السابق باراك أوباما في البيت الأبيض، الذي ربطته علاقة قوية مع ميركل وكانت هي دائماً تشير إليه بـ"العزيز باراك"، وفي نهاية 2016ـ بعد أن أصبح ترامب في طريقه للبيت الأبيض- قام أوباما بزيارة لألمانيا بهدف إقناع ميركل بالترشح لفترة أخرى كمستشارة بعد أن أعلنت أنها لن تفعل.
وبعد أن تولى ترامب منصبه رسمياً، كان أوباما يرى أنه على "ميركل أن تقود النظام الدولي الليبرالي"، وهذا ما يجعل الصورة أكثر وضوحاً بشأن محاولات ترامب الدائمة، التقليل من شأن ميركل والهجوم المستمر عليها، وهو في ذلك متسق مع هدف استراتيجي يبدو واضحاً تماماً وهو هدم كل ما عمل أوباما عليه، وبما أن أوباما وميركل تمتعا بعلاقة قوية وتفاهم فالطبيعي أن ترامب يعتبر ميركل هدفاً له.
ووصلت الأمور إلى مواجهة حادة، في كندا، تم رصدها في صورة انتشرت حول العالم، حينما تجاهل ترامب مصافحة ميركل، كما نشر مراسل CC كارل بيرنشتاين، تقريراً حديثاً حول "عادة ترامب في التنمر على ميركل حتى إنه نعتها بالغبية في محادثة هاتفية، بينما تتصدى لانفعالاته المنفلتة بذكر الحقائق".
لكن بعض المراقبين يعتقدون أن المستشارة التي لا تخطط للترشح لفترة خامسة، العام المقبل، يمكنها أن تقرأ استطلاعات الرأي الحالية، ورغم أنها قد لا تعلن ذلك، فإنها تود أن ترى ترامب يخسر الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر /تشرين الثاني المقبل.