تلقَّى تهديدات بالقتل بعد دراسة حول نفوذ الميليشيات الإيرانية بالعراق.. هل يقف حزب الله وراء اغتيال الهاشمي؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/09 الساعة 12:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/09 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
اغتيال الباحث العراقي هشام الهاشمي جريمة هزت المجتمع العراقي.. ولازالت تفاصيلها غامضة

علامات الاستفهام حول دوافع اغتيال الباحث والخبير العراقي في الشؤون الأمنية والاستراتيجية والجماعات المتطرفة، هشام الهاشمي، والجهات التي تقف وراء اغتياله تتكشف أجوبتها شيئاً فشيئاً، فعلى الرغم من أن الاتهام لم يوجَّه رسمياً لشخص أو جهة حتى الآن، فإن معلومات حصل عليها "عربي بوست" تشير بأصابع الاتهام إلى كتائب "حزب الله" بالعراق حول ضلوعه في هذه العملية، وهذا أيضاً ما بدأ يتردد في الأوساط العراقية.

مصادر خاصة أكدت لـ"عربي بوست" أنّ تنظيم "حزب الله" العراقي هو من يقف وراء عملية اغتيال الهاشمي، وتحديداً الوحدة والفصيل الخاص الذي يقوده "أبوعلي العسكري" وهذا الاسم هو كنية لشخصية لم تُكتشف هويته بعد.

ويعد أبوعلي العسكري ـ كما تقول المصادرـ هو الشخصية الثانية في تنظيم "حزب الله" بعد شخصية الملقب بـ"أبوخميني" حسين المالكي، وعلى الرغم من حالة الخلاف التي تضرب صفوف التنظيم حول اختيار الأوْلى بقيادة التنظيم، فإنّ أعضاء التنظيم متوافقون في الأيديولوجيا والفكر، وأن الخلاف الواقع بين قيادات الصف الأول هو فقط على طبيعة الاستهدافات وعمليات الاغتيال التي يقوم بها التنظيم بين الفينة والأخرى.

مستشار في السر

يؤكد الكاتب والمحلل السياسي العراقي زياد السنجري، في تصريحاته الخاصة لـ"عربي بوست"، أنّ شخصية الهاشمي برزت منذ عمل مستشاراً غير معلن للكاظمي للشؤون الأمنية، وأنه تمكن من إجراء العديد من الدراسات حول النفوذ الإيراني في العراق.

 وكانت أبرز تلك الدراسات أنّه توصل إلى أنّ 80% من الميليشيات بالعراق ولاؤها المطلق لإيران، وأنّ 20% منها ولاؤها للمرجعيات الشيعية في النجف وكربلاء الذين لا حول لهم ولا قوة، مضيفاً أنّ الهاشمي كشف في تلك الدراسة عن الأساليب التي استخدمتها الميليشيات للسيطرة على الواقع الاقتصادي بالعراق وتكوين دولة عميقة داخل الدولة العراقية، الأمر الذي استثار عليه تلك الميليشيات وعلى رأسها كتائب وتنظيم "حزب الله".

ويرى السنجري أنّ تنظيم "حزب الله" بتنفيذ عملية الاغتيال هذه أراد إيصال رسالة مفادها أنّ التطرق إلى النفوذ الإيراني في العراق خط أحمر، وأنّها مسألة لا يمكن إثارتها، إضافة إلى رسائل أخرى مبطنة إلى كافة الأطراف والجهات على الأرض، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، والحكومة العراقية، وكافة القوى السياسية التي لا تتوافق مع المزاج الإيراني.

ويشير السنجري إلى أنّه على الرغم من تمكن السلطات العراقية من احتواء الهاشمي كشخصية لها قبول سياسي، فإنّ الرجل حاول خرق وتجاوز الخطوط الحمراء، منوهاً إلى أنّ الرجل كان ينتمي إلى الطائفة الشيعية ثمّ تسنَّن ـ أي تحول إلى السنية ـ وبعدها التحق بجيش المجاهدين العراقي الذي قاد عمليات ضد القوات الأمريكية وأصبح بمثابة أحد أهم منظّرِي هذا الجيش.

 إضافة إلى قرب الرجل من أيديولوجيا تنظيم "القاعدة" قبل أن يتخلى عن أيديولوجيته وينخرط في الحالة الأمنية العراقية، وذلك بعد اعتقاله ما بين فترة 2004-2007م، كما يقول السنجري .

كان جزءاً من الميليشيات

مصادر أخرى أكدت لـ"عربي بوست" أنّ الهاشمي كان جزءاً من هذه المنظومة التي تسيطر عليها الميليشيات، وهذا ما يؤكدّه المحلل السياسي العراقي انتفاض قنبر، المقرب من حكومة الكاظمي الحالية، الذي يرى أنّ الهاشمي تصوَّر أنّه في وضع يستطيع من خلاله التحرك لإبداء آراء متوازنة دون العبور على الخطوط الحمراء الإيرانية،  معتبراً أنه لا أحد داخل العراق يستطيع انتقاد السياسة الإيرانية أو شخصيات إيرانية مثل: علي الخامنئي أو قاسم سليماني، لأنّه سيقتل، لذلك تجد آراء الهاشمي نوعاً ما متوازنة بسبب الظروف الداخلية في العراق.

ويشير قنبر إلى عدم تمكن أي طرف أو شخصية سياسية عمل صفقة حتى لو كانت بسيطة مع الجانب الإيراني وميليشياتها التابعة لها، خاصة أنّ هشام الهاشمي تاريخه كان مع الجماعات المسلحة "السنية المتطرفة"، وكان بمثابة القيادي البارز فيها.

ويؤكد أنه رغم توبته ورجوعه إلى المجتمع وانخراطه فيه من جديد، فإن الطرف الثاني لا يقيّم الأمور من هذه الزاوية، فالهاشمي أصبح جزءاً من هذه المنظومة (الأحزاب الشيعية، الميليشيات التابعة لإيران، ملالي طهران) التي تريد أن ترى المحللين السياسيين الذين يجوبون القنوات الفضائية ويدعون لإسقاط النظام في إيران.

ولذلك تجد محللي السياسة في العراق لا يعتبرون هذا خطاً أحمر حتى في القنوات كقناة الحدث والعربية والكوادر العاملة فيها، هي قنوات متواطئة مع الميليشيات الإيرانية ولا تستضيف ضيوفاً وشخصيات تتحدث بكلام مباشر عن النفوذ الإيراني، مشيراً إلى أنّ الخلفية السياسية السابققة للهاشمي جعلته هدفاً سهلاً كون تاريخه السابق المتمثل فيما تردده هذه الميليشيات من دعاوى وتبريرات متعلقة بمقتل الهاشمي، وأنّه شخصية تستحق القتل بسبب ماضيه السابق مع الجماعات "المتطرفة".   

 ويوضح قنبر أنّ فتح القنوات الفضائية أبوابها للهاشمي لإبداء آرائه الجديدة فيها كان يبدو صفقة لمحو تاريخه السابق، ووصف الهاشمي بأنه أحد منتسبي وموظفي جهاز المخابرات العراقية الذي كان يرأسه رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، ومنهم هشام الهاشمي ويتقاضى راتباً من الحكومة العراقية التي تسيطر عليها إيران والميليشيات.

وهذا يعني أنّ هناك صفقة، فهُم أرادوا إظهار أنّ هناك مجموعة من الآراء المناوئة للحكومة، ليظهروا أنّ هناك تنوّعاً في الآراء، ويمكن انتقاد النظام الإيراني بشكل لطيف وناعم دون العبور على الخطوط الحمراء، منها عدم المطالبة بإسقاط النظام الإيراني أو تقويض النفوذ الإيراني في العراق، أو التطرق بطريقة مباشرة إلى الميليشيات الإيرانية.

تهديدات قبل الاغتيال

وكشف زعيم تيار مواطنون العراقي، غيث التميمي، أن الخبير الأمني هشام الهاشمي تلقى تهديدات قبيل اغتياله، عبر حسابه الرسمي في موقع تويتر، ونشر محادثة جرت على تطبيق واتساب بينه وبين الهاشمي قبل اغتياله، تكشف تلقِّي الأخير تهديدات بالقتل من ميليشيات حزب الله العراقي، وأن الهاشمي طلب النصح منه حول كيفية التعامل مع هذه التهديدات.

وقال التميمي، المقيم في لندن، عبر تغريدته: "كما وعدت وفاءً لك يا هشام، لن أسكت وأشترك في قتلك عن طريق إخفاء الأدلة عن الرأي العام". وأضاف: "دم هشام مسؤوليتنا يا شباب يجب ألا نسكت على جرائمهم، يجب ألا ينام القتلة آمنين".

إبعاد التهمة عن "حزب الله" 

علم "عربي بوست" أن هناك مساعي يجريها مقربون من دائرة التنظيمات الإيرانية بالعراق، لإبعاد التهمة عن تنظيم "حزب الله" بالعراق، عبر التسويق لرؤية أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" هو من قام باغتيال الهاشمي باعتباره كان مع التنظيمات "المتطرفة"، لكنّه فيما بعد غادرها بغير رجعة.

وأنه بعدما سُجن في سجن البصرة، حيث تمّ تجنيده بحسب هذه الإدعاءات على يد الأمريكان، وأطلق سراحه على أنّه العميل رقم ٦٧، ليتحول فيما بعد إلى خبير في شؤون الجماعات "المتطرفة"، وموظف تابع لدى السفارة الأمريكية.

CIA  والسفارة الأمريكية

فيما ذهب البعض لاتهام  الهاشمي بأنه كان داعشياً وقاتلاً للعراقيين أيام الطائفية التي كان ينتمي إليها مع الجماعت "المتطرفة" كتنظيم القاعدة، فبعد أن سجنه الجيش الأمريكي تمّ تجنيده موظفاً وناطقاً باسم السفارة الأمريكية ثمّ قام جهاز الـCIA بتصفيته.

فيما يعتبر الطرف الآخر أنّ هذه أكاذيب وادعاءات لا أصل لها، حيث تسعى وسائل إعلام عراقية موالية لإيران للترويج لمثل هذه الادعاءات وبأنّ الهاشمي كان أحد قيادات القاعدة لتبرّر قتله، معتبرين أنّ أي شخص يعارض إيران وميليشياتها في العراق يتم اتهامه بأنّه "إرهابي" لتبرير قتله من قِبَل "شيعة إيران" الحاكمين للعراق.

عمليات "حزب الله"

اشتهر التنظيم بتنفيذه هجمات على المعسكرات والسفارة الأمريكية باستخدام المنصات الصاروخية التي بحوزتها والتي زوَّده بها النظام الإيراني، إضافة إلى أنّ مئات الصواريخ الباليستية موجَّهة إلى السعودية من الأراضي العراقية، حيث يُتهم التنظيم من قِبل أجهزة ومصادر أمنية غربية بأنّه يقف وراء هجمات أرامكو  في 14 سبتمبر/أيلول 2019 عبر استخدام  طائرات مسيّرة.

 حيث أكدّت مصادر أمنية أمريكية أنّ الطائرات المسيَّرة لم تنطلق هذه المرة -كما جرت العادة- من مواقع الحوثيين في اليمن، بل من العراق، وتمّت الإشارة إلى ضلوع تنظيم "حزب الله" ووقوفه وراء تنفيذ العملية.

وكشفت سابقاً بعض المصادر الخاصة لـ "عربي بوست" أن الهجوم الذي استهدف معملين تابعين لشركة أرامكو بمحافظة بقيق وهجرة خُرَيص شرقي البلاد، يعد "أكبر عملية في العمق السعودي للطيران المسير"، وتم عبر تنسيق مباشر بين الحوثيين "أنصار الله" وقوة "حزب الله" العراقي، وذلك في أول استهداف حقيقي للأمن القومي السعودي من الأراضي العراقية.

وتبنى تنظيم "حزب الله" مؤخراً عدة عمليات عسكرية على رأسها قصف معسكر التاجي، وتبنى عدة هجمات على المصالح الأمريكية في العراق، وأعلن عن تبنيه للعديد من العمليات عبر إطلاق نسخة جديدة له عرفت تحت اسم "عصبة الثائرين" مع شعار البندقية وقبضة اليد، الأمر الذي طرح الكثير من الأسئلة، لعلّ أبرزها هل هو نتاج تحوّل أو تطور لجين التمدد الإيراني في العراق.

علامات:
تحميل المزيد