تخطت أعداد مصابي وباء كورونا في الولايات المتحدة حاجز المليون الثالث، أي ربع العدد المسجل عالمياً، لكن الرئيس دونالد ترامب ما زال مصراً على أنه قام بعمل ممتاز في مواجهة الوباء، ملقياً باللوم هذه المرة على خبير الأوبئة الأول في البلاد الدكتور أنطوني فاوتشي، فما القصة؟ وهل فعلاً أعداد الوفيات هناك ستتخطى 200 ألف بحلول موعد الانتخابات؟
قفزة قياسية في الإصابات
في الوقت الذي اقترب فيه فيروس كورونا من إصابة 12 مليون شخص حول العالم، تخطت أعداد المصابين بالوباء حاجز المليون الثالث في الولايات المتحدة الأمريكية، وسط تبادل للاتهامات بين ترامب ومسؤولي الصحة بإدارته حول أسباب الارتفاع القياسي في الإصابات وما قد تؤول إليه الأمور في الأسابيع المتبقية على موعد الانتخابات الرئاسية الأشرس على الإطلاق.
فبعد تحذير فاوتشي، الثلاثاء 7 يوليو/تموز، من أن الولايات المتحدة لا تزال "تركع بشدة" أمام وطأة الموجة الأولى من الفيروس، جاء رد ترامب مناقضاً تماماً، بل ملقياً باللوم على فاوتشي نفسه: "لا أتفق معه في الرأي طبعاً. أعتقد أننا في وضع جيد للغاية. الدكتور فوتشي قال: لا ترتدوا الكمامات، والآن يقول: (ارتدوا الكمامات). لقد قال أشياء أخرى كثيرة مثل (لا تحظر الصين. لا تمنع الصينيين من الدخول) ولم أستمع إليه، ولو استمعت إليه لكنا في وضعٍ أكثر سوءاً الآن بكثير".
وفي تعليقها على تصريحات ترامب قالت ماريان بيرنيت المذيعة المخضرمة في شبكة CNN، على الهواء، إن "ترامب يوجه اللوم إلى فاوتشي، بينما الواقع أن ما يقوله الرئيس يمثل انفصالاً عن الواقع، فنحن لسنا في وضع جيد، والجميع يرى ذلك بوضوح".
والواقع فعلاً هو أن تصريحات ترامب، بحسب الأحداث منذ اندلاع الجائحة ووصولها للولايات المتحدة الأمريكية، تُظهر انفصالاً تاماً عن الواقع، فالرئيس غرد على تويتر، الثلاثاء أيضاً، بأن "معدلات الوفاة في أمريكا هي الأكثر انخفاضاً حول العالم"، بينما الواقع يُظهر أنه من بين قائمة أكثر 20 دولة بين وفيات كورونا، تحتل أمريكا المركز رقم 14.
تحذير من المؤشر الخادع
توجيه ترامب سهامه اللفظية الحادة تجاه فاوتشي جاء أيضاً بعد أن حذَّر خبير الأوبئة الأشهر في البلاد من وجود إحساس زائف بالأمان، سببه تراجع معدل الوفيات بين حالات الإصابة بالفيروس، قائلاً: "إنه ادعاء كاذب أن نشعر بالأمان لتراجع معدلات الوفاة، فهناك أشياء أخرى كثيرة جداً سيئة وخطيرة للغاية بشأن هذا الفيروس، فلا تنخدعوا وتتركوا أنفسكم عرضة للإصابة".
ومن الواضح بالطبع أن تصريحات فاوتشي تناقض بشكل مباشرٍ ادعاءات ترامب بشأن انخفاض معدلات الوفاة، والرسالة التي يكررها بشأن أن "كورونا انتهى وأن 99% من حالات الإصابة به غير ضارة"، وكلها ادعاءات فنَّدها مسؤولو الصحة بالبلاد، وتؤكد الزيادة القياسية في الإصابات ونسبة إشغال المستشفيات أن ادعاءات ترامب غير حقيقية ولا علاقة لها بالواقع.
التقارير بشأن أعداد الوفيات التي قد تتسبب فيها الجائحة في الولايات المتحدة، أظهرت أن 200 ألف أمريكي ربما يفقدون حياتهم بحلول نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهو ما يعني أن أكثر من 70 ألفاً قد يموتون خلال الأشهر الأربعة المتبقية على الانتخابات الرئاسية، حيث إن أكثر من 130 ألف أمريكي قد قتلهم الفيروس بالفعل حتى الآن.
لكن ترامب يوجه اللوم إلى وسائل الإعلام "الكاذبة" كما يسميها، لأنها لا تتحدث عن كون أمريكا بها أقل معدل من وفيات كورونا في العالم، وهذا بالطبع ادعاء لا علاقة له بالواقع على الإطلاق.
الانسحاب من منظمة الصحة العالمية
واتساقاً مع مواقفه بشأن معركة الوباء التي يرى أنها انتهت بالفعل، جاء قرار انسحاب ترامب من منظمة الصحة العالمية، حيث قالت الأمم المتحدة، الثلاثاء، إن الولايات المتحدة ستنسحب من منظمة الصحة العالمية يوم السادس من يوليو/تموز 2021، بعد أن تلقت إخطاراً بقرار ترامب، الذي اتهم المنظمة بأنها أصبحت دُمية في أيدي الصين أثناء جائحة فيروس كورونا.
وكان يتعين على ترامب الذي أعلن قراره قبل أكثر من شهر، أن يرسل إلى المنظمة التي تتخذ من جنيف مقراً لها، قبل عام من انسحاب الولايات المتحدة، وأن يدفع كل المستحقات المالية على واشنطن بموجب قرار للكونغرس الأمريكي في عام 1948، وأفاد الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية بأن الولايات المتحدة مَدينة للمنظمة في الوقت الحالي، بأكثر من 200 مليون دولار من المساهمات المقدرة.
الإعلان عن القرار بالطبع أثار عاصفة من الانتقادات، حيث وصفته نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، بأنه "فعل من الحماقة الحقة، لأن منظمة الصحة العالمية تقوم بتنسيق الحرب العالمية على مرض كوفيد-19″، وكتبت الزعيمة الديمقراطية بحسابها على تويتر: "بينما تتعرض حياة الملايين للخطر، يشل الرئيس المجهود الدولي لهزيمة الفيروس".
الانتخابات هَم ترامب الأول
قرار ترامب الانسحاب من منظمة الصحة العالمية يمكن التراجع عنه قبل سريانه -الذي لن يحل قبل عام من الآن- وهو ما يعني أنه في حالة فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل يمكن سحب قرار الانسحاب، لكن أيضاً حتى لو فاز ترامب فيمكن أن تظل أمريكا داخل المنظمة، لكن سيكون ذلك بالشروط التي يفرضها الرئيس الجمهوري.
ويرى المراقبون أن كل ما يصرح به ترامب أو أي قرار يتخذه، هدفه الأوحد هو إقناع الناخبين بالتصويت له في الانتخابات المقبلة، فلا صوت لديه يعلو على صوت الفوز بفترة رئاسية ثانية، وفي هذا الإطار تأتي تصريحاته بشأن كورونا وكيف أنه أصبح غير ضار بنسبة 99%، والهدف هو إعادة البلاد بصورة كاملة لإنعاش الاقتصاد.
وفي هذا السياق تأتي ضغوطه التي يمارسها على الجامعات لتوقف التعليم عن بُعد وتجبر الطلاب على الحضور، وهو ما يفسر قرار إدارة الهجرة الخاص بإقامات الطلاب الأجانب والذين يزيد عددهم على المليون والخاص بحتمية مغادرتهم البلاد فوراً ومواصلة تعليمهم عبر الإنترنت إذا أرادوا، حيث يرى المراقبون أنه بمثابة ورقة ضغط على إدارات الجامعات للعودة إلى التدريس من مقراتها.
والأمر نفسه ينطبق على محاولات ترامب إعادة فتح المدارس بشكل كاملٍ هذا الخريف وقبل موعد الانتخابات، وهو ما يجد معارضة من كثير من الولايات، خصوصاً أن 40 ولاية شهدت ارتفاعاً في منحنى الإصابات بعد رفع إجراءات الإغلاق، بإلحاح من الرئيس.
ويوجه خصوم ترامب انتقادات عنيفة للرئيس، مفادها أنه "يقامر بحياة الأمريكيين" بالضغط من أجل الفتح الكامل للبلاد وعودة النشاط الاقتصادي؛ على أمل أن يبدأ الاقتصاد في التعافي قبل موعد التصويت مباشرة؛ لتحسين فرص الفوز بفترة رئاسية ثانية، والسؤال الآن ليس ما إذا كان الاتهام صحيحاً أم لا، بقدر ما هو: هل تنجح "مقامرة ترامب فعلاً"؟