مرة أخرى فشل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منع نشر كتاب يكشف أسراراً ضارة قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية التي يسعى فيها للبقاء في منصبه فترة أخرى مدتها أربع سنوات، لكن الكتاب هذه المرة يمثل إحراجاً بالغاً، فالمؤلفة ابنة شقيق ترامب والكتاب يكشف أسرار طفولته "المضطربة"، فما القصة؟
"كيف ربَّت عائلتي أخطر رجل في العالم"
قبل أن تخف حدة العاصفة التي أثارها نشر كتاب مستشار ترامب السابق للأمن القومي جون بولتون "مذكرات البيت الأبيض"، وهو الكتاب الذي تم بيع أكثر من 800 ألف نسخة منه في الأسبوع الأول لصدوره، وخاض الرئيس معركة قانونية شرسة لمنع نشره وخسرها، أعلنت نفس دار النشر عن صدور كتاب ماري ترامب، ابنة شقيق ترامب، الأسبوع المقبل، أي قبل أسبوعين من الموعد الذي كان مقرراً له.
كتاب بولتون كشف العديد من الأسرار بشأن كيفية اتخاذ الرئيس قراراته في السياسة الخارجية وكيفية إدارة محادثاته مع الرؤساء والزعماء الأجانب، وجاء بمثابة قنبلة انفجرت وتناثرت شظاياها في كل اتجاه وتلقفها المعسكر المعادي لترامب، لرسم صورة عن "الرئيس الفوضوي الذي لا يحترم القانون ولا يعمل لصالح الدولة الأكبر في العالم، لكنه يركز فقط على مصالحه الخاصة، وكيفية الفوز بفترة رئاسية ثانية بأي ثمن"، بحسب توصيف بولتون نفسه.
أمس الإثنين 6 يوليو/تموز أعلنت دار نشر سايمون وتشوستر أنها قررت تقديم موعد نشر كتاب "أكثر مما يجب ولا يكفي أبداً: هكذا ربَّت عائلتي أخطر رجل في العالم" لمؤلفته ماري ترامب، ليصبح 14 يوليو/تموز (الأسبوع المقبل) بدلاً من الموعد الذي كان مقرراً له وهو 28 يوليو/تموز، وبررت دار النشر قرارها "بالطلب المتزايد والاهتمام غير العادي" بالكتاب، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
طفولة ترامب "المضطربة"
وبحسب مقتطفات من الكتاب نشرتها دار النشر، تكشف ماري – ابنة شقيق ترامب – الكثير عن طفولته التي وصفتها "بالمضطربة"، وكيف أنه عانى من "المعاملة السيئة" على يد والده فريد ترامب: "اليوم، دونالد لا يختلف كثيراً عما كان عليه في الثالثة من عمره: غير قادر على النضج أو التعلم أو التطور وغير قادر على ضبط مشاعره أو التحكم في ردود فعله أو استقبال وتحليل المعلومات".
ماري تعمل أخصائية نفسية، وهو ما يعطي مصداقية لتوصيفها، وتضيف أيضاً في الكتاب، بحسب المقتطفات، كيف أثَّرت نشأة الرئيس على تشكيل شخصيته؛ بين أم مريضة وأب – فريد ترامب – يعمل في مجال تطوير العقارات ويركز كل اهتمامه على العمل "والحب لا يعني له شيئاً" ولا يتوقع سوى "الطاعة العمياء".
وتقول المؤلفة أيضاً: "الإساءة للأطفال، في أحد معانيها، هي مسألة "أكثر من اللازم أو غير كافية"، وقد عانى دونالد كطفل من حرمان (عاطفي) ترك آثاره المدمرة عليه حتى نهاية عمره".
وفي موضع آخر من الكتاب، قالت أيضاً: "إضافة للمعلومات الأصيلة التي أمتلكها بصفتي ابنة شقيق الرئيس، لديَّ أيضاً منظوري الخاص كإخصائية نفسية مدربة وخبيرة. الكتاب عبارة عن قصة أغنى وأشهر عائلة في العالم، وأنا الوحيدة من بين أفراد تلك العائلة الراغبة في أن تحكي تلك القصة".
معركة أخرى خاسرة
حاول ترامب -بالطبع- أن يمنع نشر الكتاب، ولا تزال المعركة القانونية الشرسة منظورة أمام المحاكم، لكن الإعلان عن موعد النشر وتقديمه يعني أن الرئيس وفريقه القانوني قد خسروا معركة أخرى، بعد أن فشلوا في منع نشر كتاب بولتون.
المعركة هذه المرة كانت مختلفة، حيث إن من تقدم بدعوى منع نشر الكتاب لم يكن الرئيس نفسه بل الأخ الأصغر للرئيس، روبرت ترامب، هو من رفع الدعوى، لكن اللافت أن محامي روبرت هو نفسه أحد المحامين الذين يعملون لدى الرئيس، وهو تشارلز هاردر الذي يعمل ضمن حملة ترامب الرئاسية منذ سنوات، بحسب تقرير لشبكة CNN اليوم 7 يوليو/تموز.
وبعد أن فشل روبرت في الحصول على حكم بمنع نشر الكتاب في محكمة محلية في كوينز، توجَّه إلى المحكمة العليا في نيويورك وحصل على حكم بمنع المؤلفة ودار النشر من التحدث علناً، لكن في اليوم التالي مباشرة تم نقض الحكم فيما يخص دار النشر، بينما ظل أمر تقييد الحديث علناً سارياً بحق ماري ترامب.
لكن المتحدث باسم المؤلفة، وهو كريس باستاردي، أصدر بياناً مساء أمس الاثنين قال فيه: "إن إقدام رئيس أمريكا على إرهاب مواطنة ما هو إلا الحلقة الأحدث في سلسلة من السلوكيات المزعجة التي تسببت في مزيد من عدم الاستقرار لأمة تعاني بشدة في مواجهة جائحة عالمية. لو أن ماري لا يمكنها التعليق، فإن ذلك من شأنه فقط أن يجعلنا نتساءل: ما الذي يخاف منه دونالد ترامب لهذه الدرجة؟".
وقد أكد محاميها تيد بطرس لمصادر موثوقة، بحسب وصف CNN، ثقته التامة في أن أمر منع ماري من التعليق سيتم رفعه في الجلسة القادمة المقرر لها الجمعة المقبل 10 يوليو/تموز، حيث قال: "لم يحدث إطلاقاً في تاريخ المحكمة العليا أن أيدت أمر منع مسبق في قضايا تتعلق بالحديث في الأمور السياسية، وهذا هو صلب قضيتنا، فالأمر يتعلق بكتاب مهم عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية".
الانتخابات الرئاسية تشتعل
لا يمكن بالطبع فصل ما يحدث عن السباق الانتخابي الذي يخوضه ترامب ضد منافسه الديمقراطي جو بايدن، والمقرر له يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بل إن توقيت نشر كتاب بولتون وأيضاً كتاب ماري مرتبط بشكل أساسي بتلك الانتخابات.
وقد حقق كتاب بولتون مبيعات قياسية بلغت 800 ألف نسخة في الأسبوع الأول لطرحه، بينما أعلنت دار النشر عن طبع 750 ألف نسخة بالفعل من كتاب ماري، في ظل مؤشرات على أن مبيعاته ستتخطى كتاب بولتون، وهذا بالطبع يصب مالياً في صالح المؤلفين، وهذه الحجة هي ما يرتكز عليها المدافعون عن ترامب، بالقول إن هدف بولتون وماري هو تحقيق المصلحة الخاصة مالياً فقط دون أي اعتبارات أخرى.
صحيح أن نشر كُتب أو مذكرات تخص الرئيس الأمريكي أو البيت الأبيض في عام الانتخابات ليس سابقة خاصة بترامب، لكن ربما يكون الرئيس المثير للجدل هو الوحيد الذي تعرض لموقف نشر كتابين من شخصين مقربين منه (مستشاره السابق للأمن القومي وابنة شقيقه) يرسمان معاً صورة قاتمة عن شخصيته منذ الطفولة وحتى وجوده في البيت الأبيض، أما عن مدى تأثير ذلك على توجهات الناخبين، فمن المستحيل توقعه بصورة حاسمة قبل ظهور النتائج بعد أقل من أربعة أشهر.
لكن القصة هنا هي أن كتاب ماري ترامب لا يكشف فقط أسرار طفولة الرئيس، لكنه يحكي قصة "فرد من أسرة ترامب تشمل معلومات عن مخالفات مالية وأسرية ارتكبها رئيس الولايات المتحدة وأفراد أسرته. هذا الكتاب يتناول قضايا ذات أهمية كبرى لبلادنا، وفيه آراء تخص رئيس البلاد وتعاملات أسرته المالية"، بحسب محاميها، وهذه نقطة أخرى يخشى فريق الرئيس أن تساعد الادعاء في قضية مطالبة ترامب بالكشف عن حساباته الخاصة وملفات تعامله الضريبي.