الانتخابات الأمريكية القادمة لن تكون فقط رئاسية، فهناك أيضاً انتخابات لحكام بعض الولايات ونصف مقاعد الكونغرس، ويواجه بعض الجمهوريين مأزقاً حرجاً في ظل الارتفاعات القياسية في أعداد مصابي وباء كورونا على الأرض وإصرار الرئيس دونالد ترامب على رسم صورة وهمية للفيروس القاتل، فما قصة المأزق الجمهوري؟
شبكة CNN الأمريكية تناولت مأزق الجمهوريين في تقرير لها نشرته بعنوان: "ترامب يضلل الأمريكيين بشأن فيروس كورونا والجمهوريون يواجهون خياراً صعباً"، سلط الضوء على المرشحين الذين قد يخسرون الانتخابات في نوفمبر/تشرين المقبل، أعدته مايف ريستون، الصحفية المختصة بشؤون السياسة الوطنية لدى الشبكة الأمريكية التي يعتبرها ترامب عدواً له.
ترامب في واد وكورونا في واد آخر
كانت الهوة بين الواقع ورؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الوهمية لخفوت تهديد فيروس كورونا على مرأى ومسمع الجميع في عطلة نهاية الأسبوع، حين زاد عدد الحالات في البؤر الساخنة فيما كان هو يلقي خطاباتٍ بمنطقة جبل رشمور والبيت الأبيض، اتسمت بضعف التباعد الاجتماعي وارتداء قِلَّة فقط للكمامات، وهو ما يتناقض مباشرةً مع نصيحة خبرائه بمجال الصحة العامة.
واستمر ترامب، الذي يلعب بالنار في وقتٍ يقول خبراء الصحة العامة فيه إنَّ انتشار الفيروس على ما يبدو يخرج عن السيطرة، في تضليل الأمريكيين بشأن التهديد الذي يعترض صحتهم خلال الخطاب الذي ألقاه بمناسبة "الرابع من يوليو/تموز" (يوم الاستقلال الأمريكي) من الحديقة الجنوبية بالبيت الأبيض، وقلَّل فيه من أخطار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) بتصريحٍ لا أساس له بأنَّ 99% من حالات فيروس كورونا "غير مضرة"، وهو الادعاء الذي لم يستطع رئيس هيئة الغذاء والدواء الأمريكية دعمه صباح أمس الأحد 5 يوليو/تموز.
نقطة تحول للجمهوريين
يخلق سلوك ترامب نقطة تحول بالنسبة للحزب الجمهوري، في وقتٍ تتراجع فيه أرقام الرئيس في استطلاعات الرأي، وفي ظل كون حياة الأمريكيين على المحك، يكون السؤال المطروح الآن هو ما إن كان أعضاء الحزب الجمهوري سيستمرون في الوقوف صامتين فيما يُروِّج الرئيس لقصص خيالية بشأن فيروس مميت، وإن كان الحال كذلك، فإنَّهم سيدفعون ثمناً باهظاً في صندوق الاقتراع في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي حين هجر الجمهوريون ترامب في مسألة تغطية الوجه -وحث الكثيرون منهم الأمريكيين على ارتداء الكمامات على مدار الأسبوع الماضي- فإنَّهم ظلوا في الغالب صامتين بشأن محاولة ترامب خداع الرأي العام بشأن المخاطر التي يُشكِّلها الفيروس.
وقد يصبح الصمت الجمهوري هذه المرة تواطؤاً، ويُعرِّض السلامة والصحة العامة، فضلاً عن أرواح الأمريكيين، للخطر.
وبات تراجع أرقام الرئيس في استطلاعات الرأي، خصوصاً في الولايات المتأرجحة في مواجهة نائب الرئيس السابق جو بايدن، الآن موضع قلق شديد للجمهوريين، ويشعر الكثير من المخططين الاستراتيجيين الجمهوريين الموجودين منذ زمن طويل في هذا المجال بالحيرة من استراتيجية الرئيس المزدوجة لتجاهل الفيروس وفي الوقت نفسه محاولة التحريض على حروب عرقية.
ولا يوافق غالبية الأمريكيين على تعامل ترامب مع الجائحة (أو على تعامله مع المشكلات العرقية في البلاد)، الذي أثار الذعر حتى داخل حملته الانتخابية، في حين يعتمد الرئيس على حدوث انتعاشة اقتصادية وظهور أنباء جيدة بشأن اللقاح من أجل استعادة حظوظه السياسية.
لكنَّ ترامب خاض أكثر في استراتيجية حملته المثيرة للجدل هذه والرامية لتشتيت الأنظار عن الفيروس خلال عطلة نهاية الأسبوع، مُستخدِماً خطاباً ذا صبغة عرقية، ففي جبل رشمور يوم الجمعة 3 يوليو/تموز، وصف ترامب المحتجين بأنَّهم حشد يساري فاشي يحاول "القضاء على أمريكا" من خلال محو تاريخ الأمة وغرس هذا في نفوس الأطفال. وفي البيت الأبيض مساء السبت 4 يوليو/تموز، قارن محاولته هزيمة "اليسار الراديكالي" بمساعي الولايات المتحدة للقضاء على النازيين.
كان الكثير من الجمهوريين غير مرتاحين تجاه ولع ترامب باللجوء إلى استخدام مجازات الحروب الثقافية واللغة المُهيِّجة عرقياً ظناً منه أنَّها تُحفِّز الولاء له في صفوف قاعدته الشعبية.
الخوف من مناقضة الرئيس
أدَّت كذلك وجهة نظر الرئيس بأنَّ وضع كوفيد 19 قد تحسَّن في الولايات المتحدة إلى عزله أكثر فأكثر عن القادة الجمهوريين الرئيسيين، أمثال حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت، الذي يتوسل العامة ارتداء الكمامات والبقاء في المنازل، لكنَّ الطبيعة الانتقامية للرئيس -والقائمة الطويلة للأشخاص الذين عزلهم أو غرَّد عنهم سلباً بعدما ناقضوه- لا تزال تجعل المسؤولين الجمهوريين المنتخبين وخبراء الصحة العامة لديه ينفرون من انتقاده أو التصويب له.
أحد الاستثناءات كان العمدة الجمهوري لمقاطعة ميامي ديد بولاية فلوريدا، كارلوس خيمينيز، الذي عارض الرئيس يوم الأحد لأنَّه يجد مقاطعته في مأزقٍ صعب، وقال لشبكة CBS News الأمريكية: "الفيروس غير مضر. لا، بالطبع لا"، لافتاً إلى أنَّ معدل الاختبارات الإيجابية للإصابة بفيروس كورونا في مقاطعته يبلغ قرابة 20%، وقال إنَّ المزيد من سكان فلوريدا يحتاجون إلى عناية حرجة.
المزيد من تجمعات ترامب الانتخابية
على الرغم من تراجع معدل الوفيات بفيروس كورونا في الولايات المتحدة، إلا أنَّ هناك قليلاً من الأدلة على أنَّ الفيروس في طريقه للاختفاء، وأدَّت زيادة المرضى إلى غمر بعض مستشفيات تكساس في ظل تنامي المخاوف بشأن تقلُّص الطاقة الاستيعابية في وحدات الرعاية المركزة. وسجَّلت فلوريدا رقماً قياسياً لأكثر عدد من الحالات في يوم واحد على الإطلاق، مُتجاوِزَةً الرقم القياسي السابق الذي سجَّلته نيويورك في منتصف أبريل/نيسان الماضي. وحذَّر المفوض السابق لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية، د. سكوت غوتليب، يوم الأحد من أنَّه "لا يوجد خط رؤية واضح بشأن الكيفية التي سنسيطر بها على هذا الأمر".
وكان الاستقطاب السياسي حول الفيروس، والذي جاء مدفوعاً في جزء غير صغير منه بالرسائل المتضاربة من جانب ترامب وخبرائه في مجال الصحة العامة، في دائرة الضوء خلال عطلة نهاية الأسبوع.
فمع أنَّ حالات الإصابة بفيروس كورونا ارتفعت في 34 ولاية على مدار الأسبوع الماضي -وسجلت 12 ولاية زيادة في الحالات بأكثر من 50% وفقاً لبيانات جامعة جونز هوبكينز- كانت الشواطئ في بعض مناطق البلاد مكتظة بالناس، في حين كانت شواطئ أخرى شاغرة.
وتتراجع الحالات في 3 ولايات، هي كنتاكي وفيرمونت، وولاية نيو هامبشاير المتأرجحة، حيث أعلنت حملة ترامب أنَّ الرئيس سيعقد تجمعاً انتخابياً يوم السبت المقبل 11 يوليو/تموز في مطار بورتسموث الدولي، حيث سيكون التجمع في إحدى حظائر الطائرات، في حين سيتجمَّع الحشد الزائد في الخارج. وقالت الحملة إنَّه سيكون هناك إمكانية واسعة للوصول إلى مُطهِّرات الأيدي، وسيُزوَّد كافة الحاضرين بكمامة "نحثهم بقوة على ارتدائها".
لكنَّ مبعث القلق هو أنَّ وصف الرئيس للفيروس بأنَّه غير مضر سيدفع أنصاره إلى التخلي عن حذرهم تجاه الفيروس، وفي تناقض مباشر مع تأكيد ترامب على أنَّ الفيروس "غير مضر تماماً"، بلغ معدل الوفيات من فيروس كورونا في الولايات المتحدة 4.6% في نهاية الأسبوع، وذلك بحسب بيانات جامعة جونز هوبكينز.
وفي حين يُقدِّر مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أنَّ ثلث حالات الإصابة بفيروس كورونا بدون أعراض، فإنَّ هذا لا يجعل المرض أقل خطورة، لأنَّ الأشخاص ذوي الأعراض البسيطة أو الذين لا يُظهِرون أعراضاً تماماً يمكنهم نقل الفيروس للآخرين، وحتى اليوم الإثنين 6 يوليو/تموز، تجاوزت حصيلة الوفيات في أمريكا 132 ألفاً.
وصرَّح عمدة مدينة ميامي بيتش بولاية فلوريدا، الديمقراطي دان غيلبر، لشبكة CNN الأمريكية أمس الأحد بأنَّ الوضع في ميامي "سيسوء كثيراً"، وقال إنَّ الانفصال بين الواقع على الأرض ورسالة الرئيس يجعل إجبار سكان فلوريدا على الالتزام بتوجيهات خبراء الصحة أصعب بكثير.
ولا يثق عدد متزايد من الأمريكيين أيضاً بمعلومات الرئيس حول الفيروس. فوفقاً لاستطلاع رأي الشهر الماضي يونيو/حزيران تم بالشراكة بين صحيفة The New York Times وجامعة سيينا الأمريكيتين، يثق 26% فقط من الناخبين المسجلين في ترامب لتقديم معلومات دقيقة بشأن فيروس كورونا، في حين يثق 77% من الناخبين المسجلين بمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
وليس واضحاً بعد ما هو الضرر الذي قد يلحق برفاق ترامب الجمهوريين نتيجة وجود الرئيس على رأس بطاقة الاقتراع في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وما إن كانوا سيستمرون في الوقوف معه فيما تصبح رسالته أكثر خطورة أم لا.