قرار الاتحاد الأوروبي وضع الولايات المتحدة على لائحة الدول "غير الآمنة" مقابل اعتبار الصين دولة "آمنة"، يطرح تساؤلات عديدة بشأن تداعيات وباء كورونا على العلاقات الدولية، فهل القرار سياسي موجَّه ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أم أنه قرار صحي بالأساس؟
شبكة CNN الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "ممنوع دخول الأمريكيين.. الاتحاد الأوروبي يعتزم حظر دخول سكان الولايات المتحدة والعلاقة مع ترامب تتدهور"، ألقى الضوء على كواليس القرار وتداعياته على العلاقات بين أوروبا وأمريكا والصين.
في مطلع الأسبوع الجاري، رفض الاتحاد الأوروبي وضع الولايات المتحدة على قائمة "الدول الآمنة"، وهو ما يعني أن المسافرين الأمريكيين غير مرحَّب بدخولهم دول الاتحاد في المستقبل القريب، بسبب الأعداد الهائلة للحالات التي تأكدت إصابتها بفيروس كورونا في الولايات المتحدة، وما يُثير الجدل أن الاتحاد وضع الصين، منشأ الفيروس، في قائمة الدول الآمنة، بشرط المعاملة بالمثل.
يقولون إنه ليس قراراً سياسياً
يصر مسؤولو الاتحاد الأوروبي على أن القرار ليس سياسياً، ويستند بالكلية إلى أدلة وبائية؛ أملاً في أن يهدّئ ذلك غضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي هاجم الاتحاد في مواقف سابقة.
لكن مسؤولين آخرين اعترفوا سراً بأن بروكسل لو كانت ترغب في جعل الموقف أكثر قبولاً عند الأمريكيين، لفعلت، يقول دبلوماسي تابع للاتحاد الأوروبي غير مسموحٍ له بالتصريح بطريقة اتخاذ القرار: "في الماضي، ربما لم نكن لنضع الصين على القائمة إرضاءً للولايات المتحدة".
وهذه الواقعة ليست معزولة، بل تأتي في سياقٍ جيوسياسي يُشير إلى تهتك في العلاقات بين الطرفين، فليس سراً أن واشنطن يقل اهتمامها بشؤون أوروبا هذه الأيام، ومن المعروف أن الدول الأوروبية تسعى سعياً محموماً إلى الاستقلال الدبلوماسي عن الولايات المتحدة، وبالأخص دول الاتحاد الأوروبي.
ومن بين الطرق التي تظن بروكسل أنها تُبعد نفسها بها عن واشنطن، التعامل مع الصين كشريكٍ استراتيجي واقتصادي، وتقليل اعتمادها على إحدى القوتين العظميين عبر توطيد علاقتها بالأخرى لتحقيق التوازن.
فتِّش عن ترامب
في الأعوام القليلة الماضية، تمسكت بروكسل بمواقفها في الشؤون الدولية الكبرى، في حين كان ترامب يعيث فساداً فيها، فمن اتفاق باريس للمناخ، إلى الاتفاقية النووية الإيرانية، يمكن أن نرى نمطاً يبدو فيه كأن الاتحاد الأوروبي ينحاز إلى جانب الصين، لا حليفته الأقدم أمريكا. ومع أن العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة راسخة وعميقة، لكن إظهار المودة تجاه بكين ضربة حقيقية لها.
ومع أن العلاقات قد بدأت تفتر منذ مدة باراك أوباما في الرئاسة، إلا أن المراقبين للتحالف الأمريكي-الأوروبي يسلّمون بأن العلاقات قد تدهورت على مدار الأعوام الأربعة الماضية، وستتدهور أكثر إن تغلَّب ترامب على منافسه في الانتخابات القادمة نائب الرئيس السابق جو بايدن، وتقول فيلينا تشاكاروفا، من المعهد النمساوي للسياسات الأمنية والأوروبية: "إن ترامب يعتبر الاتحاد الأوروبي، وبالأخص ألمانيا، خصماً اقتصادياً وتجارياً، وهو ما يعني أن التوترات يمكن توقعها في حالة حصوله على مدة رئاسية ثانية".
وتضيف فيلينا أن الاتحاد الأوروبي يقطع خطوات نحو "استقلالٍ أكبر في حقلَي الأمن والدفاع"، بينما يحاول ترامب "عرقلة هذه الجهود بمهاجمة أعضاء حلف الناتو الأوروبيين وبإجراءات اقتصادية وتجارية".
ويشرح المسؤول السابق ذكره، أن "خروج ترامب على تعددية الأطراف" في القضايا الدولية الكبرى ومنها إيران، إلى جانب تنصُّل الولايات المتحدة من جزء من مسؤوليتها عن الأمن الأوروبي، سرَّع من توجُّه الأوروبيين إلى الابتعاد خطوة عن الولايات المتحدة و"الاستقلال بتحركاتهم على الساحة الدولية".
لذا، وفقاً لتشاكاروفا، تأمل المؤسسات والزعماء بدول الاتحاد الأوروبي أن يفوز جو بايدن بالانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني؛ "فهو من أنصار التعددية ومن المتوقع أن يقوّي العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا".
وقال ناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن "الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بينهما شراكة قوية باقية تستند إلى القيم والحوكمة الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان وحكم القانون، والعلاقات الاقتصادية المتجذرة، والالتزام بالرخاء والأمن العابر للمحيط الأطلنطي، وهذه الشراكة طويلة الأمد حيوية لتنسيق الجهود الدولية".
ماذا لو فاز جو بايدن؟
لكن فوز بايدن المحتمل لن يؤدي إلى إصلاحٍ سريع للشراكة العابرة للأطلنطي، يقول الدبلوماسي الأوروبي: "ليست المسألة ما إذا كان بإمكاننا إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه، بل إن كان بالإمكان إقناع الولايات المتحدة بالعودة إلى النظام الغربي".
إن تكوين محاور جيوسياسية في قضايا مثل آسيا والشرق الأوسط والتجارة قد بدأت بالفعل. والفارق هو في اللحظة التي نرى فيها أن الغرب يجب أن يتموضع كوحدة واحدة.
وحتى لو أعاد بايدن تطبيق سياسات أوباما في الشأن الأوروبي، فلا شيء يضمن أنه لن يحل محله بعد أربعة أعوام من هو أكثر تطرفاً من ترامب. يقول المسؤول ببروكسل: "إن التحولات الجذرية التي تمر بها الولايات المتحدة ستدوم على الأرجح، وعلينا أن نتكيف ونخرج بأفضل استفادة ممكنة من العلاقة. وهذه التحولات بنيوية وليست فقط قائمة على شخصٍ واحد".
وبالطبع، لا يعني أي من هذا أن أهمية العلاقات العابرة للأطلنطي ستنحسر. فستظل تلك العلاقة في مركز ما يمثله الغرب، وستظل الولايات المتحدة حليفاً لأوروبا أهم من الصين بمراحل. كما أن خط الاتحاد الأوروبي للتقرب من الصين تلقى ضربة هائلة من جراء جائحة كوفيد-19.