أعاد استرجاع جماجم مقاومين جزائريين من فرنسا الجمعة فتح ملفات تاريخية تعود إلى الحقبة الاستعمارية (1830/1962). وظلت تلك الملفات مثل قضية الأرشيف المهرب، ورفض باريس الاعتذار عن جرائم الاحتلال محل توتر بين البلدين.
واستعادت الجزائر الجمعة رفات 24 من قادة "المقاومة الشعبية" ضد الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر، وذلك بعد مفاوضات بدأت عام 2016. والخميس قال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، إن هؤلاء المقاومين "مضى على حرمانهم من حقهم الطبيعي والإنساني في الدفن، أكثر من 170 سنة".
مساومة وتهرُّب فرنسي
من جهته قال الفريق سعيد شنقريحة قائد الأركان في كلمة خلال مراسم استقبال الرفاة الجمعة، " قضى هؤلاء الأبطال أكثر من قرن ونصف قرن في غياهب الاستعمار ظلماً وعدواناً، وكانوا محل ابتزاز ومساومة من لوبيات دعاة العنصرية".
ويعد ملف الجماجم والتي وصلت دفعة أولى منها في انتظار تحديد هوية رفات المقاومين الآخرين من ضمن عدة قضايا تاريخية ظلت محل توتر بين فرنسا ومستعمرتها القديمة.
وبالتزامن مع استعادة جماجم قادة المقاومة الشعبية صرح عبدالمجيد شيخي مستشار الرئيس الجزائري لشؤون الذاكرة أمس الجمعة لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، بأن بلاده "لن تتنازل عن استرجاع أرشيف المرحلة الاستعمارية".
وأوضح شيخي، أن فرنسا "سنَّت عام 2006 قانوناً يقضي بإدراج الأرشيف كجزء من الأملاك العمومية، وبالتالي لا يتنازل عنها، وذلك كطريقة للتهرب من تسليمه للجزائر في مخالفة لكافة الأعراف الدولية".
وتقول السلطات الجزائرية ومؤرخون، إن القوات الاستعمارية رحلت نحو فرنسا خلال مرحلة الاحتلال (1830/ 1962) مئات الآلاف من الوثائق منها ما يعود إلى الحقبة العثمانية (1518 و1830)، ولم تتم استعادة سوى 2% منها.
مفاوضات حول 4 ملفات
وتتفاوض الجزائر وفرنسا منذ سنوات حول 4 ملفات تاريخية عالقة، يخص أولها الأرشيف الجزائري الذي ترفض السلطات الفرنسية تسليمه، فيما يتعلق الملف الثاني باسترجاع جماجم قادة الثورات الشعبية.
أما الملف الثالث، فهو تعويض ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين عامي (1960 و1966)، أي حتى بعد الاستقلال بـ4 سنوات.
والملف الرابع متعلق بالمفقودين خلال ثورة التحرير (1954-1962) وعددهم ألفان و200، حسب السلطات الجزائرية.
ومطلع العام الجاري، أعلن الطيب زيتوني وزير قدماء المحاربين (المجاهدين) توقف المفاوضات مع الجانب الفرنسي بشأن هذه الملفات بسبب "عدم جدية" باريس في حل هذه القضايا. وقال زيتوني في حينه، "ليس واضحاً إن كان الجانبان قد استأنفا التفاوض مع عودة الجماجم".
جبل الجرائم
وخارج مسار مفاوضات تتصاعد في الجزائر في كل مرة مطالب لفرنسا بالاعتراف والاعتذار عن جرائمها الاستعمارية، لكن باريس تدعو إلى طي صفحة الماضي والتوجه نحو المستقبل.
وقال تبون في رسالة موجهة للشعب الجزائري بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لمجازر 8 مايو/أيار 1945، إن فرنسا "قتلت نصف سكان بلاده منذ 1830 إلى غاية 1962".
وأضاف تبون، أن عدد الضحايا بلغ 5.5 مليون، في إشارة إلى كامل الفترة الاستعمارية، وليس فترة الثورة التحريرية (1954 – 1962)، والتي تحصي 1.5 مليون ضحية فقط، إضافة إلى جرائم أخرى.
ونهاية يناير/كانون الأول الماضي أودع 120 نائب في البرلمان الجزائري مشروع قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي لدى رئاسة الهيئة التشريعية من أجل تحويله إلى الحكومة لدراسته، لكن هذه الخطوة لم تتم بعد.
وقبل أيام صرح رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) سليمان شنين في جلسة عامة، إن "تجريم الاستعمار مطلب شعبي، وقرار سيادي لا يعني النواب فقط، إنما كل الشرفاء، مقابل الذين يعطلونه وهم قليلون" في رده على مطلب النواب بتسريع إحالته إلى الحكومة.
وباءت محاولة من نواب جزائريين لسن قانون لتجريم الاستعمار على مستوى البرلمان الجزائري سنة 2009 بالفشل لأسباب مجهولة، فيما وجهت اتهامات لنظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة بإجهاض المشروع.