اقترح السيناتور الأمريكي جون ثون، الرجل الثالث في حزب الأغلبية بمجلس الشيوخ الأمريكي، مشروع قانون بتعديل قانون إقرار الدفاع الوطني لعام 2021، وذلك للسماح لحساب مشتريات الصواريخ الخاص بالجيش الأمريكي بأن يبتاع منظومة صواريخ "إس-400" طويلة المدى التي اشترتها تركيا من روسيا.
ومنذ أن أتمّت تركيا صفقة السلاح الجوي الروسي في 2017 والتي تُقدَّر بـ2.5 مليار دولار، اندلع صِدام بين واشنطن وأنقرة حول الخطوة غير المسبوقة. وأصرت الولايات المتحدة مراراً على أنَّ شراء تركيا، وهي عضوة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، منظومة صواريخ روسية متطورة "خطوة مرفوضة وغير مسؤولة".
وشددت واشنطن أيضاً على أنَّ تشغيل "إس-400" الروسية ومقاتلات الجيل الخامس "إف-35 لايتنيغ 2" الأمريكية في الجيش نفسه، قد يُمكِّن روسيا من استخلاص معلومات حساسة عن قدرات التسلل والتخفي لمقاتلات الشبح الأمريكية.
بيد أنَّ تركيا أصرت على أنَّ هذه المخاوف واهية ومضت في طريقها بصفقتها الكبرى، وبعد ذلك، علَّقت الولايات المتحدة مشاركة تركيا في برنامج "جوينت سترايك فايتر" لمقاتلات "إف-35″، ومنعتها أيضاً من شراء هذا الطراز من الطائرات لقواتها الجوية، وبدأت في استبعادها من برنامج إنتاج الطائرات المربح.
إلى جانب ذلك، أدرجت عملية شراء "إس-400" تركيا ضمن الدول التي ينطبق عليها قانون "مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات"، غير أنَّ إدارة ترامب تجنبت فرض عقوبات على أنقرة بموجب القانون حتى تاريخه.
تسوية من نوع خاص مع أنقرة، هل تنجح؟
تقول مجلة Forbes الأمريكية، إن ثون ليس أول سياسي أمريكي يدعو إلى شكل من أشكال التسوية مع أنقرة بشأن قضية "إس-400" لتجنب فرض عقوبات عليها بموجب قانون "مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات"، وأي مزيد من التدهور في العلاقات الأمريكية التركية.
ففي يوليو/تموز الماضي، وهو الشهر نفسه الذي تسلمت فيه تركيا الأجزاء الأولية من صواريخها الروسية الجديدة، اقترح السيناتور ليندسي غراهام أنه إذا امتنعت أنقرة عن تفعيل المنظومة الصاروخية، فإنَّ واشنطن يمكن أن تتوصل إلى اتفاق معها وتتجنب فرض أية عقوبات.
لكن تركيا أكدت تعهدها بتفعيل النظام. واختبرت لأول مرةٍ رادار "إس-400" ضد بعض مقاتلاتها من طراز "إف-16″ و"إف-4" أمريكية الصنع بأنقرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأصرت عدة مرات على أنها ستُفَعِّل أنظمة الصواريخ في أبريل/نيسان.
ثم جاء أبريل/نيسان ومضى، ولم تفِ تركيا بتعهدها. وأصرت أنقرة على أنَّ تفعيل المنظومة تأجّل بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، وليس لأنها غيرت رأيها، وشددت مرة أخرى على أنها ابتاعت المنظومة لاستخدامها.
وإذا أدى مشروع التعديل الذي اقترحه ثون، بطريقة أو بأخرى، إلى نجاح الولايات المتحدة في شراء ترسانة "إس-400" التركية بالكامل، فستكون أنقرة قد استوفت هذا الشرط الأمريكي الرئيسي لإعادة الانضمام إلى برنامج "إف-35".
ومن المرجح أن تُرحِّب إدارة ترامب بحل المأزق الأمريكي-التركي بشأن منظومة "إس-400". إذ سبق أن قال الرئيس ترامب، الذي لديه علاقات شخصية جيدة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه "ليس من العدل" أنَّ الولايات المتحدة لا تستطيع بيع طائرات "إف-35" لتركيا بسبب شرائها "إس-400".
نعم تريد واشنطن اكتشاف هذه المنظومة، ولكنها لن تستطيع
ومن وجهة نظر استخباراتية أمريكية، فإنَّ امتلاك منظومة صواريخ "إس-400" عاملة سيُمكِّن الولايات المتحدة من فحص منظومة الصواريخ الروسية المتطورة جيداً واختبارها؛ ومن ثم تقييم جميع نقاط قوتها وضعفها.
وإذا حدث ذلك، فلن تكون بالتأكيد المرة الأولى التي تشتري فيها الولايات المتحدة معدات عسكرية روسية متقدمة من دولة ثالثة. ففي عام 1997 ، اشترت واشنطن طائرات مقاتلة من طراز "ميغ-29 فولكروم" من مولدوفا؛ لإبعادها عن أيدي إيران. وانتهزت واشنطن الفرصة لفحص تلك الطائرات الحربية الروسية المتقدمة واكتساب فهم أفضل لقدراتها.
بيد أنَّ الولايات المتحدة لن تسعى بكد على الأرجح، لشراء منظومة صواريخ "إس-400" من تركيا، على الرغم من مشروع القانون هذا. وفي الوقت نفسه، من المستبعد أن ترغب تركيا في بيعها.
فبعد اقتراح ثون، أوضحت روسيا أنَّ تركيا بحاجة أولاً إلى موافقتها حتى تتمكن من بيع "إس-400" إلى دولة أخرى، وهو أمر من غير المرجح أن تعطيه موسكو لأنقرة؛ لأنها بالتأكيد لا تريد أن تعلم الولايات المتحدة كل شيء ممكن عن أحد أنظمة الدفاع الجوي الأولى لروسيا.
تركيا جازفت بالكثير من أجل هذه الصفقة
ولا يرغب أردوغان أيضاً في كسب عداوة روسيا ببيع هذه الصواريخ؛ نظراً إلى أنَّ موسكو ستردُّ على هذه الخطوة بتأزيم الموقف أمام تركيا في سوريا وليبيا.
ورفضت الحكومة التركية بالفعل اقتراح ثون. علاوة على ذلك، من المستبعد أن يقبل أردوغان اقتراح ثون حتى لو أُقِرَت التعديلات وأُدخِلَت إلى قانون إقرار الدفاع الوطني، وحتى لو لم تعارض روسيا البيع.
إذ يبدو أنَّ الرئيس التركي جازف بالكثير بالفعل لشراء منظومة "إس-400″؛ نظراً إلى أنها تمثل في عديد من الجوانب منظومة الدفاع الجوي المثالي لحماية أنقرة من أي أخطار. فخلال محاولة انقلاب على الحكم في 15 يوليو/تموز 2016، قصفت طائرات تركية من طراز "إف-16" يقودها انقلابيون، البرلمان التركي من بين مواقع أخرى في العاصمة أنقرة.
ونظراً إلى أنَّ الجيش التركي يتألف بالكامل تقريباً من معدات صُنِعَت في الولايات المتحدة، فقد وجدت العاصمة نفسها عزلاء ضد طائراتها الحربية الخاصة. وقال أحد المحللين الأتراك: "ما لوحظ خلال محاولة الانقلاب في عام 2016، هو أنَّ تركيا لم تكن لديها أية آلية دفاع فعالة ضد الأسلحة الأمريكية الصنع التي تمتلكها!".
وإذا حدثت أية محاولة انقلاب مماثلة، فمن المحتمل أن تكون منظومة "إس-400" غير المُدمَجة بشبكات الدفاع الجوي التركية في وضع جيد جداً يسمح لها بإسقاط أية مقاتلات من طراز "إف-16" تستهدف العاصمة. فقبل كل شيء، صممت روسيا هذه المنظومة لتتصدى لاحتمالية أنها قد تضطر في يوم من الأيام، إلى إسقاط طائرات الناتو الحربية.
ولهذا السبب على الأرجح، قرَّر أردوغان بالمجازفة بالكثير للحصول على منظومة "إس-400". ومن المحتمل أيضاً أنه غير راغب في التخلي عنها، ومستعد تماماً لتحمُّل جميع العواقب السياسية والاقتصادية السلبية على تركيا التي تستتبع التمسك بها وتفعيلها في النهاية.