ماذا يعني دمج أكبر البنوك السعودية؟ بلومبيرغ: مشكلة كبرى تضرب قلب اقتصاد المملكة

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/07/02 الساعة 15:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/02 الساعة 15:33 بتوقيت غرينتش
بلومبيرغ: الآفاق الاقتصادية للمملكة تزداد سوءاً ببطء/ رويترز

حين شهدت السعودية دمج اثنين من أكبر بنوكها آخر مرة، كانت أسعار النفط تسترد عافيتها من هبوطٍ حاد، إذ كانت المملكة في خضم ركودٍ كبير مع دينٍ يتجاوز حجم الاقتصاد. كان ذلك في عام 1999، حين انضمت مجموعة سامبا المالية إلى البنك السعودي المتحد لإنشاء أحد أكبر بنوك البلاد. وبعد نحو عقدين من الزمن تأتي مجموعة سامبا مرةً أخرى في قلب الاندماج، بالتزامن مع تحوّل عام كان يُفترض أن يُبرهن على خطط المملكة التحوّلية إلى واحدٍ من أكثر الأعوام تحدّياً في تاريخها الحديث، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.

إذ كانت صناعة المالية تنتظر أن تكون محور "رؤية 2030″، وهي خطة ولي العهد محمد بن سلمان الكُبرى لفصل الاقتصاد عن النفط، حيث يُفترض أن يضع المستثمرون العالميون أموالَهم في أصول الدولة التي تجري خصخصتها، ويشتروا السندات الحكومية للمساعدة في تمويل المشروعات الجديدة. في حين تعكف البنوك المحلية على إقراض رواد الأعمال والعائلات، لمساعدتهم في فتح الشركات وشراء المنازل.

قطاع البنوك يتعرض لضغطٍ هائل

لكن بدلاً من ذلك، انضمّت البنوك إلى نظرائها من مختلف دول العالم في رد فعلها تجاه سلسلة التحديات غير المتوقعة، بالتزامن مع إجبار المصرف المركزي السعودي على التدخّل لدعم صناعة المالية. فضلاً عن أنّ انهيار أسعار النفط، وتأثير تفشي فيروس كورونا عرقل عائدات السعودية. ولا يزال إغلاق النشاط التجاري قائماً بالتزامن مع مكافحة السلطات للسيطرة على الجائحة.

قال محافظ البنك المركزي، أحمد الخليفي، يوم الثلاثاء 30 يونيو/حزيران، إنَّ المقرضين السعوديين كان كاهلهم سيُثقل بنحو 10 مليارات ريال (2.7 مليار دولار) من مخصصات التخلّف عن السداد المُحتملة، في حال لم يتدخل البنك المركزي.

بينما قالت راشنا أوبال، المحللة البارزة لشؤون الخليج في شركة Castlereagh Associates البحثية: "سيتعرَّض قطاع البنوك لضغطٍ هائل من أجل دعم احتياجات الإقراض السيادي وشبه السيادي، حيث إنّ إقراض البنوك عالمياً سيظل مقيّداً على الأرجح. وسيعتمد النجاح المستقبلي لاستراتيجية التنويع السعودية على تطوير قطاعٍ خاص قوي، ما يتطلّب استثمارات أكثر، لا أقل".

إقراض البنوك وأزمة تمويل المشروعات

وبالنسبة لصفقة الـ15.6 مليار دولار لدمج البنك التجاري الوطني مع سامبا، التي أُعلِنَت الأسبوع الماضي، فسوف تخلق عملاقاً مصرفياً فيما يتعلّق بالقروض، مع حصةٍ سوقية تصل إلى 30% داخل المملكة، وأصول تتجاوز الـ200 مليار دولار.

كما سيمنح ذلك صندوق الاستثمارات العامة سلطةً أقوى في الاقتصاد، للمساعدة في تمويل المشروعات الجديدة بمئات المليارات من الدولارات. وصندوق الاستثمارات العامة، برئاسة الأمير محمد، هو أكبر مُساهم في البنك التجاري الوطني وسامبا بحسب البيانات التي جمعتها وكالة Bloomberg الأمريكية.

وقال رئيس سامبا، عمار الخضيري، إنَّ محادثات الاندماج الجادة بدأت في مارس/آذار. وحينها كانت أسعار النفط قد انخفضت إلى النصف، بينما تصاعد تفشِّي كوفيد-19 حول العالم.

وأوضح الخضيري في ردوده على الأسئلة عبر البريد الإلكتروني، أنّ البنكين يُكملان بعضهما البعض، مع هيمنة البنك التجاري الوطني في قطاعي التجزئة والرهون العقارية، بينما تُلبي سامبا احتياجات الشركات السعودية الكبرى. وفي تصريحات منفصلة، أكَّد رئيس البنك التجاري الوطني سعيد الغامدي على هذه الفكرة.

كما أردف الخضيري: "على المدى القريب، فإنَّ وجود ميزانية عمومية قوية سيساعد في تخفيف الآثار السلبية للاضطراب الاقتصادي الذي يشهده العالم. وعلى المدى البعيد، فسيستطيع البنك المُدمج استغلال الفرص والتفوق على نظرائه".

والخلفية الاقتصادية واضحةٌ هنا؛ إذ حذَّر صندوق النقد الدولي، في فبراير/شباط، من أنَّ الثروة المالية ستنخفض إلى صفر بحلول عام 2036، بوصفها نسبةً من إجمالي الناتج المحلي، وذلك في غياب الإصلاح الحقيقي. ومنذ ذلك الحين، قالت الحكومة إنّها ستقترض 100 مليار ريال (26.66 مليار دولار) إضافية، أكثر من المخطط له في عام 2020، ورفعت سقف ديونها من 30% إلى 50% من إجمالي الناتج المحلي.

واستجابت الحكومة للتوقعات المتراجعة، بزيادة ضريبة المستهلك ثلاثة أضعاف، وزيادة الرسوم على قائمة منتجات تمتد لـ53 صفحة، مع تقليص الإنفاق على مشروعات البنية التحتية، وخفض البدلات المصروفة لموظفي القطاع العام.

المزيد من إجراءات التقشف

يقول أشرف مدني، المحلل في وكالة Moody's للتصنيف الائتماني: "ستزيد إجراءات التقشف من الضغط المفروض على المنظومة المصرفية. إذ نتوقَّع ضغطاً هبوطياً في الربحية، وجودة الأصول على مرّ الـ12 أو 18 شهراً المقبلة".

إذ دفعت سنوات النمو المنخفض للإقراض بالبنوك إلى النظر للدمج باعتباره وسيلةً لخلق القيمة والمزيد من الصفقات الممكنة، بحسب مدني. وقد أتم بنكان سعوديان أصغر عملية اندماج في عام 2018، هما ساب والأول.

وكان إقراض البنوك مدفوعاً بشكلٍ شبه حصري بالرهون العقارية، التي استفادت من الإعانات الحكومية السخية، نتيجة سعي الأمير محمد لتوسيع ملكية المنازل. ومع توقُّف الإعانات الحكومية السخية في ظلّ خفض النفقات، فسوف يكون من الصعب العثور على فرص إقراض جديدة.

وتتمتَّع البنوك السعودية باحتياطيات رأسمالية كبيرة تُمكّنها من استيعاب الخسائر، ولم تضطر الكثير من البنوك إلى البدء في جمع الأموال من مستثمري السندات العالميين، لكن مؤسّسة النقد العربي السعودي، أي البنك المركزي بالمملكة، بدأت في دعم البنوك بدرجةٍ متزايدة. ويأتي هذا بالتزامن مع اعتماد الحكومة عليها بشكلٍ أكبر لتمويل عجز الموازنة الوطنية ومشروعات رؤية 2030.

وفي محاولةٍ لحماية البنوك من خسائر القروض لصالح الشركات الصغيرة، ودعم السيولة، وفَّرت مؤسسة النقد العربي السعودي نحو 80 مليار ريال من الودائع المجانية. ما يتخطى بنسبةٍ كبيرة الدعم الذي حصلت عليه البنوك عام 2016، حين ضرب انخفاضٌ في أسعار النفط الماليات الحكومية، ودفعها للتوقّف عن الدفع للمقاولين.

لكن مؤسسة النقد العربي السعودي يجب أن تبذل جهداً أكبر وتُوفّر ودائع رخيصة إضافية للبنوك، خلال العامين المقبلين، بحسب أيبك إسلاموف، محلل بنك HSBC Holdings Plc. وذكر في تقريره أنّ هناك نحو 75 مليار دولار من قروض الشركات الصغيرة، التي قد تتطلّب دعماً من البنك المركزي بنهاية العام. وفي حال عجز تلك الشركات عن سداد القروض في تلك المرحلة، فربما تضطر مؤسسة النقد العربي السعودي إلى ضخ المزيد من الأموال في النظام المصرفي.

مخاطر ومخاوف من تخلف الشركات عن السداد

ربما تحتاج مناطق أخرى من الاقتصاد إلى الدعم الحكومي، بالتزامن مع مكافحة الصناعات للتعايش مع حالات إغلاق فيروس كورونا، بحسب إدموند كريستو، المحلل المصرفي في وكالة Bloomberg الأمريكية. وقال إنَّ هناك مخاطر متزايدة بتخلّف الشركات عن السداد، ما يعني أنّ البنوك يجب أن تُخصّص المزيد من الأموال.

وكانت القيود المفروضة على الحج إلى مكة، في منتصف يونيو/حزيران، هي أحدث القطع في أحجية الأخبار السيئة. ورغم أنّ الخطوة تهدف إلى احتواء انتشار الفيروس في البلد الذي لا يزال يشهد نحو أربعة آلاف حالة إصابة جديدة يومياً، لكنّها ستضر بالشركات أيضاً، وتقضي على أحد أهم مصادر العملة الأجنبية، إذ شارك نحو مليوني شخص في موسم الحج العام الماضي.

وبدأ بعض المستثمرين في الرهان ضد المملكة، نتيجة عدم إحراز أيّ تقدّم في تنويع الاقتصاد. ويتوقّع بيتر كيسلر، مدير المحافظ في North Asset Management، أنّ الأوضاع المالية السعودية ستتعرّض لضغطٍ متزايد، ربما يُجبر البلاد على التخلّي عن ربط عملتها بالدولار.

إذ أوضح كيسلر: "كل ما فعلوه خلال السنوات الخمس الأخيرة هو إصدار المزيد من الديون الخارجية، ما جعلهم أكثر عرضةً للخطر. والآفاق الاقتصادية للمملكة تزداد سوءاً ببطء".

تحميل المزيد