رغم انكسار قواته وفشل مشروعه العسكري في الغرب الليبي، وتخلّي حلفائه عنه، فإن اللواء المتقاعد خليفة حفتر يحاول التمسك بوجوده في المشهد الليبي، هذه المرة عن طريق ملف النفط.
فعسكرة الموانئ النفطية باتت على ما يبدو الخطة البديلة له بعد أن مُنيت قواته بسلسلة من الهزائم المتتالية، أجبرته على الانسحاب من تخوم طرابلس ومنطقة غرب ليبيا بكاملها إلى مدينة سرت ومنطقة الجفرة.
فتحفيز طموح الدب الروسي في ليبيا بالاستيلاء على النفط لحصار حكومة الوفاق -معترف بها دولياً- اقتصادياً بعد أن قامت قبائل من المنطقة الشرقية موالية لحفتر بإغلاق الحقول والموانئ النفطية التي تقع تحت سيطرتها، في يناير/كانون الثاني الماضي، بحجة عدم التقسيم العادل للثروة بين الأقاليم الثلاثة في ليبيا "برقة، فزان، طرابلس" هو الأسلوب الجديد الذي يستخدمه حفتر في حربه الآن للسيطرة على ليبيا.
فاغنر تعزز وجودها وسط وجنوب ليبيا
عزَّز مرتزقة فاغنر وجودهم العسكري بمنطقة الجفرة وسط ليبيا، لقربها من أغلب الحقول النفطية، حيث أصبحت قاعدة الجفرة هي المكان الرئيسي لهم للانطلاق نحو الحقول النفطية، وكان أولها السيطرة على حقل الشرارة.
وبحسب مصادر عسكرية تابعة لحكومة الوفاق أكدت لـ "عربي بوست" أن نحو 3500 من المرتزقة الروس ينتشرون في المدن والمناطق التابعة إدارياً لمنطقة الجفرة، وهي مناطق "هون وسوكنه وودان"، تشير المصادر إلى أن مرتزقة فاغنر قاموا بتركيب أنظمة تشويش إلكتروني، وفخخوا محيط قاعدة الجفرة الجوية، إضافة لتركيب منظومات دفاع جوي أغلبها بانسير حول القاعدة، تحسباً لعملية عسكرية قد تشنها قوات حكومة الوفاق.
وبعد إحكام سيطرة فاغنر على قاعدة الجفرة توجّهت وحدات عسكرية أخرى نحو الجنوب الليبي، قاموا بالسيطرة على قاعدة "تمنهنت الجوية" بمدينة سبها جنوبي ليبيا، ومنها إلى قاعدة "الواو الجوية" أقصى جنوب ليبيا، ونشرت مرتزقة على الطرق الرابطة بين الجفرة ومنطقة بوقرين، شرق مدينة مصراته، وطريق الجفرة سرت.
وبذلك، تشكَّلت خارطة جديدة للسيطرة المباشرة وغير المباشرة على بعض الحقول والموانئ النفطية من قبل مرتزقة فاغنر ومرتزقة العدل والمساواة وبقايا الجنجويد وحركة تحرير السودان.
سيطرة مباشرة لفاغنر على أكبر حقل نفطي ليبي
يعد حقل الشرارة من أكبر الحقول النفطية الليبية، يقع في صحراء مدينة مرزق جنوب ليبيا، وإجمالي الاحتياط في الحقل يبلغ نحو 3 بلايين برميل، ويعمل على إنتاج 300 ألف برميل يومياً في الأوضاع المستقرة، اكتشف الحقل عام 1980 وطورته شركة پتروم، وتملكه وتشرف على تشغيله شركة رپسول الإسبانية.
المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا أكدت الخميس، 25 يونيو/حزيران الماضي، أن مرتزقة روساً ومن جنسيات أخرى دخلوا حقل الشرارة النفطي، فيما أكدت مصادر مطلعة أن قافلة عسكرية مكونة من عشرات السيارات المسلحة دخلت الحقل وتمركزت به، لمنع استئناف ضخ النفط الخام منه.
والآن يتواجد نحو 300 مرتزق روسي بحقل الشرارة، مدعومين بقرابة 1000 مسلح مرتزق من قوات الدعم السريع السودانية المتمركزة بالحقل منذ عام 2019.
من طموح السيطرة إلى طموح الاستثمار
كان حفتر قد وعد مالك شركة فاغنر "يفغيني بريغوجين"، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بعقود لاستكشاف النفط الخام وتطوير الحقول النفطية، خلال لقائه في موسكو وزير الدفاع الروسي "سيرغي شويغو"، واليوم يمنحهم تسهيلات لبسط سيطرتهم على حقول النفط، التي باتت الأمل الأخير له للملمة ما أصابه عسكرياً وميدانياً.
لاسيما أن بعض الحقول تقع في مناطق نفوذ مرتزقة فاغنر في الجنوب الليبي، أهمها:
حقل آمال النفطي
هو حقل نفطي يقع في منطقة الواحات، بالقرب من واحة أوجلة شمال شرقي ليبيا، وهو أكبر حقول شركة الهروج للعمليات النفطية، ويعد من أكبر وأهم الحقول في حوض سرت (الجيولوجي)، ويشمل امتياز الحقل منطقة كبيرة تبلغ مساحتها حوالي 35 × 120 كيلومتراً.
ينتج حقل آمال حوالي 400 ألف برميل من النفط في اليوم، وهو ما يعادل تقريباً ثلث كمية الإنتاج القومي الليبي من النفط.
انعدام الحواجز الطبيعية والمرجانية ساعد في توجه الناقلات العملاقة إلى هذا الميناء لنقل النفط الخام من خلال المراسي العائمة المعدة خصيصاً لهذا الغرض إلى جميع أنحاء العالم.
حقل زلطن
أحد أكبر الحقول النفطية في ليبيا ومن أهمها، ويبعد نحو 170 كم جنوب ميناء البريقة، وبه تم اكتشاف أول بئر نفطية ذات جدوى اقتصادية في ليبيا في العام 1959. ينتج الحقل نحو 30000 برميل يومياً من مجموع 120 بئراً، وتدير الحقل شركة سرت للنفط.
حقل الفيل
هو حقل نفط تمتلك فيه روسيا أسهماً، يقع في حوض مرزق جنوب غربي ليبيا عند القطعة، يحتوي حقل الفيل النفطي على أكثر من 1.2 مليار برميل من الاحتياطيات، وهو من أكبر حقول النفط في حوض مرزق.
ويعتبر حقل الفيل مشروعاً مشتركاً في إدارته، بين المؤسسة الوطنية للنفط، وشركة إيني الإيطالية، وفي 3 أبريل/نيسان 2008، قامت شركة إيني الإيطالية بمنح شركة گازپروم الروسية حصة الثلث في الحقل.
حقول شركتي سرت والزويتينة لتصنيع النفط والغاز
عبارة عن حقول صغيرة تقع بمحيط قاعدة الجفرة التي تسيطر عليها مرتزقة فاغنر، وهي (حقل الراقوب، حقل الغاني، حقل زلة، حقل المبروك، حقل الضهرة، حقل أم فرود، حقل سهيل).
موانئ تابعة للفرنسيين والسودانيين وتشاد
لم يقتصر تواجد المرتزقة فقط على الروس والسوريين بالأماكن الحيوية النفطية في ليبيا، إذ أكد مصدر عسكري تابع لحفتر أن الموانئ النفطية تسيطر عليها قوات أجنبية فرنسية مدعومة بمسلحين من حركة العدل والمساواة السودانية والمعارضة التشادية من بينها:
ميناء رأس لانوف
يقع ميناء رأس لانوف على هضبة مرتفعة على البحر في منطقة الهلال النفطي وسط ليبيا وعلى بعد 23 كم من ميناء السدرة النفطي، وقد تم وضع اللمسات الأخيرة للميناء، والاختبار لمرافقة عام 1964م.
ويوجد بالميناء عدد 13 خزاناً، تبلغ الطاقة التخزينية لها 6.5 مليون برميل من النفط الخام لاستلام وتصدير إنتاج الحقول التابعة لشركة الهروج بالإضافة إلى حقول (الصباح، زلة، الحكيم، الفداء، ماجد) التابعة لشركة الزويتينة، وحقول (أم الفرود، البيضاء، النافورة، مسلة، السرير) التابعة لشركة الخليج العربي، وحقول شركة ونترشيل، ويتم تزويد مصفاة التكرير بمجمع راس لانوف من هذه الخزانات بما يقرب من 200 ألف برميل يومياً من النفط الخام المستخرج من حقلي مسلة والسرير.
ويعد ميناء راس لانوف النفطي أحد أكبر الموانئ النفطية على الساحل الجنوبي لحوض البحر الأبيض المتوسط، كما يعد من أهم خمسة موانئ نفطية ممتدة على طول الساحل الليبي، وقد أكسبه موقعه الاستراتيجي في عمق خليج سرت أهمية خاصة.
مرسى البريقة
هو ميناء ومنطقة صناعية نفطية تقع في خليج سرت في أقصى نقطة جنوبي البحر المتوسط ويبعد نحو 600 كم شرق العاصمة طرابلس.
يحوي المرسى المصفاة الرئيسية لتكرير النفط بمنطقة البريقة والتي تملكها شركة سرت للنفط، تعتبر شركة تابعة للمؤسسة الوطنية للنفط المملوكة للدولة الليبية.
خلال عقدي الستينات والسبعينيات كانت المصفاة تدار بشراكة رئيسية مع شركة النفط الأمريكية العملاقة إيسو، وفي أوائل الثمانينيات غادرت إيسو لتتولى شركة سرت للنفط كامل المسؤولية عن المصفاة.
وتوجد بمرسى البريقة اليوم عدة مصانع، من بينها مصنع الغاز، مصنع الأمونيا الأول والثاني، مصنع الميثانول الأول والثاني، مصنع سماد اليوريا الأول والثاني بالإضافة إلى محطة كبس الغاز المتجه إلى بنغازي وطرابلس.
ميناء السدرة النفطي
أحد موانئ تصدير النفط الليبية الرئيسية وأكبرها، يبعد حوالي 180 كم شرقي سرت، ويستخدم في تصدير النفط الليبي عبر خطوط أنابيب لنقل النفط من الجنوب تصل مساحتها لنحو 1400 كم.
ويعتبر ميناء السدرة من بين مرافقه 4 مراسٍ مجهزة لسفن الشحن، و19 خزاناً بسعة تخزينية تصل لـ6.2 مليون برميل من النفط الخام.
اتفاق مصري فرنسي أمريكي مع البعثة بشأن نفط ليبيا
صحيفة الغارديان البريطانية كشفت كواليس اتفاق قيد المناقشة بين مصر وفرنسا وأمريكا والبعثة الأممية على توزيع جديد لعائدات النفط مقابل إعادة فتحه.
ويقضي الاتفاق بأن عائدات النفط لن ترسل على الفور إلى البنك المركزي الليبي بطرابلس، وإنما تقسّم الإيرادات بين ما يصل إلى ثلاثة بنوك تمثل مناطق مختلفة، مع الاتفاق على عدم استخدامها لأغراض عسكرية، حسب الغارديان.
وتذكر الصحيفة أن ميليشيات حفتر قد تكون مستعدة لإنهاء حصارها لحقول النفط في البلاد وفتح الطريق أمام وقف إطلاق النار، نتيجة للمحادثات بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا ومصر.
ولفتت الصحيفة إلى دخول قافلة من المرتزقة الروس من مجموعة فاغنر الأسبوع الماضي، "والتي يعتقد أنها تعمل بموافقة موسكو، حقل نفط شرارة برفقة مقاتلين سودانيين في استعراض للقوة لحماية الأراضي التي تسيطر عليها قوات تدعم حفتر".
تفويض قبلي لحفتر بعد ساعات من الكشف عن مفاوضات بشأن النفط
في السياق أعلن ما يُعرف بحراك المدن والقبائل الليبية تفويض خليفة حفتر بالتواصل مع البعثة الأممية والمجتمع الدولي، لإيجاد حلول لما سمّوه عدم وقوع إيرادات النفط في أيدي الميليشيات، حسب قولهم.
يأتي الإعلان بعد ساعات من كشف المؤسسة الوطنية للنفط عن مفاوضات أجريت بين حكومة الوفاق -معترف بها دولياً- ودول إقليمية بإشراف أممي الأسابيع الماضية لاستئناف إنتاج النفط.
ودعت المؤسسة إلى اتفاق يتضمن توزيعاً عادلاً للنفط وحماية القطاع النفطي، وعدم عسكرته وتوظيفه سياسياً؛ مطالبةً الدول الإقليمية بأن ترفع حصار النفط، وأن يُسمح للمؤسسة باستئناف عملها، وفق نص البيان.
اتهامات للمرتزقة بالعرقلة
من جانبه أكد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، تقاضي المرتزقة الأجانب والمسلحين المال لأجل عرقلة ومنع المؤسسة عن أداء أعمالها، خصوصاً عمليات الصيانة اللازمة للمعدات.
وأضاف رئيس المؤسسة في لقائه مع سفير الاتحاد الأوروبي آلن بوجيا، أن تلك المعدات تأثرت بسبب الإقفال القسري الذي دام 162 يوماً، والذي تستفيد منه دول أخرى منتجة للنفط مستغلة غياب الإنتاج النفطي الليبي.
فيما توعد وكيل وزارة الدفاع بحكومة الوفاق صلاح النمروش بعدم السماح باحتلال المرتزقة والعصابات الإجرامية لقوت الليبيين.
مشدداً في تصريحات إعلامية على أن حكومة الوفاق لن تسمح بجعل تلك الموارد مصدر استغلال أو ابتزاز، وأنهم سيبعدون عنها أيادي العابثين.
في وقت يرى فيه محللون من بينهم المحلل عمر التهامي أن محاولة مرتزقة فاغنر الانتشار والإيحاء بسيطرتهم على حقول النفط مغامرة سياسية لرفع سقف المفاوضات حال طلب منهم الانسحاب من الأماكن التي سيطروا عليها مؤخراً.
وأن الحقول التي تقع في نطاق سيطرة فاغنر هي حقول إما تمتلكها دول أوروبية أو تشرف على تشغيلها بعقود رسمية مع الدولة الليبية، وأن حكومة الوفاق هي الجهة الرسمية الوحيدة المخولة بتوقيع عقود جديدة للتنقيب أو تطوير حقول النفط في ليبيا ولا تستطيع فاغنر وحتى الدولة الروسية السيطرة عليها ومنع التصدير منها.