بين العمل بالسُّخرة أو الاستغلال الجنسي.. الأطفال اللاجئون دون عائلاتهم باليونان يعانون بصمت

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/06/30 الساعة 09:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/30 الساعة 09:25 بتوقيت غرينتش
أطفال لاجئون يشاهدون رسوم كرتونية بتنظيم من مجموعات تضامنية وسط أثينا/GREECE-MIGRATION-RIGHTS

وصل إحسان ذو الـ16 عاماً إلى أثينا في فبراير/شباط لكن لم يكن لديه مكانٌ يقيم فيه. وقال إحسان لمجلة Foreign Policy الأمريكية، الذي غُيّر اسمه لحماية هويته، مستذكراً الأسابيع الأولى له في اليونان: "اعتدت قضاء الليل جالساً في الحافلة بينما تجوب المدينة. كنت أخاف الخلود للنوم". 

وعقب أسابيع قليلة من وصول إحسان إلى اليونان، تفشت جائحة فيروس كورونا المستجد داخل الدولة وتوقفت حركة الحافلات. لذا بدأ إحسان يقضي لياليه في ميدان فيكتوريا، على بعد أقل من ميل من ملاجئ الأطفال التي تحولُ بينها وبينه قوائم الانتظار. وهناك كان إحسان معرضاً للسرقة وملاحقات الشرطة وحتى الاعتقال إذا عُثِر عليه وهو لا يحمل بطاقة طلب اللجوء.

وبعدما حالت عمليات الإغلاق الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد بين اللاجئين والموارد الضئيلة المُوَفَّرة لهم في اليونان، تعهدت الحكومات الأوروبية بإعادة تسكين 1600 طفل غير مصحوبين بذويهم من الجزر اليونانية. لكن لم يُمنَح أي اهتمام يُذكر للأطفال اللاجئين مثل إحسان الموجودين في البر اليوناني الرئيسي.        

لكن هذا ما حدث بعد كورونا

عندما أثرت حالة الإغلاق سلباً على الاقتصاد اليوناني الذي يعاني بالفعل، ازداد تضاؤل مراكز الشباب، ومواقع توزيع الطعام، ومرافق النظافة المتاحة للأطفال غير المصحوبين بذويهم في البر الرئيسي. وحتى قبل تفشي الجائحة، اعتمد العديد من هؤلاء الأطفال على المهربين الذين أحضروهم إلى اليونان لتجنب التشرد من خلال توفير فرص عمل غير رسمية وأماكن إقامة غير مسجلة. لكن تدابير الوقاية من فيروس كورونا المستجد زادت من هذا الاعتماد عن طريق تقييد فرص الأطفال للوصول إلى الملاجئ التي توفرها المنظمات غير الحكومية وبرامج حماية الطفل. وقد أدى ذلك بدوره إلى زيادة تعرضهم للاستغلال على أيدي المهاجرين البالغين والسكان المحليين اليونانيين الذين يعرضون أموالاً مقابل أعمال غير مُوثَّقَة أو أنشطة جنسية.

نحو 5000 طفل غير مصحوبين بذويهم

وإجمالاً، كان الوعي العالمي بشأن الأطفال الذين يدخلون عبر الحدود البرية محدوداً نسبياً؛ مما أدى إلى تباين في الخدمات المتاحة للأطفال غير المصحوبين بذويهم في الجزر وأولئك الموجودين في البر الرئيسي. فبينما يُنقَل الأطفال في الجزر إلى المخيمات، ويُسجلون لدى المنظمات غير الحكومية، ويوضعون في ملاجئ الأطفال، يشق الأطفال الذين يعبرون الحدود البرية طريقهم إلى أثينا من دون أية وثائق أو مساعدات إنسانية.

وفي أثينا، يعاني أغلب هؤلاء الأطفال من التشرد أو يقيمون في مساكن غير رسمية إلى أن يتمكنوا من الوصول إلى ملجأ للأطفال. وحتى فبراير/شباط، لم توفر اليونان أماكن إيواء إلا لـ30% فحسب من الأطفال اللاجئين غير المصحوبين بذويهم إليها البالغ عددهم 5379 طفلاً.

من جانبها، تحيل شبكة حقوق الأطفال -وهي وكالة لحماية الأطفال في أثينا- الأطفال غير المصحوبين بذويهم إلى الملاجئ، وتوفر لهم خدمات لإدارة الحالات إلى أن يحين دورهم على قوائم انتظار الملاجئ. والغالبية العظمى من الأطفال الذين تعمل معهم هم من الأولاد الذين عبروا الحدود البرية لليونان. لكن بسبب الجائحة، اضطرت هذه الوكالة، مثل معظم المنظمات اليونانية، إلى تقليص عملياتها بدرجة كبيرة.

"بلا مأوى، بمفردهم تماماً"

يقول رضوان محمد، الوسيط الثقافي بشبكة حقوق الأطفال: "كل ما يمكنني فعله لهم هو إحالتهم للملاجئ عبر الإنترنت، لا شيء أكثر". وخلال حالة الإغلاق في اليونان في شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان، توقفت ملاجئ الأطفال عن قبول المقيمين الجدد؛ مما أجبر الأطفال المُدرَجين في قائمة الانتظار على البقاء في الشوارع حتى عندما تتوفر أسرّة لهم. وأضاف محمد: "أولئك الذين بلا مأوى، كانوا بمفردهم تماماً".

وتابع محمد: "إنَّ مراكز الشباب التي وفرت أماكن آمنة لعشرات الأطفال المشردين أصبحت لا تقدم الآن سوى خدمات أساسية مثل الاستحمام وغسيل الملابس لـ4 إلى 5 فتيان في اليوم. ولاحتواء انتشار فيروس كورونا المستجد، تحدد معظم المنظمات عدد الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا في المكتب في وقت واحد. عادةً ما يُمنَع الأطفال غير المصحوبين الذين ليسوا عملاء ثابتين من دخول المكاتب ويُطلَب منهم التواصل بالموظفين عبر الإنترنت. وهذا يشكل حواجز إضافية للأطفال الذين لا يستطيعون الوصول إلى الهواتف أو أجهزة الكمبيوتر".

إلى جانب ذلك، يمثل الطعام الحاجة الأكثر إلحاحاً للأطفال اللاجئين المشردين، خاصة بعدما أغلقت مراكز الشباب التي عادةً ما تقدم وجبات الطعام لهؤلاء الأطفال. وأغلقت المقاهي كذلك أبوابها؛ مما يجعل من المستحيل عملياً شراء وجبات خفيفة أو أية وجبة حتى لو كان بإمكان الأطفال الحصول على بعض المال.

وفي هذا السياق، قال تاسوس سميتوبولوس، مؤسس منظمة STEPS لدعم المشردين في أثينا: "اتصلوا بنا لطلب أشياء بسيطة وأساسية؛ هي الطعام والماء. كل شيء مغلق، وليس لدى هؤلاء الفرصة لكسب أي مال".

الاستغلال الجنسي والعمل بالسخرة

بدوره، قال محمد: "تحدثت إلى طفل اليوم كان يعيش في حظيرة مع 50 شخصاً من البالغين والقاصرين معاً. وفي مثل هذه الحالات، هناك دائماً خطر التعرض للاستغلال الجنسي. وغالباً ما يكون المتعاقدون من الباطن هم مرتكبي العنف الجنسي؛ لأن لديهم الكثير من السلطة على الأولاد". وكان إحسان نفسه قد فرّ من عمله في المزارع عندما حاول عامل كبير التحرش به.

أما الأطفال غير المصحوبين بذويهم، الذين بإمكانهم الحصول على بعض النقود سواء من خلال أرباحهم الخاصة أو من خلال التحويلات المالية التي يرسلها أفراد العائلة الذين يعيشون في الخارج، فيلجأون إلى المهربين عندما لا يتمكنون من الوصول إلى أماكن إقامة. وفي جميع أنحاء اليونان، يدير المهربون منازل غير آمنة حيث يمكن للاجئين -رجال وأطفال على حد سواء- الإقامة مقابل 10 يورو في الليلة. وهذه عادةً ما تكون شقق متداعية ذات مرافق نظافة محدودة، وما يصل إلى 20 شخصاً في الغرفة الواحدة.

طالما أنَّ برامج حماية الطفل غير كافية لتلبية احتياجات الأطفال اللاجئين غير المصحوبين بذويهم، فستتغلب عليها اقتصادات السوق السوداء، من خلال توفير أماكن إقامة وأجور مقابل أعمال محفوفة بالمخاطر. وهذا لن يُعرض الأطفال لخطر متزايد من الاستغلال الجنسي والاستغلال في الأعمال الشاقة فحسب، بل سيسحب الأموال من الأعمال اليونانية المحلية ويعزز الأنشطة غير القانونية والجريمة المنظمة.

علامات:
تحميل المزيد