الارتفاع القياسي في أعداد الإصابة بعدوى فيروس كورونا في الولايات المتحدة تضع الرئيس دونالد ترامب تحت مزيد من الضغوط قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية، وآخر تلك المآزق التي يواجهها ساكن البيت الأبيض الأكثر جدلاً في التاريخ تتعلق بالكمامة، فما القصة هذه المرة؟
كيف تحولت الكمامة لقضية سياسية؟
يمكن القول إن قصة ارتداء الكمامة أو عدم ارتدائها هي ذاتها قصة الوباء وفصولها وتعامل ترامب معها تكاد تتطابق مع فصول تعامل الرئيس الجمهوري مع معركة الوباء؛ حيث بدأت بالتجاهل والتهوين ثم تطورت إلى الادعاءات غير العلمية، ومنها إلى الادعاءات أن الولايات المتحدة نجحت في حرب الوباء، والآن بينما تجاهل الرئيس الحديث عن الوباء بعد الزيادة المرعبة في عدد الإصابات وسرعة التفشي، لا يمتلك خيار تجاهل قصة الكمامة بعد أن تحولت لقضية جدلية شائكة في معركة الانتخابات الرئاسية.
أمس الأحد 28 يونيو/حزيران، طالب نائب الرئيس مايك بنس الأمريكيين بضرورة ارتداء الكمامة حتى يمكن السيطرة على تفشي الوباء، وهذه المطالبة جاءت أثناء وجود بنس في تكساس مع حاكم الولاية الجمهوري جريج أبوت وتعتبر تحولاً كاملاً في موقف بنس، الذي يسير على خطى ترامب ويرفض ارتداء الكمامة.
السبب في هذا التحول هو الارتفاع القياسي لإصابات كورونا في ولاية تكساس، التي سجلت حتى اليوم الإثنين 29 يونيو/حزيران أكثر من 153 ألف إصابة وأكثر من 2400 وفاة، وبدأ منحنى الإصابة فيها في الارتفاع بصورة قياسية منذ 16 يونيو/حزيران الماضي، فيما يرجعه مسؤولو الصحة للإجراءات التي اتخذها أبوت في رفع قواعد الإغلاق بصورة سريعة وغير محسوبة.
وعلى الرغم من أن بنس حاول أن يتجنب وضع ترامب في مأزق بسبب قضية ارتداء الكمامة، إلا أن القضية فرضت نفسها بصورة جعلت رئيس لجنة الصحة والتعليم والعمل والمعاشات في مجلس الشيوخ وهو السيناتور الجمهوري لامار أليكساندر يطالب ترامب بإظهار روح القيادة الحقيقية في مسألة ارتداء الكمامة.
"لو أن ارتداء الكمامات أمر هام لاحتواء الوباء، وهذا ما يقوله جميع مسؤولي الصحة، من المفيد أن يقوم الرئيس من وقت لآخر بارتداء الكمامة حتى يساعد على التخلص من الجدل السياسي بشأن أن مناصري ترامب لا يرتدون الكمامة ومعارضيه هم من يرتدونها"، بحسب أليكساندر رداً على سؤال في أحد برامج شبكة CNN مساء أمس الأحد.
سخرية من منافسه
كان ترامب قد أعلن مراراً منذ مارس/آذار الماضي رفضه القاطع ارتداء قناع الوجه أو الكمامة، قائلاً إن ذلك يعطي انطباعاً بالضعف أو الخوف، وهو ما انعكس على الإرشادات الصحية التي أصدرتها إدارته، حيث رفضت في البداية أن تنصح بارتدائها ثم تحول ذلك إلى نصيحة غير ملزمة وصولاً إلى فرض ارتدائها في الأماكن المغلقة وأماكن العمل.
وكنتيجة لذلك الموقف، أصبح ارتداء الكمامة – من وجهة نظر ترامب – موقفاً سياسياً بل وقال نصاً إن "من يرتدون الكمامة من المسؤولين في إدارته يحاولون أن "يتسببوا في ضرر سياسي لي"، ومع التفشي الكبير للوباء في الولايات المتحدة، وإصرار الرئيس على رفع إجراءات الإغلاق الاقتصادي مما أدى لعودة أرقام الإصابات إلى ارتفاعات قياسية، عادت قضية الكمامة إلى الواجهة بصورة قد لا يتمكن ترامب من تجاهلها.
فقبل نحو شهر، أعاد ترامب نشر تغريدة تسخر من منافسه الديمقراطي جو بايدن بسبب ارتداء الأخير للكمامة في أحد التجمعات، وهو ما أثار عاصفة من الجدل جعلت من ارتداء الكمامة قضية انتخابية، قبل أشهر قليلة من انتخابات يتوقع لها أن تكون الأشرس على الإطلاق في تاريخ الولايات المتحدة منذ تأسيسها.
قرار بايدن ارتداء الكمامة متناقض تماماً مع قرار ترامب وهو ما فسره المراقبون على أنه امتداد لحالة الاستقطاب الحاد الذي تشهده أمريكا منذ وصول ترامب للبيت الأبيض قبل أربع سنوات، على الرغم من أن الوباء الذي أصاب أكثر من مليونين و645 ألف أمريكي وأودى بحياة أكثر من 128 ألفاً قضية صحية عالمية كان يفترض أن تشهد تعاون الجميع في وجه أسوأ أزمة صحية تواجه العالم منذ أكثر من قرن من الزمان.
والآن يجد ترامب نفسه في مأزق حقيقي بسبب قضية الكمامة؛ ففي حالة العمل بنصيحة رئيس لجنة الصحة في مجلس الشيوخ وتوجيه رسالة واضحة للأمريكيين بضرورة ارتداء الكمامة، يكون قد تراجع عن موقفه وربما يغضب مناصريه المتعصبين ويقدم فرصة ذهبية لحملة بايدن للتأكيد على "قيادة المرشح الديمقراطي الحكيمة التي تحتاجها البلاد".
وفي حالة تجاهل ترامب القضية – كما تتوقع الغالبية من المراقبين والمحللين بناءً على شخصية الرئيس العنيدة – ومواصلة أرقام الإصابات بالعدوى الارتفاعات القياسية الحالية، يخاطر الرئيس بوصول الأمور لدرجة قد تضطر بعض الولايات لإعادة فرض إجراءات الإغلاق، وهو ما حدث بالفعل في كاليفورنيا وفلوريدا من إعادة إغلاق للمطاعم والحانات، وهو ما قد يمثل ضربة قاضية تنهي ما تبقى لترامب من آمال في الفوز بفترة رئاسية ثانية.