انتشرت في الولايات المتحدة بصورة ملحوظة، الجرائم العنصرية التي تستهدف الأمريكيين من أصل آسيوي، تزامناً مع انتشار جائحة كورونا، لتصبح "الصينوفوبيا" أحدث الاختراعات والمنتجات الأمريكية بعد الإسلاموفوبيا والعنصرية ضد السود، فما هي القصة وما جذورها؟
موقع Responsible Statecraft الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "ادهسوهم.. موجة جديدة من (الصينوفوبيا) ومخاطرها علينا جميعاً"، ألقى الضوء على أصل المصطلح وكيف بدأ وكيف يتم توظيفه سياسياً ومخاطره على الجميع.
كذبة بيولوجية
أعمال عنف جسدي وترهيب لفظي ونشر للكراهية ضد الصينيين والأمريكيين من أصلٍ آسيوي تقع بوتيرة مقلقة في أنحاء الولايات المتحدة. منذ بدء الأزمة الصحية، تم الإبلاغ عن ألف فعلٍ عنصري ضد الأمريكيين من أصلٍ آسيوي.
يحمّل التنميط العنصري الصين كجماعة عرقية مسؤولية أزمة كوفيد-19، رغم رفض منظمة الصحة العالمية وقادة العالم المسؤولين الربط بين الفيروس والشعب الصيني أو أي شعب آخر. إنّ كذبة العنصرية البيولوجية المخيفة تجري إعادة إحيائها الآن.
وفي الأيام الأولى من استجابة الولايات المتحدة للجائحة، أصر الرئيس ترامب عمداً، مراراً وتكراراً، على تسمية كوفيد-19 بـ"الفيروس الصيني"، وهذه اللغة، حين تصدر عن أكثر الأشخاص نفوذاً في العالم، أخطر مثال على البحث عن كبش فداءٍ لأغراض سياسية، تُظهر الملاحظات التي ألقى منها ترامب خطابه، أنه قد شطب كلمة "كورونا"، ووضع مكانها "صيني". ويقول ترامب والمدافعون عنه، إن استخدامه للمصطلح لا علاقة له بالعِرق. إنه فقط "دقيق" في كلامه، كما يزعمون. فقد جاءت العلة من الصين.
توظيف سياسي
لكن "الصيني" ليس مكاناً؛ بل شعب وثقافة ولغة ومجتمع. واستعمال ترامب لكلمة "الصيني" يغذي مشاعر الخوف من الغير وأفكار من لا يرون أي فارق بين الأمريكيين من أصل صيني ومن يعيشون بالصين. وفي الأيام الماضية، عاد ترامب لاستعمال المصطلح وقال إن الأمريكيين من أصل صيني ليسوا المسؤولين عن الأزمة، وإنهم "أشخاص رائعون". والمفترض أن يشكره الأمريكيون من أصلٍ صيني على كرمه.
لكن الضرر قد وقع بالفعل: فالأمريكيون من أصلٍ صيني وآسيوي ما زالوا يتعرضون للاعتداء، ويقع عليهم الأذى في الشوارع. إنهم لا يأمنون على أنفسهم، بعضهم بدأ في شراء الأسلحة بوتيرة غير مسبوقة؛ خشية يومٍ يحتاجون فيه الدفاع عن أنفسهم من اعتداءٍ جماعي من الحشود الغاضبة. وفي سان فرانسيسكو قبل وقتٍ قريب، سمعت امرأة أمريكية من أصلٍ صيني، بينما تنتظر على الرصيف لكي تعبر الشارع، واحداً من المارة ينادي حافلة في الطريق: "ادهسوهم"! وشعرت المرأة ببصاق الرجل العنصري المقزز مع مرور الحافلة سريعاً أمامها.
هذه الشيطنة العنصرية لن تنتهي بسهولة
لأن بيئة تاريخية خصبة تتوافر لها بالولايات المتحدة، فكراهية الصينيين لم تختفِ قط منذ أن ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر، حين وصل الصينيون، لأول مرة، إلى الولايات المتحدة.
وقد واجه أول الوافدين الصينيين تصنيف الأمريكيين لهم على أنهم مصدر الوباء والمرض في البلاد، وقال العنصريون حينها، إن الصينيين تتفشى فيهم الأمراض، وينشرون الجدري والأمراض المعدية المنقولة عن طريق الجنس، ويمثلون خطراً على الصحة العامة لأمريكا البيضاء.
وقد اتهمت الحركة المنظَّمة المناهضة للصينيين، والتي بلغت أوجهها في سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر، الصينيين بأنهم تهديد ثقافي وبيولوجي، وأنهم مصدر البطالة المتفشية عند البيض، لأنهم ينافسون على الوظائف.
وسعى المصابون برهاب الصينيين من بوسطن إلى سان فرانسيسكو، إلى طرد الصينيين من البلاد أو على الأقل عزلهم باعتبارهم عدوى اجتماعية تهدد بقاء أمريكا البيضاء، وقد طبقت الحكومة الفيدرالية بدءاً من العام 1882، مجموعة من قوانين إقصاء الصينيين الهادفة إلى إبعاد الصينيين عن البلاد وحرمانهم من الجنسية، وظلت هذه القوانين سارية ستين عاماً.
أهداف اقتصادية
وقد استغل صامويل غومبرز، القيادي العمالي الأمريكي الشهير، هذا الخوف العميق حين سمى مساره السياسي الداعم لإقصاء الصينيين "اللحم ضد الأرز: الرجولة الأمريكية في مواجهة العمالة الآسيوية الرخيصة. من سينتصر؟". والإجابة واضحة جلية بالنسبة له: ينبغي للولايات المتحدة أن تستعمل أي وسيلة ممكنة لحماية نفسها من الآسيويين المنحطين والخطرين.
إن التحيز ضد الصينيين لم يكن أمريكياً فقط، بل كان منتشراً بأنحاء العالم الغربي واتخذ أبعاداً دولية في أوائل القرن العشرين، فقد تمت تسمية الصين "رجل آسيا المريض"، والإمبراطورية العثمانية المترنحة "رجل أوروبا المريض"، واعتبرت أوروبا الإمبراطوريتين متداعيتين وعديمتي الكفاءة، لكن المصطلح اتخذ في الحالة الصينية بُعداً اجتماعياً، مع تزاوج الاتهامات بالتراجع السياسي مع الفساد الاجتماعي والعنصري. إن الشعب الصيني، كما اعتبروه حينها، عنصر "مريض".
وقد أعادت صحيفة وول ستريت جورنال إحياء هذه الإساءة حين نشرت مقالاً افتتاحياً مستفزاً بعنوان "الصين هي رجل آسيا المريض الحقيقي".
ترامب والصينوفوبيا
وقد غذى ترامب مشاعر الصينوفوبيا في بداية حملته للترشح للرئاسة، فقد أعلن أن الصينيين اختلقوا خرافة التغير المناخي ليُضعفوا الصناعة الأمريكية، وقال إن سرقة المعلومات الصناعية على نطاقٍ غير مسبوق، تعد "اغتصاباً" للولايات المتحدة، وإن النزاع التجاري الحالي حربٌ ليست اقتصادية فقط، بل حربٌ على مستقبل رفاهية العالم، وفي الأزمة الطبية الحالية، أقسم الرئيس ترامب على "هزيمة" الفيروس "الأجنبي" الذي أصاب البلاد.
هذه كلمات قتالية. لكننا لسنا في حاجة إلى تحديد المجرمين وإلقاء اللوم. فالفيروس لا يعرف الحدود الوطنية. ليست للفيروس جنسية أو هوية عرقية. الفيروس لا يتحدث أي لغة ولا يحمل جواز سفر. إن الفيروس خطرٌ عالمي على البشرية بأَسرها. وما نحتاجه الآن هو التعاون وتضافر الجهود الدولية؛ من أجل مجابهة هذا التحدي الصحي غير المسبوق.
ربما تدفع الاتهامات العرقية ونشر الخوف بأجندة سياسية، لكنها تُضعف جهود مجابهة الخطر الوجودي الذي سيواجهه العالم بالمستقبل القريب. في هذه الأزمة، لا يمكن أن تحل الولايات المتحدة الأزمة من جانبٍ واحد أو على مستوى وطني. فلا يمكن أن تصبح الولايات المتحدة "عظيمة" إن واجهت كوفيد-19 وحدها.