قبل أكثر من سبعين عاماً تسببت الحرب في شبه الجزيرة الكورية في انفصال الشمال والجنوب، فلماذا تسميها الصين "حرب مقاومة العدوان الأمريكي" حتى الآن؟ وكيف انعكست تلك الحرب على الصراع الحالي بين بكين وواشنطن؟
مجلة The Diplomat الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "حرب مقاومة أمريكا": كيف تتذكر الصين الحرب الكورية"، ألقى الضوء على التسمية المختلفة لتلك الحرب في واشنطن وفي بكين، وتداعياتها على شكل العلاقة بينهما، وصولاً للحرب الباردة الحالية.
أول حرب بالوكالة بينهما
مثّلت الحرب الكورية (1950-1953)، التي بدأت قبل 70 عاماً، أول انقسام بين واشنطن وبكين، وكانت بداية لعشرين سنة من القطيعة بينهما، وبالنظر إلى مدى مأساوية تلك الحرب -وكيف ما يزال إرثها ملازماً لشمال شرق آسيا- يجدر بنا تأمُّل الطريقة التي تشكل بها ذاكرتها الجماعية وجهات النظر في الحاضر والمستقبل، والطريقة المختلفة بالكامل التي تحيي بها الصين ذكرى هذه الحرب، وكيف أن هذه الذكرى تعكس رؤى مختلفة للعلاقات الأمريكية الصينية، ومصير منطقة آسيا والمحيط الهادي هو درس يتجاهله الأمريكيون على مسؤوليتهم الخاصة.
ينظر الأمريكيون إلى كوريا على أنها "الحرب المنسية"، صراع بعيد طغت عليه في الذاكرة الشعبية الحرب العالمية الثانية، وحرب فيتنام، والصراعات الأخيرة في الشرق الأوسط، ولكن في الصين تحتل الحرب الكورية مكانة بارزة في الذاكرة الشعبية، وتخدم غرضاً سياسياً لا يوجد ما يماثله في أمريكا، هل يحمل الاسم أهمية؟ الكثير منها، فبينما يستخدم الأمريكيون المصطلح المحايد "الحرب الكورية" لا تشوب تسمية جمهورية الصين الشعبية للحرب أي غموض: "حرب مقاومة أمريكا ومساعدة كوريا".
تجاهل أمريكي مقابل اعتزاز صيني
وتتناقض هذه اللامبالاة الأمريكية تناقضاً كبيراً مع الموقف الرسمي لجمهورية الصين الشعبية، والذي يمكن تلخيصه على هذا النحو: صمدت الصين في وجه العدوان الأمريكي، وأرسلت متطوعين للدفاع عن السيادة الإقليمية للصين، و"أجبرت" الولايات المتحدة على التوقيع على هدنة، وفي هذه الرواية لم تكن هذه الحرب عادلة فحسب، بل كانت أيضاً اختباراً حيوياً لجمهورية الصين الشعبية الجديدة، وفي النهاية، "انتصاراً" على عدو متفوق تقنياً.
ولا يُنكر أحد أن الجنود الصينيين حاربوا بشجاعة، لكن هذا المنظور الرسمي للحرب يتجاهل منشأ الحرب بتوصيف مبهم، يشير ضمناً إلى أن الولايات المتحدة هاجمت الصين، ويقلل بشكل كبير من الحجم الحقيقي لعدد الضحايا الرسمي للصين، فبزعمها أنها حرب دفاعية لصد "العدوان الأمريكي"، تتجاهل العديد من الدول الأخرى التي انحازت إلى كوريا الجنوبية. وأشار الباحثان الصينيان تشيهوا شين ويافينج شيا إلى أن هذا الزعم يغض الطرف عن دور بكين في إطالة محادثات الهدنة التي استمرت عامين كاملين.
أهميتها: الوحدة الوطنية ضد عدو مشترك
في الصين اليوم، تمثل الحرب الكورية رمزاً شاملاً مفهوماً للوحدة الوطنية ضد العدوان الأمريكي، ويصف اختبار صيني تقليدي لمدرسة ابتدائية الحرب الكورية بأنها "حرب عادلة لصد العدوان" ويُحمِّل "الإمبريالية الأمريكية" مسؤولية "إشعال نار الحرب على حدود الصين". ويوضح أحد كتب التاريخ الدراسية أن "غزو الولايات المتحدة كان يهدد أمن الصين بشكل خطير".
وفي حين أنه لا يوجد في أمريكا من يشير إلى الصين علناً بأنها العدو السابق للولايات المتحدة، لا نجد في الصين إحجاماً مماثلاً يمنعها من إحياء ذكرى الحرب. ويتناقض احتفال الرئيس باراك أوباما عام 2013 بالهدنة، التي لم يذكر فيها حتى خصماً، مع تأكيد نائب الرئيس آنذاك شي جين بينغ عام 2010 على أن "الغزاة الإمبرياليين فرضوا هذه الحرب على الشعب الصيني". وقال شي إن إدارة ترومان "أرسلت قوات لتنفيذ تدخل مسلح وإشعال الحرب الكورية"، وشنت هذه القوات "غارات جوية لقصف مدننا وقرانا الشمالية الشرقية، وأوصلت الحرب إلى أراضي" جمهورية الصين الشعبية. والصين، "مدفوعة بقضية عادلة… أرسلت جنوداً متطوعين لمقاومة أمريكا لأن الأمور تجاوزت حدود ضبط النفس".
ولما كانت الحرب بمثابة استعارة جاهزة للعداء الأمريكي، تُعاود هذه الصورة الظهور من جديد في أوقات التشاحن بين الولايات المتحدة والصين. ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، انتقدت صحيفة Global Times التابعة للحزب الشيوعي السيناتور تيد كروز، لرعايته مشروع قانون تايوان، محذرةً من أنه "إذا كان كروز يفهم القليل عن الحرب الكورية التي وقعت في الخمسينيات، فسيكتشف مقدار ما دفعته الولايات المتحدة القوية للتقليل من عزم الصين".
وثبت أن هذه الرمزية مفيدة أيضاً في الحرب التجارية، حيث إنها تصور أمة تدافع عن نفسها ضد التنمر الأمريكي غير المبرر. وذكر مقال افتتاحي في صحيفة Global Times عام 2018، أنه يجري التخطيط لقرار استراتيجي في الصين، وهو التصدي للعدوان التجاري لإدارة ترامب بالطريقة نفسها التي قاتلت بها البلاد القوات الأمريكية خلال الحرب الكورية، وهو صراع قوّض "غطرسة واشنطن الاستراتيجية". وخلال العام الماضي، عرض التلفزيون الصيني سلسلة من أفلام الحرب الكورية يُفترض بها توحيد الأمة لدعم الحرب التجارية.
ربما لا تعني هذه المشاعر الكثير. ففي النهاية يوجد خط رفيع بين الدبلوماسية الشعبية والدعاية، لكن الذاكرة الجماعية قد تحمل أهمية. وللأمريكيين مطلق الحرية في نسيان الحرب الكورية، ولكن لا ينبغي لهم افتراض أن كل شخص آخر في العالم فعل أيضاً.