تشهد صناعة النفط الليبية حالةً من الانهيار بعد تسعة أعوامٍ من إهمال الصيانة في ظلِّ حربٍ أهلية أودت بحياة الآلاف ودمَّرَت العديد من البلدات عبر أرجاء ليبيا.
أدَّى الافتقار إلى الصيانة الأساسية إلى تآكل خطوط الأنابيب وتداعي الخزانات. وقال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، التي تديرها الدولة، لوكالة Bloomberg الأمريكية، إن أعمال الصيانة في الآبار وحدها قد تكلِّف أكثر من 100 مليون دولار، وهذه أموالٌ لا تستطيع الدولة تحمُّلها.
ويعني هذا الدمار أن ليبيا، رغم أنها تحوز أكبر احتياطي للنفط الخام في إفريقيا، سوف تكافح من أجل زيادة الإنتاج سريعاً، حتى لو انخفضت حِدَّة الصراع في وقتٍ قريب، حسب ما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
معركة حاسمة لمستقبل صناعة النفط الليبية
ويستعد المقاتلون الآن لما يمكن أن تكون معركةً حاسمةً في سرت، وهي مدينة تبعد حوالي ساعتين مِمَّا يُطلَق عليه "الهلال النفطي" في ليبيا، وهو سلسلةٌ من محطات تصدير معظم النفط الخام في البلاد.
تنتج ليبيا 90 ألف برميل نفط يومياً. وهذا مجرد جزء من الـ1.6 مليون برميل التي كانت تضخها شركاتٌ مثل Eni SpA وRepsol SA بالشراكة مع المؤسسة الوطنية للنفط قبل إطاحة معمر القذافي في 2011 والحرب الكارثية التي أعقبت ذلك. وحتى الآن تنجح المؤسسة الوطنية للنفط عادةً في استعادة العمليات سريعاً بعدما استعادت السيطرة على منشآت النفط التي أُغلِقَت نتيجة القتال. غير أن هذه القدرة تتلاشى الآن.
قال مصطفى صنع الله، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، في ردٍّ مكتوبٍ على الأسئلة المُوجَّهة له من قبل بلومبيرغ: "كلَّما انتظرنا أكثر، ارتفعت التكاليف وعظُمَ الضرر". وأضاف: "إنها مأساةٌ على الشعب الليبي أن سُمِحَ للعبة السياسية أن تسبِّب مثل هذا الضرر لبنيتنا التحتية الوطنية شديدة الأهمية".
وأدَّى الاضطراب السياسي إلى تقسيم ليبيا بين حكومةٍ معترف بها من الأمم المتحدة في العاصمة طرابلس، حيث تقع المؤسسة الوطنية للنفط، والإدارة المُنافِسة المتموقِعة في الشرق.
ومنذ يناير/كانون الثاني، حين أغلق مؤيِّدو القائد الشرقي خليفة حفتر أغلب الموانئ وحقول النفط في البلاد، انخفض الإنتاج اليومي بأكثر من مليون برميل.
ويبدو أن حكومة طرابلس، بقيادة فايز السراج، والمدعومة من تركيا، تحظى باليد العليا في ميدان المعركة. وقد صدَّت قواتها هجوم حفتر الغربي، بينما تقدَّمَت حتى مدينة سرت، على الساحل المركزي، والتي لا تزال في قبضة المتمرِّدين. وحين دعا حفتر، المدعوم من روسيا ومصر، إلى وقفٍ لإطلاق النار هذا الشهر، يونيو/حزيران، رفضت الحكومة، قائلةً إنها سوف تستولي أولاً على سرت وقاعدةٍ جوية تُدعى الجفرة.
كارثة في أكبر حقل نفطي بالبلاد
وأجبرت مجموعاتٌ مُسلَّحة حقل الشرارة للنفط، وهو الأكبر في ليبيا، على إيقاف الإنتاج، مرتين هذا الشهر، وأغلقوا أيضاً حقل الفيل المجاور. وأُعيدَ فتح كلا الحقلين، الواقعين في الجنوب الغربي، بعد التوقُّف عن العمل في يناير/كانون الثاني.
وتسبَّبَ عجز المؤسسة الوطنية للنفط عن الوصول إلى حقل الشرارة في منع العمال من حقن المواد الكيميائية في أحد خطوط الأنابيب من أجل منع تآكله.
وقال صنع الله إن خزاناً سعته 16 ألف برميل من شأنه أن يتعامل مع التدفُّقات الزائدة أو زيادة الإنتاج قد انهار الشهر الماضي، مايو/أيَّار، نتيجة ذلك.
وقال: "نحن قلقون بعمقٍ بشأن التآكل في خطوط الأنابيب". وأضاف: "وبسبب اضطراب الصادرات، ظلَّ النفط الخام في خطوط الأنابيب، الأمر الذي له عواقب بيئية، علاوة على عواقب أخرى ليس من السهل التعامل معها".
ثمانون موضع تسريب
تلقي شركة الهروج للعمليات النفطية، وهي مشروعٌ مشترك بين المؤسسة الوطنية للنفط وشركة سنكور الكندية للطاقة، اللوم على التآكل في ما لا يقل عن 80 موضع تسريب في منشآتها من يناير/كانون الثاني إلى مايو/أيَّار، على حدِّ قول صنع الله. وتصدِّر شركة الهروج النفط الخام من ثالث أكبر ميناء نفطي في ليبيا، وهو ميناء راس لانوف.
وقال محمد دروزة، المُحلِّل بشركة Medley Global Advisors الاستشارية: "تراجع الإنتاج الليبي على مدار الأعوام التسعة الماضية. وتتطلَّب الكثير من الحقول صيانةً عاجلة، إذ لم يُصلَح الضرر الدائم الذي لحق بمستودعات التخزين في المحطات الشرقية بشكلٍ كامل، مِمَّا يحدُّ من سرعة تزايد إنتاج الحقول".
أدَّت عمليات الإغلاق المُطوَّلة إلى تقليل الضغط الذي تحتاجه الآبار من أجل إنتاح النفط. وفي مناسباتٍ سابقة، حين أُعيدَ فتح حقل الشرارة، استغرق الأمر أياماً معدودة فقط من أجل استعادة الإنتاج إلى حوالي 300 ألف برميل يومياً. وهذه المرة، وفقاً للمؤسسة الوطنية للنفط، سيحتاج الحفل إلى حوالي ثلاثة أشهر من أجل التعافي.
وتظلُّ كيفية الإنفاق على الإصلاحات سؤالاً مفتوحاً، إذ قالت المؤسسة الوطنية للنفط يوم الإثنين 22 يونيو/حزيران، إن إغلاق الحقول والموانئ على يد مؤيِّدي حفتر حَرَمَ ليبيا من 6 مليارات دولار من عائدات النفط المُحتَمَلة منذ يناير/كانون الثاني.
وقال بيل فارن برايس، مدير شركة RS Energy Group Canada الاستشارية، إن "الافتقار الممتد للتمويل والتأخير عدة سنوات في صيانة الحقول والأصول سيجعل تحدي استئناف العمل أكبر هذه المرة".
وقد تعرقل أيُّ زيادةٍ في الإمداد النفطي الليبي جهود تحالف أوبك+ للحدِّ من الإنتاج العالمي. وتسعى منظمة الدول المُصدِّرة للنفط وحلفاؤها، مثل روسيا، إلى استعادة توازن أسواق النفط الخام وتعزيز الأسعار، بعدما انهارت إثر تفشي فيروس كورونا المُستجَد هذا العام.
وزاد خام برنت بأكثر من الضعف منذ أواخر أبريل/نيسان، ولكن عند حوالي 40 دولاراً للبرميل لا يزال منخفضاً بنسبة 38% هذا العام.
وتُعَدُّ ليبيا، العضوة بمنظمة أوبك، معفاة من تخفيضات الإنتاج بسبب صراعها. وبالنسبة لمُحلِّلي وتُجَّار الطاقة، فإن الضرر الذي يصيب منشآت النفط الليبية تجعل من الأصعب التكهُّن بالوقت الذي سيُدشَّن فيه الإنتاج من جديد.
تجدر الإشارة إلى أن ثلاثة من داعمي حفتر هم من أكبر منتجي العالم، السعودية، روسيا، الإمارات، وهو ما يعني أن توقف النفط الليبي في صالحهم، لأنه سيمنع تراجع الأسعار.
وقال مُحلِّلون بمجموعة سيتي غروب، بمن فيهم المُحلِّل فرانشيسكو مارتوتشيا، في مذكرةٍ هذا الشهر: "حتى إن تم التوصُّل إلى اتفاق سلام، تظلُّ استمراريته وتأثيره غير مؤكَّدين". وأضافوا: "تواجه المؤسسة الوطنية للنفط انخفاضاً حاداً بمعدل 8% تقريباً في العام، مِمَّا يتطلَّب نفقاتٍ على رأس المال لتعويض ذلك بشكلٍ هامشي على الأقل".