كانت الخطوط الأمامية حول مدينة سرت التي ولد ومات فيها الديكتاتور السابق معمر القافي هادئة يوم الثلاثاء 23 يونيو/حزيران 2020، ويسيطر عليها الآن خليفة حفتر، لكن القوات الموالية لرئيس الوزراء المعترف به دولياً فايز السراج تستعد لاستعادتها، بعد نجاحها في التصدي لحصار العاصمة الذي دام 14 شهراً.
وتدعم روسيا ومصر، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة، قوات حفتر التي يقاتل إلى جانبها مرتزقة روس وأفارقة، في حين دفعت تركيا بدعم كبير خلف حكومة السراج التي تتخذ من طرابلس مقراً لها. وقد حذّر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يوم السبت 20 يونيو/حزيران، بعدما وصل القتال إلى طريق مسدود، من أن سرت "خط أحمر"، في إشارة إلى تدخله المحتمل.
لكن خطّ سرت الأحمر يُمثل معضلة لأنصار حفتر، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية، فبعد فشلهم في الاستيلاء على طرابلس، حاولوا الدفع بتسوية سياسية مع قائد عسكري مهم لحل المشكلة مثلما كان جزءاً منها. واتفق وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره المصري سامح شكري يوم الأحد 21 يونيو/حزيران، على أن "الحل العسكري ليس خياراً"، وفقاً لوزارة الخارجية في موسكو. لكن روسيا أرسلت أيضاً طائرات حربية لدعم قوات حفتر أثناء انسحابها واستعدادها في محيط سرت.
الهلال النفطي
ستكون المعركة على المدينة التي يسكنها حوالي 85 ألف شخص حاسمة في صناعة النفط، إذ إنها بوابة الهلال النفطي الأوسط والشرقي، حيث كان جزء كبير من إنتاج البلاد البالغ مليون برميل يومياً يُشحن إلى الأسواق العالمية. وهي تنتج الآن 90 ألف برميل فقط في اليوم.
يقول ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية: "لم يبق أمام مصر الكثير من الخيارات الأخرى" بعد تهديدات السيسي بالتدخل. وأضاف: "السؤال هو ما نوع هذا التدخل، ومَن سيدعم مصر في هذا المسعى، وهل بإمكانها مضاهاة القوة العسكرية لأنقرة".
الاستعداد للمعركة الحاسمة
والآن تستعد قوات حفتر بعد تقهقرها الذي بدأ منذ عدة أسابيع بعد خسارتها مواقع رئيسية في طرابلس. وقد بدأت المعركة على العاصمة في أبريل/نيسان عام 2019، بعد اجتياح مقاتلي حفتر للشرق والجنوب.
هذا وقد بدأ حفتر حملته أثناء زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لمناقشة قرار سياسي. وقد نبذ الجهود الدولية للتوسط في وقف إطلاق النار، وغادر اجتماع استضافته روسيا في يناير/كانون الثاني رافضاً أي حلول سياسية.
وكانت هذه الخطوة هي أحدث المواقف المتقلبة للرجل السبعيني، الذي كان ضابطاً كبيراً في عهد القذافي، وساعد في شنّ حرب في الثمانينيات على تشاد، حيث ألقي القبض عليه وسُجن. وبعد إطلاق سراحه، أصبح معارضاً لزعيم ليبيا وانتقل إلى الولايات المتحدة، وعاد أخيراً إلى بلاده عام 2011.
"سرت والجفرة أولاً"
بعد اجتماع موسكو الفاشل، عزّزت تركيا دعمها العسكري واللوجستي لخصوم حفتر، ما أدى إلى تحول سريع في مسار الحرب. ودعا حفتر هذا الشهر إلى وقف إطلاق النار من جانب واحد، وتعهّد باستئناف مبادرة سياسية مدعومة من مصر. ورفضت حكومة الوفاق ذلك، داعية لمحاسبة حفتر على جرائمه، ومشددة أنها ستستعيد سرت وقاعدة الجفرة أولاً.
يقول العميد عبدالهادي دراه، المتحدث العسكري باسم حكومة الوفاق الوطني، إن من يسيطر على سرت "يسيطر على نصف ليبيا"، وقال إن القوات تنتظر أوامر السراج لشنّ هجوم كامل. وقال إن طائرتي شحن تحملان الدعم للمرتزقة الموالين لحفتر، هبطتا جنوب سرت يوم السبت، ودفع القائد القادم من شرق ليبيا بمئات المقاتلين المستأجرين من روسيا وسوريا وغيرهما.
"حفتر قوة مستهلَكة ولم يعد له أي فائدة"
وبينما احتفت تركيا بالنصر الذي حققه السراج في طرابلس بزيارات لكبار مسؤوليها، ومحادثات عن تقديم مساعدات، لمّحت الإمارات وروسيا إلى عدم رضاهما عن حفتر. وقال أشخاص مطلعون على أفكار موسكو إن القائد يُنظر إليه على أنه رهان خاسر منذ شهور، لكن التوقف عن دعمه سيكون بمثابة اعتراف بالفشل.
إذ قال أندريه شيبريغين، خبير الشرق الأوسط في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو: "حفتر قوة مستهلكة، ولم يعد له أي فائدة".
ومن جانبه، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، الأسبوع الماضي عنه، إن "بعض أصدقائنا" اتخذوا قرارات أحادية الجانب والكثير منها "ثبت خطؤها".
تقول بلومبيرغ، ربما يكون انسحاب حفتر من طرابلس هو العامل المحفز للجهود الدبلوماسية التي دعت لها مصر في وقت سابق من يونيو/حزيران.
هل تسحب موسكو مرتزقتها؟
يشعر حفتر بالقلق من أن تسحب روسيا دعمها له، وفقاً لمسؤول ليبي من شرق ليبيا مطلع على المناقشات في تلك المنطقة. وقال الشخص إن فشل حملة طرابلس مرتبط بانسحاب المرتزقة الروس، وقد يحدث موقف مماثل في سرت.
وقال هذا الشخص لبلومبيرغ إن حفتر بحاجة إلى التوقف عن القتال، والعودة إلى المفاوضات، وطلب عدم الكشف عن اسمه لحساسية هذه المسألة.
ويعتقد محمد أنيس سالم، السفير السابق والمحلل في المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن مؤيدي حفتر قد لا يكونون وحدهم المستفيدين من محاولات التوصل إلى سلام معه، وإنما خصومه كذلك.
وقال سالم: "لم أكن لِأحاول تغيير خَصمي في بداية العملية؛ فإذا حاولت تغيير خَصمك فقد ينتهي بك الأمر إلى وجود أشخاص أقل قدرة على احترام اتفاق توقعه، هذه لحظة للحكماء".