وجّه وباء كورونا ضربة موجعة للنشاط الاقتصادي حول العالم وتأثر سوق العمل بعد أن فقد الملايين أعمالهم، والمغرب إحدى الدول التي تأثرت بالفيروس القاتل، فأي مستقبل ينتظر سوق العمل المغربي مع رفع إجراءات الإغلاق الاقتصادي؟
ما حجم التأثير على البطالة؟
في 20 مارس/آذار الماضي، أعلنت المملكة المغربية حالة الطوارئ الصحية لمدة شهر، وتقييد الحركة في البلاد كوسيلة لـ"إبقاء كورونا تحت السيطرة"، ولاحقاً، تم تمديد حالة الطوارئ الصحية في البلاد ثلاث مرات، شهراً إضافياً، ثم ثلاثة أسابيع انتهت في 10 يونيو/حزيران الجاري، ثم التمديد حتى 10 يوليو/تموز المقبل.
وكنتيجة لتلك الإجراءات صعدت نسبة البطالة في سوق العمل بالمغرب إلى 10.5% من إجمالي القوى العاملة في الربع الأول من العام الجاري، ارتفاعاً من 9.1% في الفترة المقابلة من 2019، وقالت المندوبية السامية للتخطيط في المغرب (الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء)، إن عدد العاطلين عن العمل ارتفع بمقدار 208 آلاف فرد في الربع الأول من 2020 على أساس سنوي، بحسب تقرير لوكالة الأناضول اليوم الثلاثاء 23 يونيو/حزيران.
وبلغ إجمالي عدد العاطلين عن العمل نهاية مارس/آذار الماضي 1.292 مليون فرد، ارتفاعاً من 1.084 مليون في الربع الأول من 2019، ويرى الطيب أعيس، الخبير الاقتصادي المغربي في حديث للأناضول، أن فيروس كورونا "كانت له تداعيات اقتصادية على مختلف دول العالم، وتسبب في فقدان آلاف فرص العمل"، موضحاً: "لكنّ عدداً مهماً من الشركات المغربية لن تستطيع العودة لنشاطها مجدداً.. ستتسبب الجائحة في إفلاس عدد من الشركات المغربية، وبالتالي فقدان آلاف مناصب العمل، بينما يرجح أن تقلص شركات أخرى من مناصب العمل".
أي القطاعات تأثرت، سلباً أو إيجاباً؟
ولا تزال سوق العمل تسجل تغييرات جذرية بسبب تداعيات الفيروس كورونا؛ ففي الوقت الذي تفقد فيه عدد من القطاعات مناصب عمل، تخلق قطاعات أخرى مناصب جديدة، وكان قطاع السياحة هو الأكثر تضرراً، حيث توقفت عجلته تماماً، بينما شهدت مصانع إنتاج وتجميع السيارات تعطيلاً جزئياً، وكذلك توقيف عدد من القطاعات، ما أدى إلى تراجع الصادرات بسبب تراجع الطلب العالمي.
لكن هناك قطاعات أخرى لن تتأثر، وستحافظ على وتيرة التوظيف، بينما ستنتعش قطاعات أخرى أكثر، وبينما سيواصل النشاط العقاري أداءه ببطء، فإن القطاعات المرتبطة بالرقمنة والتجارة الإلكترونية، وأيضاً تلك المتعلقة بالصناعات الطبية، ستسجل نمواً متسارعاً خلال الجائحة.
وبحسب مذكرة إخبارية لمندوبية التخطيط، حول وضعية سوق العمل خلال الربع الأول 2020، ارتفع حجم الشغل بقطاع "الخدمات"، بـ192 ألف منصب على المستوى الوطني، على أساس سنوي.
كما أحدث قطاع الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية، 23 ألف منصب شغل خلال نفس الفترة، مسجلاً بذلك ارتفاعاً في حجم الشغل بهذا القطاع بنسبة 1.8%، في المقابل، سجل قطاع الفلاحة (الزراعة)، فقدان 134 ألف فرصة عمل، هو ما يعادل انخفاضاً بنسبة 3.6%؛ وفقد قطاع البناء والأشغال العمومية ألف وظيفة.
الارتباط بشركات عالمية
ويرى أعيس أن انهيار مجموعة من الشركات، مردّه إلى "ارتباط عدد من القطاعات الاقتصادية بالخارج، وبالتالي كان لقرار إغلاق الحدود، الأثر المباشر على فقدان فرص العمل"، مضيفاً: "سنفقد الكثير من فرص العمل في قطاعي السياحة والطيران، ولا يجب أن ننتظر ازدهار القطاعين وعودتهما إلى نشاطهما السابق بعد شهر أو شهرين، وإنما في أحسن الأحوال بعد سنتين، وقد تصل مدة التعافي التام خمس سنوات".
ويرى أعيس أن أغلب سياح العالم سيظلون في بلدانهم، حيث إن هناك توجهاً سياسياً في أوروبا، يقضي بعدم مغادرة مواطني دول الاتحاد لبلدانهم، وفي أحسن الأحوال السفر داخل دول الاتحاد فقط، ويظهر ارتباط قطاعات اقتصادية بالمملكة في الخارج، بحسب أعيس، "في قطاع الطيران، حيث أوقفت مجموعة من الشركات العالمية صفقات لشراء الطائرات، ما سينعكس على قطاع صناعة الطيران بالمغرب، الذي ازدهر في السنوات الماضية".
كذلك، شركات عالمية متخصصة في صناعة السيارات لها مصانع كبرى بالمغرب، أعلنت أنها ستوقف نشاطها، ومنها من سيحد من فرص العمل، وسيتخلى عن جزء من اليد العاملة.
ويرى المهدي فقير، الخبير الاقتصادي المغربي، أن "استمرار وجود الطلب الداخلي سيحافظ على فرص العمل.. لكن الشركات التي لا تتوفر على المناعة الكافية ضد الصدمات، ستتأثر"، مضيفاً أن "هناك قطاعات اقتصادية أخرى ستتجاوز الأزمة بسهولة، بالنظر لوجود الطلب على خدماتها. نحن لا نتحدث عن أزمة اقتصادية، بل عن آثار اقتصادية مترتبة عن أزمة صحية، بمعنى البنية الاقتصادية لم تتأثر، حيث الطلب الداخلي لم يتراجع".