تبدو إثيوبيا متعجلة لبدء ملء سد النهضة هذا الصيف، الأمر الذي أغضب مصر ودفعها لطلب تدخل مجلس الأمن الدولي في نزاع البلدين القائم منذ سنوات.
فما سر العجلة الإثيوبية في ملء السد الذي من المخطط أن تكون أول مرحلة منه في يوليو/تموز، رغم أن هذا القرار يهدد بتفاقم التوتر مع القاهرة التي تخشى تقليل حصتها من مياه نهر النيل.
ومع إصرار الطرفين على مواقفهما، وصلت المحادثات بشأن استغلال مياه النيل الثمينة إلى طريق مسدود بعد سنوات المفاوضات لعبت الولايات المتحدة دور الوسيط في آخر مراحلها.
والآن عقب فترة وجيزة من انتهاء الجولة الأخيرة من محادثات الصراع الدائر حول سد النهضة الكبير، بدأ الطرفان الرئيسيان في النزاع -مصر وإثيوبيا- يتبادلان اللوم.
وتطرح حالة الجمود هذه خطورة أمنية على المنطقة، حسبما قال ديفيد فولد جيورجيس، من المعهد الدولي للأمن في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لـ"موقع Deutsche Welle الألماني.
وقال: "لا يجب ترك الموقف الحالي في أيدي الدولتين وحدهما؛ فتأثيره يطال المنطقة بأكملها والموقف الأمني لإفريقيا".
على شفا حرب.. أديس أبابا تريد أن تكون عاصمة الطاقة بإفريقيا، ومصر تخشى على نيلها
وإذا استمر الصدام، يخشى جيورجيس من احتمال اندلاع حرب في المنطقة.
وأضاف: "السبيل المجدي الوحيد هو أن تعقد الدولتان اجتماع أزمة تشارك فيه جميع دول حوض النيل، وفي الوقت نفسه إجراء حوار على مستوى رؤساء جميع الدول الإفريقية".
ينشأ النزاع المستمر منذ سنوات من رغبة إثيوبيا في أن تصبح مصدراً مهماً للطاقة في المنطقة يقابلها قلق مصر من أنَّ السد سيُقلِل بنسبة كبيرة من إمدادات المياه إذا مُلِئ بسرعة كبيرة.
ومن المتوقع أن تفقد مصر ما لا يقل عن 22% من حجم المياه المتدفقة إليها، وتشعر بالقلق من أنَّ 30% من أراضيها الزراعية قد تتحول إلى صحراء.
وألمحت كل من مصر وإثيوبيا إلى احتمال اتخاذ خطوات عسكرية لحماية مصالحها، ويخشى الخبراء من أن يؤدي انهيار المحادثات إلى صراع.
أما السودان، وهو طرف آخر في هذا النزاع، فيعْلق منذ فترة طويلة بين المصالح المتعارضة للبلدين.
أكبر محطة في المنطقة.. إثيوبيا متعجلة لبدء ملء سد النهضة لهذا السبب
ويجلب موسم الأمطار المزيد من المياه إلى النيل الأزرق، الفرع الرئيسي لنهر النيل؛ لذا تعتبر أديس أبابا أنَّ الشهر المقبل سيكون الوقت المثالي لبدء ملء خزان السد.
وصُمِّم خزان السد بسعة استيعاب 74 مليار متر مكعب من المياه.
وتأمل إثيوبيا في جمع ما لا يقل عن 4.9 مليار متر مكعب من المياه خلال شهري يوليو/حزيران وأغسطس/آب.
وسيكون الحجم في مرحلة التعبئة الأولى هذه كافياً لبدء تشغيل أول توربينين في منتصف عام 2021.
ومن المحتمل أن تمر 7 سنوات أخرى قبل امتلاء الخزان بالكامل حتى يمكن تشغيل السد بطاقة جميع التوربينات الـ16 في عام 2029.
وبحلول ذلك الوقت، ستصبح أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في القارة قادرة على تزويد دول شرق إفريقيا جميعها بالكهرباء.
وعلى مدى ما يقرب من عقدٍ من الزمان الآن، يتصارع المستفيدون الثلاثة من النيل الأزرق حول مسألة التوزيع العادل لمياه النيل.
ومنذ ذلك الحين، يتزايد القلق في مصر من أنَّ الحقول في وادي النيل يمكن أن تبور وتجف آبار مياه الشرب.
ويشاطر السودان مصر هذه المخاوف، لكنه في الوقت نفسه يرى مزايا متمثلة في الكهرباء الرخيصة لمشاريع التنمية في البلاد وقلة الفيضانات مما سيفيد غالبية السودانيين الفقراء.
التعامل مع الجفاف
تبقى نقطة الخلاف الرئيسية في كيف ستتمكن البلدان على طول نهر النيل من إدارة فترات الجفاف في المستقبل.
في هذا الصدد، صرَّح غيدون أسفاو، رئيس الوفد الإثيوبي في "اللجنة الثلاثية" وكبير المفاوضين في إثيوبيا في نزاع النيل، لموقع Deutsche Welle: "إدارة الجفاف مسؤولية مشتركة".
وأشار أسفاو إلى أنَّ إثيوبيا اتخذت قرار إمكانية بناء السد وملئه بينما المفاوضات لا تزال جارية.
الخيار الإثيوبي.. التفاوض مع ملء السد
قال أسفاو: "سيستأنف الطرفان المحادثات. وملء حوض السد لا يعتمد على حالة المفاوضات".
من جانبه، اقترح السودان رفع مستوى المفاوضات مع مصر وإثيوبيا حول السد الضخم المقام على النيل إلى مستوى رؤساء وزراء الدول.
ومع ذلك، لم يُخطَّط لهذا الاجتماع حتى حدود اللحظة. وقال وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس، في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، إنَّ القضايا العالقة "قانونية، خاصة فيما يتعلق بآلية الاستخدام المشترك للمياه".
فيما ألقى نظيره المصري محمد عبدالعاطي باللوم في "عدم تحقيق تقدم يُذكر" في الجولة الأخيرة من محادثات السد على "المواقف الإثيوبية المتعنتة على الجانبين الفني والقانوني".