لم يحتل نبأ وصول عدد مصابي فيروس كورونا 9 ملايين حول العالم مساحة تذكر من التغطية الإخبارية، في إشارة لافتة إلى أن الحكومات قد حسمت أمرها؛ تكلفة التعايش مع الوباء أقل كثيراً من تكلفة محاولة القضاء عليه نهائياً، فما القصة؟
المليون التاسع في 6 أيام
استيقظ العالم اليوم الإثنين 22 يونيو/حزيران على تخطي عدد المصابين بالوباء حول العالم 9 ملايين دون أن يجد الخبر اهتماماً، اللهم إلا من تحذير جديد لمنظمة الصحة العالمية لم يلتفت إليه أحد، مع تواصل رفع إجراءات الإغلاق وعودة الحياة لطبيعتها، وهو ما يشير إلى أن الحكومات قد حزمت أمرها وقررت أن تكلفة محاربة الوباء والسعي للقضاء عليه باهظة أكثر من التعايش معه.
وقد حمل تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية بعنوان "الحكومات تجد توفير الحماية من الفيروس أسهل من القضاء عليه"، ألقى الضوء على هذا التوجه من جانب أغلب دول العالم من أوروبا لأستراليا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو تحول واضح عما كان عليه الحال الأسبوع الماضي فقط – عند الوصول للمليون الثامن، حيث كانت هناك تحذيرات من مخاطر الاضطرار للإغلاق مرة أخرى.
هذا السيناريو – أي التوجه لإعادة الإغلاق مع زيادة أعداد الإصابات – كانت قد نشرت شبكة CNN الأمريكية تقريراً عنه بعنوان "لماذا قد يكون الإغلاق الثاني بسبب فيروس كورونا أسوأ من الأول وكيف يمكن تفادي ذلك"، وكان ذلك الإثنين الماضي 15 يونيو/حزيران، لكن مع ارتفاع أعداد الإصابات بشكل لافت، شهد يوم الجمعة 19 يونيو/حزيران، إصابة أكثر من 180 ألفاً حول العالم وهو أعلى حصيلة يومية على الإطلاق، يبدو أن التفكير في الإغلاق مرة أخرى لم يعد وارداً بسبب تكلفته غير المحتملة على الاقتصاد.
والمعادلة هنا ببساطة ودون تعقيدات هي أن الوسيلة الوحيدة لاحتواء الوباء هي الإغلاق والتباعد الاجتماعي لحين التوصل للقاح وتوفيره للبشر حول العالم، وهذا ما جربته بعض الدول بالفعل لبعض الوقت، لكن الواضح أن هذا لم يعد خياراً بسبب تكلفته الباهظة على الاقتصاد.
وهناك الكثير من التدابير التي تشهد حالةً من التراخي بعدما هرعت الحكومات بعجالةٍ من أجل تحصين اقتصاداتها من الركود غير المسبوق في النصف الثاني من العام الجاري، ووفقاً لمعهد التمويل الدولي، فقد اعتُمِدَ حوالي 11 تريليون دولار من الموارد المالية على مستوى العالم منذ بدء الأزمة، بزيادة 5 تريليونات دولار قيد الإعداد.
ويقدِّر تحليلٌ من شركة ماكينزي وشركاه للاستشارات الإدارية العالمية أن عجز الحكومات عبر العالم قد يصل إلى 11 تريليون دولار هذا العام، وإلى إجمالي تراكمي يبلغ 30 تريليون بحلول العام 2023، والذي يقولون إنه سيتطلَّب "تدبير توازن هائل"، إذا كانت السلطات تريد أن تحتوي الديون بهدوءٍ بينما تؤمِّن نموها الاقتصادي.
تحفيزٌ مستمر
ويستمر الآن وزراء المالية والبنوك المركزية في الدول المتقدِّمة الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة واليابان وأوروبا، في التعهُّد بالمزيد من الإنفاق لدعم اقتصاداتهم، أما المزيج بين أسعار الفائدة القريبة من الصفر، والتسهيل الكمي غير المسبوق، وأسواق الديون التي تعمل بشكلٍ جيد، فيعني أنهم قادرون على تمويل حوافزهم فقط مع القليل من الضغط، لكن هذا المزيج لن يصمد إلى الأبد.
وقال كوي لي، رئيس قسم الأبحاث الكلية بشركة CCB International للخدمات الاستثمارية لوكالة بلومبيرغ: "السؤال الأعمق هو كيف ستموِّل الحكومات النمو المستقبلي دون تعريض الاستدامة المالية للخطر"، وأضاف: "بالنظر إلى المخاوف المُتعلِّقة بالنمو، أعتقد أن الحجج السياسية من المرجَّح أن تميل ناحية الإنفاق".
برامج أمريكية
وفي الولايات المتحدة، حثَّ جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، الكونغرس على عدم التراجع بسرعةٍ كبير عن الإغاثة الفيدرالية للأسر والشركات الصغيرة، وسط تزايدٍ للجدل حول ما إذا كانت البرامج المؤقَّتة التي أُقِرَّت لحمايتهم من الجائحة سوف تُمدَّد.
ويناقش الكونغرس ما إذا كانت إعانات البطالة الإضافية، التي تبلغ 600 دولار في الأسبوع، سوف تُمدَّد بعد موعد انتهائها في 31 يوليو/تموز، مع الوضع في الاعتبار أنها جزءٌ رئيسيٌّ من التحفيز في ظلِّ الجائحة. ويوشك برنامجٌ آخر لتعزيز الشركات الصغيرة ومساعدتها على تجنُّب حالات التسريح من العمل من نهاية التمويل المُخصَّص له. ويواجه المُشرِّعون ضغطاً أيضاً لتوفير المزيد من النقد لحكومات الولايات والحكومات المحلية، التي تبدأ عاماً مالياً جديداً في 1 يوليو/تموز وتضطر لتسريح العمال مع انخفاض الإيرادات.
كندا والمملكة المتحدة
في تلك الأثناء تسعى كندا لإسقاط ملايين الناس من الدعم الحكومي في ما يُوصَف بأنه إحدى أصعب مناورات السياسة الاقتصادية في تاريخ البلاد الحديث.
وانحنت حكومة المملكة المتحدة للضغوط من أجل مواصلة تقديم وجبات مجانية لأفقر شرائح من الأطفال في بريطانيا خلال الصيف، بعد حملةٍ قادها نجم كرة القدم الإنجليزي ماركوس راشفورد. ويأتي ذلك في الوقت الذي تموِّل فيه وزارة المالية أجور أكثر من 11 مليون وظيفة، وبتكلفةٍ يقول البعض إنها تتجاوز 100 مليار جنيه إسترليني سيحل وقت انتهائها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
القصة مشابهة في منطقة اليورو، وغطَّت برامج الدعم في الاقتصادات الأربعة الأكبر في المنطقة -ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا- 34 مليون وظيفة مع بداية الشهر الجاري.
وقال فابريزيو باغاني، المستشار السابق لرئيس وزراء إيطاليا، إنه بينما تتلاشى بعض إجراءات الإغاثة مع عودة الشركات إلى العمل، سيكون من الصعب إصدار دعواتٍ للحكم على التراجع عن دعم سوق العمل بشكلٍ خاص، وأضاف: "في نهاية المطاف، سيكون هناك إعادة تخصيص كبيرة للوظائف، وربما بطالة. وستتردَّد الحكومات في ذلك".
ما قاله اقتصاديو وكالة Bloomberg
"في الفترة الكثيفة الأولى من الإغلاق، كانت أولوية الحكومات واضحة، حيث ضخ السيولة في الاقتصاد بأسرع ما يمكن، ومع تخفيف الإغلاق، ستبدأ الأولويات تتغيَّر، في المرحلة المقبلة، سيكون التحفيز أكثر استهدافاً، مع إعادة تدريب العاملين وإنشاء الأعمال في خضم ذلك"- توم أورليك.
ويعني تحدي التراجع أن بعض إجراءات الأزمات التي اندلعت في الأشهر القليلة الماضية ستظل كما هي لفترةٍ طويلة بعد أن تبدأ الاقتصادات في التعافي، فبعد أكثر من عقدٍ من الأزمة المالية العالمية، لا تزال هناك بقايا نشطة من صندوق إنقاذ واشنطن، الذي تبلغ قيمته 700 مليار دولار، والمعروف باسم برنامج إغاثة الأصول المُتعثِّرة.