الجيش المصري يفوق نظيره الإثيوبي بفارق هائل، ولكن لهذه الأسباب الحسم العسكري يبدو بعيداً

عربي بوست
تم النشر: 2020/06/22 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/22 الساعة 13:12 بتوقيت غرينتش
الطائرة الرافال تمثل القوة الضاربة للقوات الجوية المصرية/رويترز

مع إعلان إثيوبيا أنها سوف تبدأ في تخزين المياه خلف سد النهضة بدون اتفاق، وإعلان القاهرة توجهها لمجلس الأمن، بدأ الحديث يتطرق لاحتمالات مواجهة بين الجانبين، ومدى الفارق بين القدرات العسكرية بين مصر وإثيوبيا.

ورغم أن مصر لم تطلق أي إشارة عن الحرب، ولكن البعض فهم توجيهات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للقوات الجوية بالاستعداد لتنفيذ مهمة خارج البلاد، بأنها ليست موجهة فقط لحكومة الوفاق في ليبيا بل أيضاً لإثيوبيا، خاصة لو لم يُقدم مجلس الأمن حلاً لقضية سد النهضة بعد أن طلبت القاهرة تدخله.

في المقابل فإن الجانب الإثيوبي تكثر لديه التلميحات العسكرية، ويتحدث دوماً عن استعداده للحرب، وكأنه يجهز شعبه لها أو يريد تقديم مصر كطرف معتدٍ، غير أن القاهرة لا ترد عادة بغلطة على هذه الاتهامات.

في هذا التقرير نرصد الفارق في القدرات العسكرية بين مصر وإثيوبيا وكذلك الإمكانيات الاقتصادية والبشرية وتأثيرات الجغرافيا والسياسة على أي حرب محتملة بينهما.

القدرات الاقتصادية والبشرية.. نقطة تفوُّق إثيوبية واحدة

تتباين القدرات الاقتصادية بين البلدين بشكل كبير لتكون في صالح مصر، ولكن فيما يتعلق بالقدرات البشرية، فإن إثيوبيا أكثر سكاناً، إذ تحتل المرتبة الثانية من حيث عدد السكان في إفريقيا تليها مصر في المرتبة الثالثة.

إذ يبلغ عدد سكان إثيوبيا نحو 108 ملايين نسمة مقابل نحو 104 ملايين و400 ألف لمصر وفقاً لتقديرات 2020 التي أوردها موقع المخابرات المركزية الأمريكية CIA.

وبينما يزيد عدد سكان إثيوبيا على مصر بنحو 4 ملايين نسمة، فإن الأخيرة تتفوق بشكل واضح في نسبة القراءة والكتابة 71.5% من إجمالي عدد السكان مقابل 51.8% لإثيوبيا، ومتوسط العمر المتوقع عند الميلاد يبلغ 73.7 عام في مصر مقابل 67.5 لإثيوبيا .

من الناحية الاقتصادية، يبلغ إجمالي الناتج المحلي المصري -وفقاً للقيمة الاسمية- 302 مليار دولار مقابل 91.66 مليار دولار لإثيوبيا، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2019، أي أن الناتج المحلي المصري 3 أضعاف الإثيوبي.

ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي في مصر نحو 3 آلاف دولار، مقابل 953 دولاراً لإثيوبيا.

وتتفوق مصر في تجانس شعبها النادر على مستوى العالم، حيث إن أغلبهم من المسلمين العرب السنة، والأقلية الوحيدة هي الأقلية القبطية مندمجة بشكل كبير، ومشكلاتها لا تقارن بمشكلات أقليات إثيوبيا المعقدة، حيث إن البلاد بها عشرات الإثنيات المتنوعة اللغات والأديان والمذاهب لا تمثل أي منها أغلبية.

وأقلية الأورومو تحديداً التي تبلغ نحو 34.5% من سكان إثيوبيا، تشكو من التهميش التاريخي ولا يلبي تولي آبي أحمد تطلعاتها رغم أنه نظرياً ينتمي إليها.

ولكن نقطة تفوق إثيوبيا بشرياً هي توزع سكانها على كافة أنحاء البلاد والطبيعة الجغرافية الهضبية المعقدة، وهما عاملان هددا تاريخياً وحدة البلاد، ولكنهما شكلا في الوقت ذاته حماية تاريخية من الغزوات الخارجية (إثيوبيا آخر دولة إفريقية خضعت للاحتلال).

الفارق في القدرات العسكرية بين مصر وإثيوبيا

تصنف العديد من التقديرات الجيش المصري كتاسع أقوى جيش في العالم، ويراه البعض أقوى جيش في الشرق الأوسط.

وفي هذا الإطار، فإن الفجوة بين البلدين التي نراها في الاقتصاد والتعليم تزداد حدتها في الجوانب العسكرية.

فالجيش المصري جيش شرق أوسطي، يتسم كعديد من جيوش هذه المنطقة بأن عدد أفراده كبير، كما يمتلك أعداداً كبيرة من الدبابات والطائرات والعربات المدرعة (عامة تعتبر جيوش الكثير من دول الشرق الأوسط من أكبر الجيوش عدداً بالنسبة للسكان، كما ترتفع نسب امتلاكها للدبابات على غرار الجيشين التركي والإسرائيلي، وكذلك العراقي والسوري قبل المشكلات التي تعرضا لها).

ويبلغ إجمالي نسبة إنفاق مصر العسكري من الناتج القومي 1.2% حسب تقديرات موقع CIA  لعام 2019.

 ومن الصعب تقدير حجم النفقات بدقة، خاصة في ظل السرية المحاط بها والتداخل بين الجانبين المدني والعسكري لأنشطة الجيش المصري، إلا أن البعض يقول إنها تتراوح بين 7.4 و11.1 مليار دولار.

في المقابل يبلغ حجم التقديرات لإجمالي النفقات العسكرية لإثيوبيا 330 مليون دولار وتبلغ نسبة الإنفاق العسكري 0.64% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.

تختلف التقديرات بشأن حجم القوات المسلحة المصرية؛ لتتراوح بين ما يقرب من 438 ألف فرد إلى 458 الفاً، منهم ما يتراوح بين  310 ألفاً و380 ألفاً قوات برية و18500 لسلاح البحرية، و30 ألفاً في سلاح الجو، وما يتراوح بين 70 و80 ألفاً في الدفاع الجوي، إضافة إلى 325٫000 من قوى الأمن المركزي المخصصة للأمن الداخلي وقمع أي احتجاجات، وفقاً لتقديرات موقع الـCIA  لعام 2019.

في المقابل، تتكون قوات الدفاع الوطني الإثيوبية من حوالي 140.000 جندي عاملين، بينهم نحو 3 آلاف للقوات الجوية، والباقي أغلبه من قوات برية.

الدبابات

يبلغ عدد الدبابات لدى الجيش المصري ما يقرب من 4450 دبابة، منها نحو 880 دبابة قديمة مخزنة و1360 دبابة إم 1 إيه 1 أبرامز الأمريكية الحديثة، والتي يتم تجميع بعضها في مصر.

وهناك حديث عن طلب تجميع لـ500 دبابة من طراز تي 90 الروسية الحديثة أيضاً، وبقية الدبابات التي تمتلكها مصر عبارة عن دبابات أمريكية وسوفيتية قديمة تم تحديثها.

دبابة مصرية من طراز أم 1 أبرامز في ميدان التحرير/wikipedia

في المقابل، فإن الجيش الإثيوبي تشير التقديرات إلى أن لديه ما يتراوح بين 420 إلى 520 دبابة، أغلبها طرازات سوفييتية قديمة وأحدثها الدبابات تي 72 التي يتراوح عددها بين 200 إلى 300 أغلبها اشتراها مستعملة من أوكرانيا، وهي دبابات ليست حديثة، حيث دخلت الخدمة في الجيش السوفييتي في سبعينيات القرن الماضي.

القوات الجوية

في المجال الجوي تتسع الفجوة بين البلدين بشكل كبير.

إذ لدى مصر 313 طائرة مقاتلة من بينها 218 طائرة إف 16 تجعل مصر رابع مشغل لهذه الطائرة الشهيرة بعد الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا، ولكن أغلبها بلوكات (نسخ) قديمة لا تستطيع الوصول إلى الحدود الإثيوبية باستثناء 12 طائرة إف 16 بلوك 52.

كما اشترت مصر 24 طائرة فرنسية من طراز رافال، وهي تعتبر الأقدر في الأسطول الجوي المصري على الوصول لإثيوبيا، نظراً لامتلاكها قدرات قصف عالية ومدى بعيداً.

ومن بين الأسطول الجوي المقاتل المصري نحو 80 طائرة فرنسية قديمة من طراز ميراج 5، وهي تعود للسبعينيات، ويمكن أن تستخدم في الدعم الجوي القريب.

السوخوي 27 تمثل الطائرات الوحيدة الفعالة لدى القوات الجوية الإثيوبية/wikipedia

في المقابل، فإن إجمالي الطائرات المقاتلة الإثيوبية نحو 10 طائرات سوفييتية ميغ 23 التي تعود للسبعينيات، إضافة إلى 14 طائرة روسية الصنع من طراز سوخوي 27 وهي طائرة رغم تقادمها النسبي (تعود للثمانينيات) فإنها تظل مشهورة بقدرتها الهائلة على المناورة، كما أنها تعد الأساس لتطوير سلسلة طائرات سوخوي 30 و34 و35 الشهيرة، والأخيرة تسعى مصر لشرائها من روسيا.

ولكن مما يقلص من إمكانيات السوخوي 27 الإثيوبية ليس فقط قِدم الأجهزة الإلكترونية والرادارات بها، ولكن أيضاً ضعف البنية الأساسية الجوية الإثيوبية والتدريب، حيث أفادت تقارير بأنه خلال الحرب الإثيوبية الإريترية كانت مرتزقة روس يقودون هذه الطائرات لصالح أديس أبابا.

المروحيات

تمتلك مصر أسطولاً من مروحيات أباتشي الأمريكية الشهيرة، يبلغ عدده 46 طائرة، وهي طائرة مشهورة بقدرتها على اصطياد الدبابات والعربات المدرعة.

كما تمتلك مصر نحو 30 مروحية هجومية روسية من طراز Kamov Ka-50، إضافة إلى نحو 89 طائرة غازيل الفرنسية الشهيرة التي أصبحت متقادمة، إضافة إلى أعداد كبيرة من طائرات النقل المروحية الروسية والأمريكية والأوروبية التي يمكن أن يستخدم بعضها أيضاً كطائرات مروحية هجومية.

في المقابل، تمتلك إثيوبيا نحو 8 طائرات مروحية هجومية روسية الصنع من طراز ميل مي 24، وهي طائرات تتسم بالكفاءة رغم قدم تصميمها، إضافة إلى طائرات ميل مي 8 وهي طائرات نقل يمكن أن تستخدم كطائرات هجومية أيضاً.

القوات البحرية: لا وجود لها في إثيوبيا

انتهى وجود القوات البحرية الإثيوبية عام 1996 بعد استقلال إريتريا حيث أصبحت البلاد حبيسة، لأن كل سواحلها أصبحت جزءاً من الدول الجديدة، وبالتالي لا محل للمقارنة بين القوات البحرية للبلدين.

ماذا سيحدث إذا تحاربت الدولتان؟ الأرقام النظرية مختلفة عن الواقع

يبدو الفارق بين الجيشين هائلاً لصالح مصر، ولكن هل يعني ذلك أن القاهرة تستطيع معاقبة إثيوبيا على تجاهل مطالبها في مسألة سد النهضة وشن حرب عليها أو قصف السد.

الواقع أن الحروب ليست مجرد إحصاءات عن فارق القوة بين الجيوش، ولكن الأمر أعقد من  ذلك بكثير.

الجغرافيا هي العدو الأخطر لمصر.. فهل ستكون السودان حليفتها؟

فالمؤثر الأول في أي صراع بين البلدين هي الجغرافيا، لا يوجد أي حدود مشتركة بين البلدين، وبالتالي لا تستطيع مصر استخدام قواتها البرية الضخمة ضد أديس أبابا، إلا عبر عمليات إنزال جوي ضخمة، وهو أمر لا تستطيعه سوى دول قليلة في العالم، غالباً هي الولايات  المتحدة وبصورة أقل روسيا.

البديل الثاني هو عملية عسكرية عبر الحدود السودانية، وهو ما يعني توريط السودان في الحرب.

والسودان أبدت رغبة واضحة في عدم التصعيد مع إثيوبيا ورفضت توجّه مصر إلى مجلس الأمن رغم تحرشات أديس أبابا العسكرية بها.

كما أن إثيوبيا واحدة من أعقد البلدان جغرافياً في العالم، وتتكون من هضاب ضخمة وسلاسل جبال وأودية تقلل من فاعلية المدرعات بشكل كبير، وتعطي أفضلية لصاحب الأرض الذي يستطيع استغلال الجغرافيا التي يعرفها جيداً، خاصة في حروب العصابات التي تخسرها عادة الجيوش النظامية.

كما أن الشعب الإثيوبي محارب، والنظام مركب، إذ يعتمد إضافة إلى الجيش على سلسلة من الميليشيات المرتبطة بالنظام، وهو الأمر الذي يجعل شكل الحرب معه معقداً، كما فعل مع السودان مؤخراُ.

هل يمكن قصف السد؟

تبعد إثيوبيا عن مصر أكثر من ألف كيلومتر مما يجعل استخدام الطائرات لتنفيذ غارات جوية على السد مسألة معقدة.

إذ إن أقرب قاعدة مصرية لإثيوبيا تبعد عن سد النهضة نحو 1500 كلم، ولا تمتلك القاهرة سوى عدد قليل من الطائرات القادرة على الوصول لإثيوبيا، منها طائرات رافال الفرنسية التي يبلغ نصف قطرها القتالي ١٨٠٠ كم إضافة إلى نحو 12 مقاتلة من طراز إف 16 بلوك 52، ولا تمتلك مصر طائرات تزود بالوقود.

ورغم أن الرافال قادرة على تزويد نظيراتها بالوقود فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة محدودة في مداها.

وهناك غموض حول كيفية حماية إثيوبيا للسد، إذ إن معظم نظمها الجوية قديمة، ولكن يعتقد أنه محمي بنظام بانتسير الروسي الحديث نسبياً.

وهي منظومة متوسطة المدى مضادة للطائرات والصواريخ الكروز والطائرات بدون طيار، إلا أن الشكوك حامت حول قوة وكفاءة المنظومة بعد تدمير الطائرات المسيرة التركية للمنظومة في ليبيا وسوريا عدة مرات.

ولكن يظل بُعد المسافة وقلة الطائرات المصرية القادرة على الوصول لإثيوبيا أمراً يزيد صعوبة أي محاولة مصرية لقصف السد، خاصة أن الطائرات السوخوي 27 الإثيوبية رغم قدمها وتأخرها في مجال الإلكترونيات والرادارات مقارنة بالرافال والإف 16 بلوك 52 فإنها تظل لديها قدرات مميزة في مجال القتال الجوي التلاحمي، في مقابل أن الطيارين المصريين سيكون عليهم أن يقاتلوا بعيداً عن قواعدهم.

سد النهضة/رويترز

كما أن افتقاد مصر لوجود طائرات تزوَّد بالوقود يجعل المهمة محفوفة بالمخاطر، إذ سيكون من الصعب على الطائرات المصرية الاشتباك لوقت طويل مع أي طائرات معادية حتى لا ينفد وقودها.

وقد يكون الحل بالنسبة لمصر تنفيذ ضربة مباغتة، وهو أمر لا يمكن ضمانه في ظل احتمال تلقي إثيوبيا معلومات عن الغارة المصرية من قِبل بلد مثل إسرائيل  أو أي قوة عظمى لديها أقمار صناعية وقدرات استطلاع وتجسس متقدمة.

وحتى إذا تمكنت مصر من التغلب على الصعوبات الفنية في عملية قصف السد، فإن التبعات السياسية كبيرة، فأي عملية تعني عبور أجواء السودان،  الذي يحاول تجنب مواجهة مع إثيوبيا.

كما أنه شأن أي عملية جلب انتقادات دولية ولاسيما إفريقية، كما أن إثيوبيا تحظى بتعاطف لدى الرأي العام الغربي في ظل صعود موجة رفض عارمة للعنصرية ضد السود، ويلاحظ صعود موجة تعاطف بين عدد من النواب السود في الكونغرس الأمريكي التي تحاول تصوير الصراع على أنه تنمر من دولة عربية بيضاء على دولة إفريقية تحتل مكانة خاصة لدى السود في العالم باعتبارها أقدم حضارة إفريقية سوداء.

كما يعتز الأفارقة في العالم بأن إثيوبيا هي القوة الإفريقية السوداء الوحيدة التي هزمت قوة أوروبية كإيطاليا في معركة العدوة الشهيرة في نهاية القرن التاسع عشر إضافة إلى المكانة التي اكتسبتها إثيوبيا باعتبارها من معقل المسيحية في إفريقيا لدى الغرب (علماً أنه يعتقد أن أغلب سكانها مسلمون رغم الهيمنة المسيحية).

ولكن يظل خيار العمل العسكري عبر قصف السد رغم صعوبته الشديدة، وتداعياته الضخمة ليس مستبعداً بالنسبة لأي صانع قرار مصري في ظل التعنت الإثيوبي واستغلال أديس أبابا لكل العوامل السابقة لتجاهل مطالب مصر والسودان، وتعاملها مع النيل باعتباره ملكاً إثيوبياً خالصاً، الأمر الذي يعرض البلدين لخطر وجودي، وفي ظل توقع أن مجلس لن يغير من الأمر شيئاً.

تحميل المزيد