تسعى كل من تركيا وروسيا إلى ترسيخ تواجدهما في ليبيا، من خلال دعم الأطراف المختلفة في البلاد، فمنذ انكسار خليفة حفتر وانتهاء حصاره الذي دام 14 شهراً للعاصمة طرابلس في بداية الشهر الحالي، يونيو/حزيران، نشط الداعمون الدوليين للفصائل في ليبيا سعياً لتثبيت نفوذهم في أكثر البلدان الإفريقية الغنية بالنفط، كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية.
أهم اللاعبين في ليبيا
تُواجه ليبيا خطر تحول الوضع إلى حربٍ ممتدة بالوكالة، مثل سوريا، إذ تصطف عدة قوى من أطياف مختلفة لدعم حكومة الوفاق الوطني الشرعية المعترف بها من الأمم المتحدة ومقرّها في طرابلس، في مقابل قوى أخرى تدعم قوات حفتر المسيطرة على الشرق.
وكما في سوريا، صارت روسيا وتركيا الدولتين الأكثر تأثيراً، ويدعم كلٌّ منهما طرفاً من طرفي الصراع. وقد برزت تركيا كأهم اللاعبين المؤثرين بعد أن تدخلت في يناير/كانون الثاني بإرسال قواتها والطائرات المسيّرة لدعم حكومة الوفاق الوطني، ما مكّنها من دحر قوات حفتر المدعوم بالمرتزقة الروس.
القواعد العسكرية
وقد نقلت رويترز يوم الإثنين، 15 يونيو/حزيران، أن تركيا في مباحثات مع حكومة الوفاق الوطني من أجل استعمال القواعد البحرية والجوية في البلد الشمال إفريقي، لكنهما لم تتوصّلا إلى اتفاقٍ نهائي. وستمنح القواعد أنقرة أفضلية على الروس والقوى الأوروبية وكذلك خصومها العرب مثل مصر والإمارات.
وقد أدى دعم تركيا للوفاق إلى نشوب خلافٍ بينها وحليفتها بالناتو، فرنسا، التي تدعم قوات حفتر. يوم الأربعاء، 17 يونيو/حزيران، اتهم وزير الدفاع الفرنسي القوات البحرية التركية بالتصرف بطريقة "عدوانية للغاية"، والتعرض لسفينة حربية فرنسية في شرق المتوسط أثناء محاولتها تفتيش سفينة حاويات يُشتبه في نقلها أسلحة لليبيا بالمُخالفة لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة. وقال ينس ستولتنبرغ، أمين عام حلف الناتو، يوم الخميس 19 يونيو/حزيران، إن الحلف يحقق في الواقعة، لكن تركيا ردت بحزم على الفرنسيين ونفت هذه المزاعم تماماً.
وقد وصل وفد تركي رفيع المستوى إلى ليبيا هذا الأسبوع، يضم وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو ووزير المالية ورئيس جهاز الاستخبارات، من أجل مباحثات حول آخر تطورات الأزمة واتفاقية التعاون العسكري الموقعة بين الحكومتين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
روسيا تسابق الزمن
هذا وتسعى روسيا الداعمة لقوات حفتر في الشرق إلى زيادة تواجدها العسكري في ليبيا، وفقاً لأنا بورشيفسكايا، الزميلة الرفيعة بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. تقول أنا: "استراتيجياً، إن كسبت روسيا تواجداً في سوريا وفي ليبيا أيضاً، فإن هذا يمنحها منصّة واسعة المدى من حيث متاخمة بلاد الناتو الجنوبية".
ويُمكن أن يؤمن التواجد العسكري الروسي المتزايد في ليبيا سيطرة أكبر لروسيا على تدفق المهاجرين إلى أوروبا، يُمكن استعماله في زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي. وقد نشرت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، يوم الخميس 18 يونيو/حزيران، أدلة جديدة على تحليق الطائرات النفاثة الروسية إلى ليبيا عن طريق المتعاقدين العسكريين الروس.
وكان من المخطط أن يلتقي وزراء الخارجية والدفاع الأتراك والروس مباشرة وتجاوز الوسطاء الليبيين يوم الأحد القادم، لكن الاجتماع أُلغي بعد تقدم قوات الوفاق من أجل استعادة مدينة سرت الساحلية الاستراتيجية من قوات حفتر. ويوم الإثنين، صرح وزير الخارجية التركي بأن أنقرة ملتزمة بالتوصل إلى اتفاقية دائمة لوقف إطلاق النار. ونظراً إلى مصالح الجهات المنخرطة في النزاع الليبي وتعددها، يبدو أن القادم سيكون أقرب إلى إدارة النزاع من السعي إلى فضّه.