خاضت الصين والهند حرباً ضد بعضهما في العام 1962، على منطقة الهيمالايا نفسها التي قُتِلَ فيها 20 جندياً على الأقل مساء يوم الإثنين الماضي 15 يونيو/حزيران، في اشتباكاتٍ دموية بين الجانبين.
قبل أقل بقليل من ستة عقود، أسفر شهرٌ من القتال عن انتصارٍ عسكريٍّ للصين، إذ أعلنت بكين وقف إطلاق النار بعد تأمين السيطرة الفعلية على أكساي تشين، وهي منطقةٌ ادَّعى كلا البلدين أحقيته فيها. أودت المعركة التي استمرَّت شهراً من الزمن بحياة حوالي 700 جندي صيني، وتقريباً ضعف هذا العدد على الجانب الهندي، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
لكن الجيشين المتجابهين في الهيمالايا اليوم مختلفان كثيراً عن اللذين قاتلا بعضهما قبل 58 عاماً.
تقول الفكرة التقليدية إن الصين لديها تفوُّقٌ عسكريٌّ كبيرٌ على الهند، لكن دراساتٍ حديثة من مركز بلفر التابع لكلية جون كينيدي للإدارة الحكومية في بوسطن، ومركز الأمن الأمريكي الجديد في واشنطن، تطرح أن الهند تحافظ على تفوُّقٍ في البيئات ذات الجبال الشاهقة، مثل المنطقة التي وقعت فيها مواجهة هذا العام.
الأسلحة النووية
لا يتوقَّع أحدٌ أن تنفجر التوتُّرات الجديدة عن حربٍ نووية، لكن عند تقييم توازن القوى، لا يمكن تجاهل أن كلاً من الصين والهند أصبحتا قوتين نوويَّتين منذ مواجهتهما السابقة
أصبحت بكين قوةً نووية في العام 1964، بينما صارت الهند كذلك في 1974.
تقدِّر الإحصاءات الصادرة هذا الأسبوع من معهد ستوكهولم لأبحاث السلام أن لدى الصين حوالي 320 رأساً نووياً -أكثر من الـ150 رأساً نووياً التي لدى الهند. ووفقاً للمعهد، فقد شهد كلا البلدين تنامياً في ترسانتيهما خلال العام الماضي، إذ زادت الرؤوس النووية لدى الصين بمقدار 40، والهند بمقدار 10.
ويحوز كلا البلدين ثلاثة أنظمة لحمل هذه الرؤوس، حيث الصواريخ وقاذفات القنابل والغواصات. وكلاهما ينحازان أيضاً إلى سياسة "عدم الاستخدام أولاً"، غير أن هذا يعني تعهُّداً باستخدام الأسلحة النووية رداً على هجومٍ نووي.
القوات الجوية
وفقاً لدراسةٍ نشرها مركز بلفر في مارس/آذار الماضي، فإن لدى الهند ما يقرب من 270 مقاتلة جوية و68 طائرة للقتال البري يمكن أن تستخدمها للقتال مع الصين.
وتفيد الدراسة، التي أعدَّها فراند أودونيل وأليكساندر بولفراس، بأن نيودلهي تحوز أيضاً سلسلةً من القواعد الجوية القريبة من الحدود مع الصين، والتي يمكن من خلالها إمداد وتزويد تلك الطائرات.
وقالت دراسة بلفر إنه، على الجانب الآخر، لدى الصين 157 مقاتلة جوية وأسطول صغير من الطائرات المُسيَّرة للهجوم البري في المنطقة. وتطرح الدراسة أن القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني تستخدم ثماني قواعد في المنطقة، لكن معظمها مدرجات مدنية في مرتفعاتٍ وعرة.
وتزعم الدراسة أن "الارتفاع الجغرافي الكبير للقواعد الجوية الصينية في التبت وشينجيانغ، بالإضافة إلى الظروف الجغرافية وظروف الطقس الصعبة للمنطقة، يعنيان أن المقاتلات الصينية تقتصر على حمل حوالي نصف حمولة تصميمها ووقودها".
وقد يمنح إعادة التزويد الجوي بالوقود الطائرات الصينية المزيد من الحمولة والوقت في القتال، لكن الجيش الصيني ليس لديه ما يكفي من الناقلات الجوية لإنجاز هذه المهمة، وفقاً للدراسة.
وتشهد دراسة بلفر على تفوُّق نوعي للقوات الجوية الهندية في المنطقة، بطائراتها من طراز ميراج-2000 وسوخوي-30، على حساب طائرات الصين من طراز J-10 وJ-11 وسوخوي-27.
وتحلِّق الطائرات الهندية من طراز ميراج-2000 وسوخوي-30 في كلِّ الأجواء، علاوة على أدوارها المُتعدِّدة، أما بالنسبة للطائرات الصينينة، ففقط طائرات J-10 هي التي تتمتَّع بهذه القدرات.
الهند تستعد للصين منذ فترة
ووفقاً لتقريرٍ أصدره مركز الأمن الأمريكي الجديد في أكتوبر/تشرين الأول 2019، فقد بنت الهند قواعدها في المنطقة بوضع الصين في اعتبارها.
ويزعم التقرير أنه "لمواجهة هجومٍ مُحتَمَلٍ من جيش التحرير الشعبي الصيني، ركَّزَت الهند بشكلٍ أكبر على تعزيز البنية التحتية، ومرونة القواعد، وأنظمة التحكُّم والاتصال، وتطوير الدفاع الجوي".
وتشير دراسة بلفر إلى أن الصين، التي تواجه تهديداتٍ مُتصوَّرة من الولايات المتحدة على جانبيها الشرقي والجنوبي، عزَّزَت قواعدها هناك، فيما أهملت منطقة الهيمالايا، تاركةً أربع قواعد جوية عُرضةً للخطر.
وتزعم الدراسة أن "التدمير الهندي أو العجز المؤقَّت لبعضٍ من القواعد الجوية الأربع المُشار إليها سيزيد من تفاقم أوجه القصور والضعف لدى القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي". ويعطي تقرير بلفر تفوُّقاً للقوات الجوية الهندية في مجالٍ آخر، ألا وهو الخبرة.
يقول التقرير: "الصراعات الأخيرة مع باكستان تمنح القوات الجوية الهندية الحالية مستوىً من الخبرة المؤسَّسية في القتال الفعلي". وبحسب تقرير بلفر، قد يواجه الطيَّارون الصينيون، المُفتقِرون إلى مثل هذه الخبرة، صعوبةً في التفكير بأنفسهم في ساحة المعركة الجوية.
يقول التقرير: "وجدت التدريبات الأخيرة للقوات الجوية لجيش التحرير الشعبي، التي جرت دون سيناريوهاتٍ موضوعةٍ مُسبَّقاً، أن الطيَّارين يعتمدون بصورةٍ مُفرِطةٍ على القوات الجوية من أجل التوجيه التكتيكي". ويضيف: "يشير هذا إلى أن الكفاءة القتالية لهذه القوات الجوية قد تكون أضعف كثيراً مِمَّا كان مُقدَّراً في كثيرٍ من الأحيان السابقة".
القوات البرية
وبينما لدى الهند خبرةٌ في الجو، يقول التقرير إنها مُصقلةٌ بالخبرة أيضاً في البر، مع القتال في مناطق مثل كشمير، وفي مناوشاتٍ على طول الحدود مع باكستان.
يقول التقرير: "الهند هي الطرف الأقوى والأكثر خبرةً، إذ قاتلت في سلسلةٍ من الصراعات المحدودة ومنخفضة الكثافة في ماضيها القريب". ويضيف: "أما الجيش الصيني، فهو لم يشهد اختباراً قتالياً منذ صراعه مع فيتنام في 1979".
وتُعتَبَر هذه الحرب، التي امتدَّت لشهرٍ من الزمن بعد أن دشَّنتها الصين رداً على تدخُّل فيتنام في كمبوديا، بشكلٍ كبير، هزيمةً للصين. كان لدى الجيش الصيني إشكاليةٌ كبرى في انتزاع مكاسب من القوات الفيتنامية التي كانت أقل عدداً، لكن أكثر خبرةً بعد قتالها ضد القوات الأمريكية في حرب فيتنام.
غير أنه بينما قد تكون هناك فجوةٌ كبيرة في الخبرة في الهيمالايا اليوم، يفيد التقرير بأن هناك تكافؤاً في أعداد القوات البرية. ويقدِّر تقرير بلفر أن هناك حوالي 225 جندي مشاة هندياً في المنطقة، بالإضافة إلى 200 إلى 230 ألف جندي صيني.
غير أن الأعداد قد تكون مُضلِّلة. فمن ضمن الوحدات المحسوبة بقوات الجيش الشعبي الصيني قواتٌ مُكلَّفة بالحدِّ من أيِّ فرصةٍ للتمرُّد في التبت أو شينجيانغ، أو التعامل مع أيِّ صراعٍ مُحتَمَلٍ على طول حدود الصين مع روسيا.