أثار الإعلان عن فشل الجولة الأخيرة من مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، والتي جرت بين مصر والسودان وإثيوبيا، واختُتمت، مساء الأربعاء 17 يونيو/حزيران 2020، حالة من الغضب والسخط العام في الأوساط الشعبية والسياسية لدولتي مصب نهر النيل.
وذلك بعد أن أعلن وزير الري المصري الدكتور محمد عبدالعاطي، أن المفاوضات لم تصل لشيء، حتى مجرد الاتفاق على موعد جديد للتباحث أو تحديد الخطوة التالية.
وحمّل عدد من السياسيين والخبراء الاستراتيجيين في مصر والسودان الحكومة الإثيوبية مسؤولية فشل جولة المفاوضات التي جاءت بدعوة من السودان وأُجريت عبر الدوائر التلفزيونية بين وزراء الري في مصر والسودان وإثيوبيا.
وطالبوا بضرورة القيام بعدد من الخطوات السياسية والقانونية العاجلة؛ لمنع إثيوبيا من الشروع في ملء خزان السد، وممارسة الضغوط على الجانب الإثيوبي حتى يعود إلى طاولة المفاوضات، كما رسموا خريطة للتوصل إلى حل وفق شروط ملزمة تحفظ حقوق الدول الثلاث، من خلال اتفاقية عادلة وملزمة وشاملة.
واستبعدوا اللجوء إلى الحل العسكري؛ لما له من خسائر فادحة على كل الأطراف، مشيدين بالتقارب في المواقف بين مصر والسودان، لأول مرة منذ بدء مفاوضات سد النهضة عام 2011، وهو ما يمثل نقطة ايجابية يمكن البناء عليها في تقوية موقف دولتي المصب أمام ما اعتبروه "مماطلة إثيوبية"، وهو ما اعترض عليه محللون إثيوبيون، معتبرين أن بلادهم تسعى لتحقيق التنمية وتوفير الكهرباء لشعبهم، وأن تشييد السد وإدارته يمثلان قضية سيادة وطنية في إثيوبيا لا يمكن التنازل عنها.
يفتح "عربي بوست" الملف، ويحاور كل أطراف الأزمة؛ ليناقش أسباب الخلاف وتوصيفه الحالي من وجهة نظر كل طرف، ومن ناحية أخرى يناقش سيناريوهات الحل المقبولة لدى كل طرف.
توصيف الخلاف وتأصيل المشكلة
في البداية حمَّل الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، الحكومة الإثيوبية مسؤولية فشل المفاوضات، وقال: "خاصة بعد أن ثبت أنها تثير المشاكل القانونية نفسها كى لا تلتزم بأى شيء، بل تسعى إلى أن يتم إطلاق يدها لبناء سدود جديدة على النيل الأزرق دون تشاور مع مصر والسودان".
وعلَّق علام، على البيانين الصحفيين لوزيري الرى بمصر والسودان، في نهاية الجولة الأخيرة من المفاوضات مساء الأربعاء، قائلاً إن "الفرق بينهما هو أن بيان وزير الري المصري لم يشر إلى أي إنجاز فني في المفاوضات، وهو أمر منطقي، لأنه لا قيمة لأي اتفاق في ظل رفض إثيوبيا التقيد به في الاتفاقية، بل ترغب في الاكتفاء به كرأي استرشادي غير ملزم وأن يكون لها مطلق الحرية في تغيير أي معايير فنية، أي إن إثيوبيا أضاعت وقتنا ووقت السودان في مفاوضات مطولة، كأنها تقول للدولتين: لا أكترث بكما وسوف أدير السد كما أشاء".
وأشار وزير الري المصري الأسبق، إلى أن التعثر المتكرر في المفاوضات أمر متوقع دائماً، بسبب المماطلة الإثيوبية، لافتاً إلى أن الخلاصة بعد فشل هذه الجولة توضح أننا "نتعامل مع دولة بلطجة لا تحترم خصومها"، متسائلاً، في ظل ضعف ومحدودية إمكانيات إثيوبيا: "من يقف وراء هذه الدولة ويستخدمها لهذه المؤامرة على مصر والسودان ومن يقف وراء هذه البلطجة المحميَّة؟ وما هو الهدف من جر مصر إلى نزاع علني مع هذه الدولة الضعيفة؟".
واعتبر علام، أن محاولة رفع الأمر إلى رؤساء حكومات الدول الثلاث لن يؤدي إلى نتيجة طالما استمر التعنت الإثيوبي، معتبراً أن نزع فتيل الأزمة بيد رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد.
استراتيجية المماطلة
كما اعتبر هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مؤسس وحدة السودان وحوض النيل بالمركز، أن الحكومة الإثيوبية تتحمل مسؤولية فشل المفاوضات، لأنها تتبع أسلوب المراوغة والمماطلة، طوال السنوات الماضية، حتى تكسب مزيداً من الوقت، حيث تمكنت من الانتهاء من بناء سد النهضة باستخدام هذه الاستراتيجية، والآن تتبع السياسة نفسها حتى تتمكن من ملء خزان السد.
وأشار رسلان، إلى أنه تم التوافق بين الدول الثلاث على 90% من بنود وثيقة واشنطن، التى تمت صياغتها بوساطة أمريكية في شهر فبراير/شباط الماضى، بالعاصمة الأمريكية، وحدث الخلاف على 10% من بنود الوثيقة، والتي تتعلق بالتشغيل الدائم للسد والآلية الملزمة للأطراف الثلاثة في حال حدوث أي خلافات مستقبلية.
وأضاف: "وكذلك آلية مراقبة تنفيذ الاتفاق، والتي رفضت إثيوبيا التوقيع عليها، حيث ترغب الحكومة الإثيوبية في التنصل من أي آلية ملزمة تحدد العلاقة الدائمة بين الدول الثلاث فيما يتعلق بحدوث أي طارئ في تدفقات المياه مثل فترات الجفاف الشديد وندرة الأمطار، حتى تتمكن من السيطرة على مياه النهر منفردة".
وأوضح رسلان، أن إصرار الجانب الإثيوبي على عدم وجود اتفاق يحدد التشغيل الدائم للسد وآلية تنفيذ ملزمة للأطراف كافة، يعني أنه لا توجد اتفاقية من الأساس، فلماذا إذاً هذه الاجتماعات والمفاوضات الممتدة لسنوات، طالما لن تكون هناك الية تضمن إرساء الاستقرار وتحول دون حدوث خلافات أو مواجهات بين الدول الثلاث!
الهيمنة المنفردة على النيل
وحول انتقادات إثيوبية لوثيقة واشنطن، قال رسلان إنَّ رفض إثيوبيا لوثيقة واشنطن يوضح أن هدف الحكومة الإثيوبية الحقيقي ليس توليد الكهرباء كما يقولون، وإنما تستهدف الهيمنة الكاملة على النهر، والتحكم في المياه المتدفقة إلى دولتي المصب، ويروّجون كذباً أن مياه النهر قضية تدخل في نطاق السيادة الإثيوبية.
وفيما يتعلق بجولة المفاوضات الحالية أوضح رسلان، أن إثيوبيا ترفض توقيع أي اتفاق ذي صيغة ملزمة، كما ترفض وجود آلية قانونية لحسم أي نزاعات مستقبلية، مما يوضح أنهم لا يريدون أن يلتزموا بأي اتفاق، فيما تصر كل من مصر والسودان على وجود اتفاق ملزم وموقَّع من الأطراف الثلاثة.
وأضاف: "لأنه حينما يحدث أي تغيير في سياسة تشغيل السد ستنشب خلافات، تحتاج وجود اتفاق مرجعي يحدد حقوق كل طرف، يتم خلاله احتواء هذه الخلافات، ولكن إثيوبيا ترفض ذلك".
وحول ما إذا كانت إثيوبيا ترغب في إعادة تقسيم حصص المياه، أوضح رسلان، أن إثيوبيا ليست طرفاً في اتفاقية تقسيم المياه بين مصر والسودان والتي تحدد حصة مصر بـ55.5 مليار متر مكعب، فيما يحصل السودان بمقتضاها على 18.5 مليار متر مكعب، لأنها كانت اتفاقية ثنائية بين دولتي المصب.
واستطرد: "لذلك تسعى إثيوبيا من وراء ذلك، لعقد اتفاقية جديدة تعيد خلالها تقسيم المياه، مما يقلل من حصة دولتي المصب لصالح الجانب الإثيوبي، وهو الأمر المرفوض تماماً من جانب القاهرة والخرطوم، كما أنه يتنافى مع القانون الدولي، الذي يكفل استمرار تدفق المياه بالنسب نفسها التي كانت عليها قبل بناء السد".
استياء سوداني
ولم يختلف الموقف في السودان عن الموقف المصري، حيث حمَّل الدكتور إبراهيم الأمين، نائب رئيس حزب الأمة القومي، إثيوبيا مسؤولية إخفاق المفاوضات أيضاً، متهماً إياها بالمماطلة، وقال: "إثيوبيا عوَّدتنا نقض الاتفاقيات، والمماطلة".
وأشار إلى أن ذلك دأب الحكومات الإثيوبية المتعاقبة منذ عشرات السنين، حيث وقعت إثيوبيا معاهدة 1902 مع بريطانيا باعتبارها كانت دولة الاحتلال للسودان آنذاك ثم نقضوها، لافتاً إلى أنه ماتزال مصر والسودان ملتزمتين بإعلان المبادئ الموقع سنة 2015، رغم أنه أضر بمصر والسودان، لأنه منح إثيوبيا الحق في إنشاء سد النهضة.
كما اعتبر الخبير في القانون الدولي، الدكتور أحمد المفتي، العضو المستقيل من اللجنة الرسمية السودانية حول سد النهضة، أنَّ فشل جولة المفاوضات الراهنة كان حتمياً من البداية، على الرغم من تصريحات وزير الري السوداني المتفائلة في بداية التفاوض.
وأشار إلى أن هذه المفاوضات كانت عبثية منذ بدايتها عام 2011، ولذلك قرر الاستقالة من اللجنة الخاصة بها "حتى لا أشترك فيها، وكان محكوماً عليها بالفشل منذ البداية لعدة أسباب؛ منها أن إثيوبيا لم تعطِ مصر والسودان إخطاراً مسبقاً قبل بدء التشييد".
وأضاف: "كما أنها اشترطت عدم توقف التشييد في أثناء المفاوضات، واشترطت كذلك أن تكون مخرجات المفاوضات غير ملزمة لإثيوبيا"؟ لافتاً إلى أن "هذه الشروط تتعارض مع القانون الدولي والقانون الإقليمي".
وأوضح المفتي أن إثيوبيا تقدمت بخطة جديدة في بداية الجولة الأخيرة من المفاوضات التى انتهت اﻷربعاء، من 13 مادة للملء الأول والتشغيل، ألغت فيها كل ما تم التفاوض حوله منذ عام 2011، وهو ما رفضت كل من مصر والسودان مناقشته بشكل نهائي.
وأشار إلى أن "ذلك يعني أن إثيوبيا تريد إلغاء ما سبق والبدء في وضع بنود جديدة، والمماطلة حتى لا توقّع اتفاقاً قانونياً ملزماً أو وضع آلية لحل النزاعات؛ ومن ثم كان من الطبيعىي أن يتم الإعلان عن فشل المفاوضات".
اتهامات إثيوبية لمصر
من جهته حمَّل المحلل والإعلامى الإثيوبي، جمادا سوتي، رئيس فضائية "مستقبل أوروميا"، الذى ينتمي إلى جبهة تحرير أورومو، المتحالفة مع الائتلاف الحكومي الإثيوبي، الحكومة المصرية مسؤولية فشل المفاوضات، بسبب لجوئها إلى ممارسة الضغوط الدولية، سواء من خلال الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي، أو من خلال التلويح باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، قبل حتى أن تنتهى المفاوضات.
وقال سوتي: "الحكومة المصرية ظلت صامتة منذ 2011 ولم تتحدث إلا الآن، بعد أن دفع الشعب الإثيوبي الغالي والنفيس من أجل تمويل بناء السد"، معتبراً أن الضغوط التي تمارسها الحكومة المصرية، وسعيها لتدويل القضية لن تجدي نفعاً، لأنها جاءت في وقت متأخر نسبياً، خاصةً أن الحكومة الإثيوبية قد أتمت بناء السد، وستبدأ في مرحلة الملء خلال الشهر المقبل.
وفيما يتعلق بالمماطلات الإثيوبية ومحاولاتها التحكم في مياه النهر والانتقاص من حصة دولتي المصب، قال مسؤول جبهة تحرير أورومو، إن إثيوبيا أكدت أن حصة مصر والسودان من المياه لن تُنتقص في الأوضاع العادية، أما فيما يتعلق بسنوات الجفاف فقد أعلنت إثيوبيا أنها على استعداد للتفاوض حول سنوات، على أن تكون المسؤولية مشتركة بين الدول الثلاث.
وانتقد سوتي موقف حكومتي مصر والسودان بشأن مطالباتهما بالاشتراك في إدارة السد، وقال: "مصر والسودان لم تطلبا الاشتراك في بناء السد منذ البداية، والآن تريدان أن تشاركا في تشغيله، وهذا غير مقبول، لقد أنفقت الحكومة الإثيوبية في بناء السد من دماء بسطاء الشعب خلال السنوات الماضية".
ورفضَ المسؤول الإثيوبي أن تكون الحكومة الإثيوبية متعنتة في المفاوضات، وقال: "لا يوجد تعنت من جانب إثيوبيا، ولكن الحكومة المصرية هي التي وقَّعت منفردةً على مسودة واشنطن، التي تقبل فيها بأن تنقص حصتها من المياه إلى 37 مليار متر مكعب فقط، دون أن تصارح شعبها بهذا".
وأضاف، أن الحكومة المصرية تحاول الاستخفاف بالحكومة الإثيوبية سياسياً واقتصادياً، فالجانب المصري يمتلك كل شيء من كهرباء وغاز، والشعب الإثيوبي لا يمتلك أي شيء، حتى الكهرباء لا تتوافر لأكثر من نصف الشعب الإثيوبي.
وأكد أن شعب بلاده ينتظر ما وعدته الحكومة به بعد إنشاء السد من تنمية وكهرباء، مشدداً على أن الشعب الإثيوبي كله يقف خلف حكومته لإتمام مشروع سد النهضة وتحقيق التنمية المنتظرة للجميع.
سيناريوهات الحل المقبولة
وحول السيناريوهات المقبولة لدى كل طرف من أطراف الأزمة، وأفضل الخطوات التي يراها كل طرف من وجهة نظره أنها سوف تؤدي للتوصل إلى حل، يبدأ الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية المصري اﻷسبق، قائلاً إنه على إثيوبيا أن تُوقف ملء خزان السد الذي أعلنت أنها ستبدأ فيه خلال الشهر المقبل، ولمدة عام.
وأضاف: " كما يجب أن يتم تشكيل لجنة دائمة من الدول الثلاث؛ للتنسيق للمشاريع المستقبلية الإثيوبية والإقليمية للسدود، ولاستقطاب الفواقد لزيادة إيرادات النهر، وذلك تبعاً للقانون الدولى وفي إطار هذه الاتفاقية التى يتم التفاوض عليها حالياً بين الدول الثلاث".
وقال: "يجب أن يكون السد عامل تعاون وتكامل بين دول النيل، وأستبعد اللجوء إلى الخيارات العسكرية الآن، لأنها ستكون مدمرة للجميع".
كما دعا الوزير المصري الأسبق، إلى تشكيل لجنة حكماء من الاتحاد الإفريقي؛ لمناقشة اعتراضات مصر والسودان على اتفاقية عنتيبي وإعداد التوصيات اللازمة لتعديل الاتفاقية تمهيداً لانضمام مصر والسودان إليها، وتشكيل مفوضية حوض النيل.
ودعا إلى الاتفاق على خطوات تدريجية لحل النزاعات عن طريق الرؤساء ثم الوسطاء ثم لجنة من الاتحاد الإفريقى لحل الأزمات، كما يتم إدراج بند لشروط تعديل الاتفاقية بخصوص قواعد تشغيل السد مستقبلاً، بإجماع من دول التفاوض.
وأوضح علام، أن من الضروري تكليف إحدى الشركات الدولية الاستشارية مراجعة التصميمات الإنشائية للسد وتقديم التوصيات؛ للتأكد من السلامة الإنشائية، وهو ما يحقق مطالب مصر والسودان بهذا الشأن، كما يتم تقييم الآثار البيئية والاجتماعية واقتراح سبل معالجتها من قِبل إثيوبيا وإدراج بند للتعويضات عن أي خسائر تنتج عن إخلال إثيوبيا بأي من التزاماتها في الاتفاقية.
اعتماد وثيقة واشنطن
من جهته يرى هاني رسلان، الباحث بمركز الأهرام، أنه على القاهرة والخرطوم الاستمرار في الجهد السياسي والقانوني والإعلامي؛ لممارسة مزيد من الضغط على الجانب الإثيوبي وتعرية موقفه أمام العالم، خاصةً أن الممارسات الإثيوبية تمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليَّين، وهو ما لا يقبله المجتمع الدولي.
وأوضح رسلان، أن وثيقة واشنطن التي تم التوصل إليها خلال المفاوضات التي جرت في شهر فبراير/شباط الماضي، بين مصر والسودان وإثيوبيا والتي تمت بوساطة أمريكية وبمراقبة البنك الدولي، ورفضت إثيوبيا التوقيع عليها، تعتبر أفضل الصيغ التي تضمن حقوق الدول الثلاث.
وقال إن هذه الوثيقة تضمن للجانب الإثيوبي توليد ما لا يقل عن 85% من قدرات توليد الطاقة الكهربائية في أشد فترات الجفاف قسوة، كما تضمن لمصر والسودان تدفق حصتهما من المياه بشكل آمن.
اللجوء إلى مجلس الأمن
وحول خيار اللجوء إلى مجلس الأمن أوضح رسلان، أنها خطوة مهمة وضرورية، في ظل المماطلات الحالية، مع تأكيد أن ذلك يتطلب حشد القوى الدولية لصالح دولتي المصب، بهدف تأجيل مرحلة ملء خزان السد إلى وقت لاحق، حتى يتم توقيع اتفاق عادل وملزم.
واعتبر مستشار مركز الأهرام، أن تصريحات وزير خارجية إثيوبيا، الأخيرة التي يتهم فيها مصر بعرقلة التوصل إلى اتفاق، بأنها "تضليل متعمد وهو منهج عمل مستمر لدى المسؤولين الإثيوبيين".
هل الحل العسكري وارد
من جانبه استبعد الدكتور إبراهيم الأمين فكرة الصراعات العسكرية، لأنها لن تفيد أي طرف، والكل سيخرج خاسراً فيها، مطالباً الجميع بالعودة للتفاوض السلمي؛ من أجل الوصول إلى حلول مقبولة من جميع الأطراف، على أن يتم توقيع اتفاقية ملزمة للجميع، لأنه من دون إلزام لا تكون هناك اتفاقية من الأساس.
ودعا نائب حزب الأمة القومي السوداني، الحكومة الإثيوبية إلى تأجيل موعد البدء في ملء خزان السد خلال الشهر المقبل، حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الأطراف، محذراً من أن " أي محاولة إثيوبية لملء السد دون اتفاق مع دولتي المصب ستؤدي إلى كوارث بالمنطقة".
ولفت الأمين إلى أن مشروع سد النهضة أحد القضايا الخلافية بين دول حوض النيل وستتبعه خلافات أخرى بشأن قضية المياه، ولذلك يجب أن يتم التوصل إلى حلول دائمة وملزمة له، حتى تتمكن بقية دول الحوض من التوصل إلى اتفاقية متكاملة بهذا الشأن لكل دول الحوض وروافده.
سحب توقيع مصر والسودان
وشدد الدكتور أحمد المفتي، على ضرورة قيام حكومتي السودان ومصر بسحب توقيعهما من على إعلان المبادئ الذي تم توقيعه عام 2015 بين الدول الثلاث، والذي يعطي شرعية للسد، وأن تطالب الدولتان مجلس الأمن الدولي معاً بإصدار قرار بموجب الفصل السابع؛ لوقف التشييد والملء إلى حين التوصل إلى اتفاق.
وأكمل المفتى: "يجب أن تعلن مصر والسودان بشكل صريح، عن رفض البدء في الملء قبل التوقيع على اتفاق نهائي وملزم، والاستعداد لمناهضة الملء بكل السبل المشروعة، والتقدم مع ذلك الطلب بتصور كامل لمواصلة المفاوضات على أساس ما تم التفاوض حوله منذ عام 2011 وما هو متفق عليه في اتفاقية عنتيبي التى سبق أن وافق عليها البرلمان الإثيوبي، وذلك نحو تكامل إقليمي يشمل كل دول حوض النيل، وذلك خلال فترة ثلاثة أشهر".
وأشار الخبير في القانون الدولي إلى أنه يتم بعد ذلك تسليم إثيوبيا صورة من ذلك التصور، ومطالبتها بمواصلة المفاوضات فوراً في ذلك الاتجاه، بما يغني عن تدخُّل مجلس الأمن، شريطة وقف التشييد والملء طواعية، إلى حيث توقيع اتفاق نهائي ملزم.
إثيوبيا ترفض التأجيل
فيما أكد الإعلامي الإثيوبي جمادا سوتي، أنه لا الحكومة ولا الشعب الإثيوبي يريدان أن يتأذى الشعب المصري أو السوداني من بناء السد، حيث وافقت الحكومة الإثيوبية على ما جاء بمسودة واشنطن، التي تحدد حصة مصر بـ37 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، بينما الحكومة المصرية لم تعلن للشعب المصري أنها قبلت تخفيض نسبة من حصتها.
وحول ما إذا كان لا يزال يجد هناك فرصة للتوصل إلى حل رغم الإعلان عن فشل آخر جولات التفاوض مساء اﻷربعاء، قال سوتي: "بالفعل هناك فرصة لتسوية هذه الأزمة، من خلال جلوس الأطراف الثلاثة مرة أخرى على الطاولة، واستئناف المفاوضات من جديد، وعدم اللجوء إلى تدويل القضية، لأن التدويل لن يجني أي ثمار على دولتي المصب".
واستبعد سوتي أن تقبل الحكومة الإثيوبية بمسألة تأجيل بدء الملء الذي أعلنت أنها ستشرع فيه الشهر المقبل، كبادرة حسن نية منها تجاه دولتي المصب، وقال: "لا أعتقد أن الحكومة الإثيوبية تقبل ذلك، لأنها التزمت أمام شعبها بهذا الموعد، ومن الصعب الرجوع في هذا القرار".
عودة التقارب المصري السوداني
وعلى الرغم من تعبير بعض المصريين عن استغرابهم من عدم إشارة وزير الري السوداني، خلال المؤتمر الصحفي مساء اﻷربعاء، إلى أن الجانب الإثيوبي اعترض على رفض إرجاع القضايا الخلافية إلى رؤساء حكومات الدول الثلاث، فإنه سادت حالة من الارتياح للتقارب المصري السوداني في الجولة الأخيرة للمفاوضات.
وهو ما أشاد به كثير من الأوساط الشعبية والسياسية في مصر، واعتبر هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام، أن النقطة الإيجابية الوحيدة في هذه الجولة من المفاوضات هو تقارب مواقف مصر والسودان لأول مرة منذ سنوات.
وأشار إلى أن الدولتين أكدتا بشكل قاطع، رفضهما أي تصرف إثيوبي أحادي، وهو الموقف الذى غاب عن جولات المفاوضات السابقة طوال سنوات، مؤكداً أن هذا التقارب يدعم ويقوّي موقف الدولتين خلال أي تحركات مقبلة.
موقف أمريكي إيجابي
كما علَّق رسلان على الموقف الأمريكي من المفاوضات، مشيراً إلى أن إعلان مجلس الأمن القومي الأمريكي عن رفضه فكرة الملء قبل التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث، يمثل رسالة واضحة بأنه يحمّل الحكومة الإثيوبية مسؤولية فشل المفاوضات، وهو موقف إيجابى يمكن البناء عليه من جانب دولتي المصب.
حملة استنكار شعبية
وشهدت القاهرة حملة من التغريدات والتعليقات من إعلاميين وسياسيين، على مواقع التواصل الاجتماعي؛ للمطالبة باتخاذ موقف قوي تجاه المماطلة الإثيوبية، فقد غرد الكاتب الصحفي أنور الهواري، على حسابه الشخصي بموقع فيسبوك عقب إعلان فشل المفاوضات، قائلاً: "المجتمع الدولي، للأسف الشديد، لا يعترف إلا بالأقوياء، ولازم تصله رسالة واضحة، مفادها أن المصريين أقوى مليون مرة مما هو في الظاهر، وأنهم قادرون على أن يحفظوا حقوقهم ويصونوا أمنهم ويحموا مصالحهم بكل ما أوتينا من قوة وصبر وجَلَد ودأب وتفانٍ في خدمة هذا الوطن الأول في تاريخ الأوطان".
فيما غرد الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، قائلاً: "ما ذكره وزير الخارجية الإثيوبي في حق (مصر) لن نردّ عليه.. واستمرارنا في التفاوض جزء من استراتيجية مرحلية والذهاب إلى مجلس الأمن خطوة أُولى.. مصر ليست دولة عابرة أو بسيطة؛ بل هي دولة قوية بكل المؤشرات والمعطيات وستحمي حقوقها بكل من تملكه من قوة".