اشتبكت قوات دولتين نوويتين مع بعضهما بالهراوات والصخور، في واحدة من أكثر البؤر توتراً في العالم، في حادث دموي يُسلّط الضوء على الأخطار الدائمة التي تشكلها القومية التوسعية.
وأكدت الهند أنها فقدت ما لا يقل عن 20 من رجالها في اشتباك مع الجنود الصينيين بالقرب من الحدود الجبلية المتنازع عليها، التي تمتد على طول منطقة لداخ بكشمير. وهي المواجهة الدموية الأولى منذ عام 1975، والأخطر منذ عام 1967، ولهذا من المتوقع أن يكون لها تأثير انفعالي قوي على مواطني البلدين، سبقه بالفعل سيل من الخطابات القومية، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.
دون أسلحة نارية
ولمثل هذه المواجهات تاريخ طويل منذ خاضت الدولتان حرباً قصيرة عام 1962. وبعد ذلك الصراع أُعلن عن "خط السيطرة الفعلي" (LAC)، ولكن لا يوجد خط متفق عليه وسيطرة محدودة، مثلما أكدت الأحداث التي وقعت في الأسابيع الأخيرة. وحتى الآن على الأقل، تمسّكت القوات الهندية والصينية باتفاق على عدم حمل الأسلحة النارية في الدوريات المُسيَّرة بالقرب من خط السيطرة الفعلي.
وقد أصدرت بكين بياناً يلقي باللوم على الهند، لكنه لم يُشر إلى وقوع إصابات بين الصينيين. وفي السابق كان مثل هذا البيان يصدر بعد عقود، إذا صدر أصلاً من نظام يفرض قيوداً مشددة على المعلومات، ولهذا السبب فإن التقارير التفصيلية الوحيدة التي ظهرت حتى الآن كانت في الصحافة الهندية.
والشيء الواضح هو أنه سيقع المزيد من هذه الاشتباكات ما لم يحدث تغيير واضح في التوجه، ومحاولة الاتفاق على موقع "خط السيطرة الفعلي"، والطريقة التي يجب أن يتصرف الجانبان بها في محيطه.
وبشكل عام، كان الاشتباك القاتل في وادي غالوان أحدث أعراض السياسة الصينية العدوانية المتنامية على الأراضي والحدود، من نوع ما يحدث بين صخور وشعاب بحر الصين الجنوبي.
اشتباكات في مناطق متعددة
على مدى عقود، كانت الصين أكثر حَزْماً من الهند في تشييد بنية تحتية من الطرق والملاجئ المحصنة حول خط السيطرة الفعلي. وفي السنوات الأخيرة حاولت الهند أن تحذو حذوها، خاصة في بناء طريق مؤدٍّ إلى دولت بيك أولدي (DBO)، أعلى مهبط للطائرات في العالم، وطرق فرعية مؤدية إليه. وحاولت الصين التصدي لهذه الأعمال البنائية الهندية، حتى لا يمر احتلالها الزاحف للمنطقة دون اعتراض.
وبدا أن القوات الصينية، منذ شهر مايو/أيار، منعت نظيرتها الهندية من الاقتراب من المناطق التي يُسيّر فيها الجانبان دوريات منذ سنين. ودفعت بكين بتعزيزات في المنطقة. وما يميز هذه الحادثة الحالية عن الحوادث السابقة ليس حصيلة القتلى فقط، ولكن حقيقة وقوع اشتباكات في مواقع متعددة.
تقول تانفي مادان، مديرة مشروع الهند في معهد بروكينغز: "من الصعب للغاية السيطرة على هذا النوع من الأراضي، ومن الصعب أيضاً تحرك العديد من الجنود فيها، لذا لا يعتبر هذا الحادث مجرد حادث وقع على الأرض. بل من الواضح أنه قرار اتخذه الصينيون على مستوى أعلى".
وقد شيدت الصين الطريق السريع 219، الذي يربط بين التبت وشينجيانغ، ويمر عبر منطقة بالقرب من خط السيطرة الفعلي الذي تعتبرها الهند ملكها. من ناحية أخرى، فإن الوجود الهندي في مطار DBO، يجعل من قواتها تهديداً لطريق كاراكورام السريع الذي يربط بين الصين وباكستان.
وقد يكون توقيت الحادث مرتبطاً بالطقس، إذ يوفر ذوبان الثلوج في الربيع فرصة للتحركات العدائية، وربما أدت الجائحة دوراً في حدوث هذا الاشتباك أيضاً؛ إذ إنها أدت إلى تأجيل الهند للتدريبات العسكرية، ومثلت دافعاً لبكين للبحث عن وسيلة إلهاء عن إخفاقاتها في الحكم.
من الصعب تخفيف التصعيد الآن
ووقع الاشتباك الدموي في وقت ومكان كان فيه الضباط من الجانبين يحاولون التفاوض على فضّ اشتباك القوات. ولا تريد أي من الحكومتين تصعيد الأمر، إلا أن حقيقة وقوع خسائر كبيرة في الأرواح، على الأقل في الجانب الهندي، تجعل من الصعب تخفيف هذا التصعيد.
وقال فيبين نارانج، أستاذ الدراسات الأمنية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "أصبحت السياسة الداخلية والرأي العام، وخاصة الضغط القومي للثأر للقتلى وتصعيد الأمر، قوة خطيرة. سيكون من الصعب على الهند على الأقل، في ظل وجود وسائل إعلام منفتحة نسبياً، أن تحد من التصعيد بسهولة في الوقت الحالي".