بدت خُطة خليفة حفتر بالزحف نحو طرابلس خيالية بدرجة ما، نظراً إلى أننا كنا في مدينة المرج شرق ليبيا، التي اتخذها حفتر مقراً له، وكنا نبعد أكثر من 1000 كيلومتر عن العاصمة الليبية طرابلس.
بهذه الكلمات وصفت يل ترو، مراسلة صحيفة The Independent البريطانية في الشرق الأوسط، لقاءها مع حفتر عندما كان يخطط قبل سنوات لهجومه على طرابلس مورطاً ليبيا في شوط جديد من الحرب الأهلية.
خُطة خليفة حفتر بالزحف نحو طرابلس
تقول ترو: "كان هذا في عام 2014. واستغرق الأمر أسابيع من المفاوضات للحصول على موافقة من الجنرال المتمرّد الكتوم لإجراء مقابلة معنا. جاءت الدعوة أخيراً في منتصف الليل. قدنا السيارة لساعات وكان معنا مسدس في المقعد الأمامي. أقام حفتر، الذي كان يعيش في فيرجينيا بالولايات المتحدة، بهواً كما لو أنه ملك. وكانت خلفه شاشة تلفاز تعرض صوراً لهجومه في بنغازي".
حرب أهلية محلية بتأثيرات خارجية محدودة
في ذلك الوقت، شهدت ليبيا فعلياً حرب عصابات بين الميليشيات المحلية المتنازعة. وبعد أيام قليلة فقط من إجراء مقابلة مع حفتر، بدأت الألوية الإسلامية هجومها المسمى "فجر ليبيا"، الذي دعم إدارة لم تستمر طويلاً.
من المؤكد أنه كان هناك تدخل أجنبي في ليبيا حينها، بل إنه كان موجوداً منذ بداية الثورة الليبية في 2011.
لكن هذا التدخل لم يكن وثيق الصلة بالأطراف المتنازعة: من خلال توجيه الذخيرة وبعض الأسلحة، أو تنفيذ غارات جوية بين الحين والآخر، وفي الغالب لضرب مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في البلاد.
ودولة واحدة كانت الأكثر تدخلاً ولكن في الخفاء، والليبيون كان يصنعون أسلحتهم بأنفسهم
وفي هذه المرحلة، كانت القاهرة تدعم حفتر بكل تأكيد. وبينما كنت أنتظر إجراء مقابلتي الثانية معه، التي أُجريت في وقت لاحق من ذلك العام، أتذكر مشاهدة وصول شحنة بدت كأنها ذخيرة محمّلة في صناديق وقادمة من القاهرة. (أنكرت القاهرة لاحقاً حدوث هذا إنكاراً شديداً).
لما كانت المعدات المهمة شحيحة لديهم، انشغلت الفصائل المماثلة لفصيل حفتر والميليشيات الموجودة في الغرب بتصنيع أسلحتها المؤقتة، واقتاتت في ذلك على خردة المعدات العسكرية التي تعود إلى عهد القذافي، والتي تُركت بعد الحرب الأهلية في 2011.
في حادثة مشهورة التُقطت على الكاميرات، أتذكر أن قوات غرب ليبيا لحمت برج مدفع خاص بسفينة حربية مقصوفة، فوق ظهر سيارة. غير أن السيارة انقلبت بسبب الوزن الهائل.
كانت ساحة المعركة فوضوية بشكل مرعب، في ظل الأسلحة المضادة للطائرات التي لحموها فوق ظهر السيارات، والميليشيات غير المدربة التي كانت كل منها توجه نيران هذه الأسلحة نحو الأخرى مباشرة كما لو أنهم يطلقون النار بسلاح كلاشنكوف. وكانت صواريخ غراد تسقط بعشوائية كما لو أنها قطرات مطر.
واليوم يستخدمون أحدث الأسلحة في العالم
وبعد مرور 6 سنوات، يستخدم طرفا أحدث تكرار للحرب الأهلية في ليبيا الآن بعضاً من أكثر أسلحة العالم تطوراً بفضل تدخل القوى العظمى العالمية -بما فيها تركيا وروسيا حسبما يُزعم- كما أرسلت موسكو كذلك آلاف المرتزقة.
بعد تحقيق استغرق شهوراً أجرته صحيفة The Independent يسبر أغوار العالم الخفي الغامض للمرتزقة في ليبيا، وسوف ينشر هذا الأسبوع، كشفت الصحيفة إلى أي مدى يحدد الجنود المرتزقة الأجانب اتجاه الصراع في ليبيا.
ويوضح أيضاً أكثر فأكثر أن الليبيين أنفسهم لن يكتبوا مصيرهم بأيديهم. بل سوف تحدده على الأرجح الدول التي تدعم كل جانب.
في وقت سابق من هذا العام، أعلنت تركيا تدخلها نيابة عن حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، التي تستقر في طرابلس، ضد الهجوم الذي يشنه حفتر على العاصمة، والذي انطلق أخيراً في أبريل/نيسان من العام الماضي.
نشرت أنقرة آلاف المقاتلين السوريين، وطائرات بيرقدار تي بي 2 المسيرة، وأنظمة دفاع جوي متطورة، وفرقاطات.
يبدو الجانب الآخر أكثر غموضاً. إذ يقول تحقيق للأمم المتحدة إن الإمارات أمدت قوات حفتر بطائرات وأنظمة دفاع جوي. ويضيف محققو الأمم المتحدة أن شركات الجيش الروسي الخاصة أرسلت آلاف القوات لدعمه، بينما قالت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا إن روسيا أرسلت طائرات متطورة إلى القواعد الجوية التي يسيطر عليها حفتر، ومن ضمنها طائرات ميغ-29 المقاتلة.
لكن كلتا الدولتين تنكر إنكاراً شديداً أي تورط لها في الحرب التي يشنها حفتر على العاصمة الليبية.
هل تزيد الإمارات من دعمها لحفتر لإنقاذه؟
فشل هجوم حفتر المشؤوم من أجل السيطرة على ليبيا، وسط شائعات بأن الأتراك والروس عقدوا اتفاقية تسمح للمرتزقة الروس الذين يقاتلون في صف حفتر بأن يفروا من خط المواجهة دون إلحاق الأذى بهم، ما يشكل مجموعة من الهزائم المتلاحقة لحفتر.
لذا يقول الخبراء إن نتائج الصراع لن يحددها نصرٌ يحققه أي جيش ليبي، بل ما تقرر حدوثه دول من أمثال تركيا وروسيا والإمارات ومصر.
قال تيم إيتون، الباحث الكبير في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية: "القتال المستمر لن يؤدي إلى نتيجة واضحة".
وأضاف: "يجب على الإمارات وداعمي حفتر الآخرين اتخاذ قرار حول ما إذا كانوا عازمين على منح المزيد. فلا يبدو أنهم عازمون على الاضطلاع بما يكفي كي يتسنى له عكس التيار بعد هزائمه الأخيرة".
وفي خضم كل هذا، يُحاصَر المدنيون الليبيون الذين يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة وسط تقلبات المشهد السياسي المشحون في ليبيا والتقارير التي تفيد بوجود انتهاكات حقوقية مستشرية.
وقالت الأمم المتحدة هذا الأسبوع إنها تشعر بقلق عميق إزاء التقارير في ترهونة، أحد معاقل حفتر في غرب ليبيا، التي تشير إلى اكتشاف ما يصل إلى ثماني مقابر جماعية.
وفي الوقت نفسه، قالت منظمة العفو الدولية إن القوات المنسحبة التابعة لحفتر زرعت ألغاماً أرضية مضادة للأفراد في مناطق عديدة جنوب طرابلس.
وقالت جماعة حقوقية دولية إنها عثرت كذلك على فيديوهات منشورة على حسابات شخصية لمقاتلي حفتر تُظهر تهديد المقاتلين بقتل النساء والرضع.
وعلى جانب حكومة الوفاق الوطني، قالت منظمة العفو الدولية إن القوات الحكومية نهبت عديداً من المنازل والمباني العامة وأشعلت فيها النيران، بما في ذلك مستشفى رئيسي في الساحل الغربي لمدينة صبراتة.
وفي ظل الحصار المشهود المفروض على البلاد من جراء حرب وكالة متزايدة التعقيد -وفي الوقت الذي ينتشر فيه فيروس كورونا- لا يبقى إلا أمل قليل بالتوصل إلى حل سريع لهذه الأزمة.
ولذا فإن الوضع في الوقت الراهن يمكن أن يوصف بنفس الكلمات التي ترددها ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: "المدنيون في ليبيا يدفعون الثمن مرة أخرى".