كان دونالد ترامب أول رئيس أمريكي على الإطلاق يلتقي نظيره الكوري الشمالي، وأعلن بكل ثقة قبل عامين أن "التهديد النووي من كوريا الشمالية تجاه الولايات المتحدة قد انتهى للأبد"، فهل نجحت دبلوماسية ترامب الشخصية بالفعل؟
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "عامان على لقاء ترامب وكيم جونغ أون.. الدبلوماسية الشخصية لم تسفر عن شيء"، ألقى الضوء على تطورات العلاقة بين واشنطن وكوريا الشمالية في ظل رئاسة ترامب.
متى كان اللقاء الأول؟
لم يكن التوقيت مصادفةً حين أعلن وزير خارجية كوريا الشمالية يوم الجمعة 12 يونيو/حزيران أن آمال التوصُّل إلى سلامٍ مع كوريا الجنوبية وحاميتها الولايات المتحدة "تبدَّدَت في كابوسٍ مظلِم"، وأن الحديث مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أفسح المجال للتركيز على "قوةٍ أكثر موثوقيةً للتعامل مع التهديدات العسكرية طويلة الأمد من جانب الولايات المتحدة".
كان ذلك منذ عامين بالضبط، حين التقى ترامب بكيم جونغ أون في سنغافورة، وهو أول لقاءٍ وجهاً لوجهٍ مع زعيمٍ كوريٍّ شماليٍّ منذ ما يقرب من 70 عاماً من الحرب والهدنة المضطربة والنزاع النووي، وفي مؤتمرٍ صحفي عُقِدَ في ذلك اليوم، أصرَّ ترامب على أنه أول رئيسٍ على الإطلاق يتفاوض بشكلٍ حقيقي على نزع السلاح، الأمر الذي توقَّع أن يبدأ قريباً.
كانت تلك المبادرة الجريئة، التي اعتبرها ترامب سابقاً خطوةً تاريخيةً في السياسة الخارجية، بالكاد تُذكَر في أروقة البيت الأبيض الذي يعج بالأزمات الأخرى، وبعد عامين من إعلانه بحماسةٍ على منصة تويتر أنه "ما مِن تهديدٍ نووي بعد الآن من كوريا الشمالية"، خلُصَت تقييماتٌ سرية وخبراء غير حكوميين إلى أن ترسانة كوريا الشمالية أصبحت أكبر بكثير مِمَّا كانت عليه حين عقد الزعيمان لقاءهما التاريخي، وهو أول لقاءٍ من ثلاثة، فالتقديرات متفاوتة، لكن أغلبها يستنتج أن كوريا الشمالية قد جمعت ما يكفي من الوقود لـ20 سلاحاً نووياً منذ أن تجوَّل الزعيمان الأمريكي والكوري الشمالي في حديقةٍ بسنغافورة من أجل التقاط صور انتهاء مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
في ذلك اليوم، قال الرئيس للمراسلين الصحفيين: "أعتقد أننا مقبلون على فعل هذه الأشياء. أعني أنني ربما أقف أمامكم بعد ستة أشهر وأقول: "مهلاً، لقد كنت مخطئاً"، لا أدري إذا ما كنت سأعترف أبداً بهذا، لكنني سوف أجد نوعاً من العذر".
أين الخطأ إذن؟
أما الطريقة التي سارت بها الأمور على نحوٍ خاطئ، فهذه هي دراسة حالة حول مخاطر المُبالَغة في الدبلوماسية بين القادة، خاصةً مع رئيسٍ يتعامل مع إحدى أعقد مشكلات العالم دون تحضيرٍ يُذكَر، ولفترةٍ من الوقت كان ترامب يجيب عن كلِّ سؤالٍ حول بطء التقدُّم بالطريقة نفسها: أنه لا يزال يستمتع بـ"علاقةٍ عظيمةٍ" بكيم، وأن الولايات المتحدة كانت ستدخل في حربٍ مع كوريا الشمالية لولا تدخُّله.
ربما، لكن الدولتين استغرقتا بشكلٍ أعمق من أيِّ وقتٍ مضى، بالنظر إلى أن تشديد الولايات المتحدة العقوبات بصورةٍ عرضية على كوريا الشمالية قد فَتَحَ قنواتٍ مع الصين وروسيا لتفادي آثار هذه العقوبات، وفي الوقت نفسه لم تُبطئ كوريا الشمالية قط من تخصيب اليورانيوم أو العمل على ترسانتها من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
ما تجنَّباه حقاً هو إطلاق أيِّ صواريخ يمكن أن تصل إلى الولايات المتحدة، أو أي اختباراتٍ نووية جديدة، ويكافح البلدان بطرقٍ مختلفةٍ للغاية ضد فيروس كورونا، والضرر الاقتصادي الناجم عنه، والآن لا يبدو أن أياً منهما مستعدٌ للمخاطرة بمواجهةٍ صريحة.
قال فيبين نارانغ، الخبير النووي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "قال ترامب لنفسه إن هذا نصر، وهكذا أيضاً قال كيم لنفسه". وأضاف: "ظلَّ ترامب يردِّد لنفسه: لم تكن ثمة حرب"، وتابَع: "بالنسبة لكيم جونغ أون كان ذلك أيضاً نصراً لأنه قادرٌ على التنفُّس خلال حملة الضغط الأقصى" لسحق بلاده اقتصادياً، "بينما لا يزال يوسِّع قواه الصاروخية والنووية".
اتفاق على طريقة ترامب
أُشيدَ بمبادرة ترامب على نطاقٍ واسعٍ في البداية، وبعد ربع قرنٍ من المفاوضات على المستويات الأدنى، بدت قمة الرئيسين منتعشةً، لكن بينما تضمَّن اللقاء بين الرئيسين استعراضاتٍ رائعة، كانت التفاصيل مفقودةً والاتفاق مليئاً بالغموض والثغرات.
لذا عندما سعى وزير الخارجية مايك بومبيو إلى الحصول على قائمةٍ بالمنشآت النووية في كوريا الشمالية كخطوةٍ أولى نحو تسليم الأسلحة، اتَّهم كيم جونغ أون بومبيو بالسعي إلى الحصول على "قائمة أهداف" للهجمات الصاروخية الكورية، وردَّ بومبيو: "أنا لست بحاجةٍ إلى قائمة أهداف"، موضحاً أن لديه واحدةً بالفعل. قال إنه أراد أن يتأكَّد أن كوريا الشمالية خاليةً من الأسلحة النووية، ولم تُقدَّم القائمة قط، وسرعان ما تعطَّلَت المحادثات اللاحقة إزاء كيفية تطبيق اتفاقٍ غامض الصياغة.
وفي خطابه برأس السنة في يناير/كانون الثاني 2019، هدَّدَ كيم جونغ أون بالتوصُّل إلى "طريقٍ جديدٍ" إن أصرَّت واشنطن على العقوبات، وحين التقى كيم بترامب في هانوي في الشهر التالي انهارت محادثاتهما بسبب الاختلافات حول توقيت إرخاء العقوبات، وحول إصرار كوريا الشمالية أنها ستفكِّك فقط موقعها النووي القديم في يونغبيون، وسوف يبقي ذلك على المواقع النووية الرئيسية لدى كيم، وكذلك على قدرته الكاملة على إطلاق الصواريخ.
ومذاك الحين، حوَّلَت كوريا الشمالية توجُّهها، مُعبِّرةً عن غضبها وإحباطها إزاء واشنطن وسيول، وزار الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن كوريا الشمالية، وشجَّعَ كي وترامب واصفاً لقاءهما للتفاوض بشأن الاتفاق بالتاريخي الذي لن يتكرَّر.
قال لي بيونغ شول، الخبير بمعهد دراسات الشرق الأقصى التابع لجامعة كيونغنام في سيول: "كانت توقُّعات كيم جونغ أون كبيرة بشأن اجتماعاته مع ترامب"، وأضاف: "وكذلك كان إحباطه حين انهارت المحادثات".
وفي مايو/أيار 2019، كسرت كوريا الشمالية هدنة الـ18 شهراً في اختبارات الأسلحة، إذ أطلقت سلسلةً من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى، والتقى مُفاوِضون من كلا البلدين في ستوكهولم في أكتوبر/تشرين الأول، لكنهم افترقوا فقط ليؤكِّدوا على اختلافاتهم، وفي وقتٍ لاحق قالت كوريا الشمالية إنها لم تعد مهتمةً بـ"المفاوضات السقيمة" مع الولايات المتحدة، وفي ديسمبر/كانون الأول أجرت تجربتين في موقع اختبار مُحرِّكات الصواريخ لتعزيز ما سمّته بـ"الرادع النووي".
وفي يوم رأس السنة هذا العام، غيَّر كيم تكتيكاته، وقال إن شعبه لا يتوقَّع أيَّ إرخاءٍ فوري للعقوبات، وسوف يستعد لنضالٍ مُطوَّل ضد الولايات المتحدة من خلال بناء اقتصادٍ "معتمدٍ على ذاته". وحذَّر من أن العالم سوف يشهد "سلاحاً استراتيجياً جديداً"، و"فعلاً حقيقياً صادماً".